ليلى نقولا
من الناحية القانونية والسياسية، يرتبط "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين بحقهم في "تقرير المصير"،
الذي تحوّل الى احدى القواعد الآمرة في القانون الدولي، بحيث يمكن إبطال أي اتفاق دولي
يخالفه أو يعرقله.
واذا اخذنا المادة 13 من الاعلان العالمي لحقوق
الانسان وبنود اتفاقية جنيف الرابعة وغيرها من اتفاقيات القانون الدولي الانساني، نجد
أن حق اللاجئين الفردي والجماعي بالعودة إلى ديارهم والعيش في وطنهم هو حق طبيعي وأساسي
من حقوق الإنسان، ويستمد مشروعيته من حقهم التاريخي في وطنهم، ولا يغيّره أي حدث سياسي
طارئ، أو أي اتفاقية ثنائية، ولا يسقطه أي تقادم. وحقوق اللاجئين هذه في العودة الى
"بلدهم" لا تنحصر في دولة "الجنسية" فحسب - كما تدّعي اسرائيل
- انما تشمل مكان إقامتهم الذي تمّ تهجيرهم منه بالأساس.
كما أن مبادئ القانون الدولي أيضًا، تكفل للاجئ - سواء
اختار العودة إلى دياره أم عدم العودة- حقّ الحصول على التعويض المناسب، فالتعويض هو
حقّ ملازم لحقّ العودة الى الديار، يستفيد منه كل لاجئ أو مهجّر أو مبعد سواء عاد أم
لم يعد إلى دياره، علمًا أن التعويض يعتبر عنصرًا مكملاً لحقّ العودة وليس بديلاً عنه
بتاتًا كما كانت الدول الغربية واسرائيل تحاول أن تدّعي في معرض محاولات حلّ القضية
الفلسطينية في السابق.
ومع طرح خطة ترامب للسلام المسماة "صفقة القرن"، نجد أن كل ما يكفله القانون
الدولي للفلسطينيين قد تمّ خرقه، وتراجعت الخطة حتى عن طرح مقابل مادي كبديل عن عودة
الفلسطييين الى ديارهم، وتمادت لتطلب تعويضًا لليهود من الدول العربية والاسلامية!!
فماذا في خطة ترامب؟
أدرج خطة ترامب تصورًا لحلّ قضية اللاجئين تقوم على ما
يلي:
أولاً- بداية، تؤكد الخطة أن "المقترحات التي تطالب
بأن توافق دولة إسرائيل على استقبال اللاجئين الفلسطينيين، أو الوعد بعشرات المليارات
من الدولارات كتعويض للاجئين، لم تكن واقعية ولم يتم تحديد مصدر تمويل موثوق به".
ثانيًا- تعرض هذه الخطة ثلاثة خيارات للاجئين الفلسطينيين
الذين يبحثون عن مكان إقامة دائم:
أ- الاستيعاب داخل دولة فلسطين وستكون عودة محدودة، مع
استثناء اللاجئين الفلسطينيين في سوريا (التي مزقتها الحرب) ولبنان (لأنه معادي لاسرائيل).
ب- الاندماج المحلي في البلدان المضيفة الحالية (رهن
بموافقة تلك البلدان).
ج- قبول
5000 لاجئ كل عام لمدة تصل إلى عشر سنوات (50000 لاجئ إجمالي)، في كل دولة من الدول
الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي الذين يوافقون على المشاركة في إعادة توطين اللاجئين
الفلسطينيين.
ثالثًا: بعكس ما كان يطمح اليه بعض الساسة اللبنانيين
في التسعينات من القرن العشرين وما بعدها، من الذين أفرطوا في الاستدانة طمعًا بتسديد
ديون لبنان مقابل توطين اللاجئين، فإن خطة ترامب لا تعرض أي مقابل مادي مقابل توطين
الفلسطينيين، كل ما تعرضه هو بعض القروض لتحسين البنى التحتية والقطارات وسواه وتحسين
شروط التكامل الاقليمي (تمهيدًا لأن تصبح اسرائيل دولة طبيعية ضمنه).
رابعًا: واستكمالاً لخرق القانون الدولي ولتمييع قضية
اللاجئين الفلسطينيين الى أقصى حد، تدّعي الخطة أن نفس العدد من اليهود والعرب شردهم
النزاع العربي الإسرائيلي.، فتذكر حرفيًا؛ " كما تعرض اللاجئون اليهود الذين أجبروا
على الفرار من الدول العربية والإسلامية. استقر معظمهم في دولة إسرائيل واستقر بعضهم
في أماكن أخرى. يجب أيضًا معالجة قضية اللاجئين اليهود، بما في ذلك التعويض عن الأصول
المفقودة".
وتؤكد أن " دولة إسرائيل تستحق التعويض عن تكاليف
استيعاب اللاجئين اليهود من تلك البلدان. لذا يجب تنفيذ حل عادل ومنصف وواقعي للقضايا
المتعلقة باللاجئين اليهود من خلال آلية دولية مناسبة منفصلة عن اتفاقية السلام الإسرائيلية
الفلسطينية".!!
وهكذا، تكون خطة ترامب ليس فقط تراجعت عما يكفله القانون
الدولي للاجئين الفلسطينيين من حقوق بالعودة والتعويض، بل قد تجد الدول العربية نفسها
قريبًا مطالبة بسداد تعويضات بمليارات الدولارات لمواطنيها اليهود الذين هاجروا للاستيطان
في فلسطين المحتلة، وقد تكون مطالبة بسداد تعويضات لاسرائيل نفسها، وقد يتم ابتزازها
لعقود كما حصل مع المانيا بعد الحرب العالمية الثانية!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق