ليلى نقولا
تتجه الأنظار الى الجلسة النيابية
التي ستعقد في البرلمان اللبناني لمناقشة البيان الوزراي للحكومة الجديدة، والتي ستنطلق
بعدها "الورشة" الحكومية الانقاذية وتطبيق بنود الورقة الاصلاحية والبنود
التي وردت في موازنة 2020.
وقد يكون أخطر ما سيواجه هذه
الحكومة، هو استحقاق الدفعة الأولى من دين الدولة بالدولار الأميركي لهذا العام، والذي
يبلغ ما مجموعه ثلاث مليارات ونصف دولار أميركي، ويشير العديد من الاقتصاديين الى أنه
من الأفضل للدولة اللبنانية ان تتخلف "إراديًا" عن الدفع مع التفاوض مع الدائنين
على إعادة الجدولة، لكي تضمن القدرة على شراء الدواء والقمح والوقود وغيرها من مستلزمات
العيش اللبناني.
وفي خضّم هذه الأزمة، تنقسم
آراء الشارع اللبناني، بين مؤيدين للحكومة، ومعارضين لها، الذين بدورهم ينقسمون الى
عدّة آراء فمنهم من يريد ان يعطي فرصة للحكومة خاصة في ظل أوضاع اللبنانيين الاقتصادية
والاجتماعية الصعبة، ومنهم من يريد اسقاطها مبكرًا معتبرًا أن لا أمل يرتجى بأي مقاربة
انقاذية تأتي من نفس السلطة السياسية.
وبغض النظر عن صحة وجهات النظر
أعلاه أو عدمها، يبقى أن هناك توجهًا خطيرًا تختزنه بعض القوى "الثورية"،
يُخشى معه أن يتحول لبنان الى دولة قمعية ديكتاتورية، أين منها ديكتاتوريات العالم
الثالث الثورية التي قتلت وقمعت معارضيها بحجة حماية الثورات ونقاوتها.
عمليًا، تشهد الساحة الاعلامية
والسياسية اللبنانية، منذ اندلاع الثورة، اتجاهًا لتكفير وشيطنة وذمّ كل من يتجرأ وينتقد
"الثورة". وبات على كل سياسي أو ناشط أو اعلامي، أن يردد "اللازمة الثورية"
بأن الثورة محقة والناس نزلت بعفوية، ويرجم السلطة السياسية بأكملها... ليستطيع بعدها
أن يعبّر عن رأيه الشخصي سواء كان مؤيدًا أو معارضًا للثورة.
وتأكيدًا على ما سبق، نجد أن
"البيان الوزاري البديل" المقترح من أحد منظمات الثورة، وفيه جملة من المعايير
الخطيرة على الديمقراطية والتي تنتهك الدستور اللبناني وتمسّ بمساواة اللبنانيين بدون
تمييز بينهم، منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- "المعايير الخاصة للوزراء والوزيرات ورئيس/ة الحكومة"
التي يمكن أن تقبل بها الثورة، ومن جملة الشروط:
- "أن يكون لديهم مواقف إيجابية من الثورة، أو على
الاقل لم يكن لهم/ن مواقف سلبية من الثورة"!! وهذا يعني أن الموقف "الكلامي"
هو جريمة تحرم صاحبها من أي طموح سياسي في المستقبل....
- وأن "لا يكون لديهم طروحات رجعية"! (من يصنّف
الطروحات بأنها رجعية أو تقدمية؟.
- "من خارج المؤيدين بمواقفهم لأي من قوى السلطة"!!
حتى التأييد بالموقف ولو لم تكن منتميًا أو منتفعًا أو مشاركًا بالسلطة، هو جريمة بنظر
"القوى الثورية"!
وقد لا نستغرب أن يكون هناك
فحص للنوايا والقلوب، فإذا تعاطفت قلبيًا مع أحد من المشاركين في السلطة فأنت مجرم
ومحروم من حقوقك السياسية بالترشح لمنصب عام بنظر هذه القوى...
2- لا يكتفي البيان الوزاري البديل بسردية التكفير والارهاب
الفكري تلك، بل يزيد عليها "وصفة جاهزة" للتوطين وملاقاة صفقة القرن، حيث
يدرج في بند "الرعاية الاجتماعية اللبنانية"، النصّ التالي:
"توقيع المعاهدات الدولية الضامنة لحقوق اللاجئين
والعمل على استقدام مساعداتٍ ماليّةٍ وعينيّةٍ فوريّةٍ لوزارة الشّؤون الاجتماعيّة؛
فعلى المجتمع الدّوليّ تحمّل مسؤوليّته إزاء اللّاجئين/ات السّوريّين/ات في لبنان،
وستقوم الحكومة:
- بتجهيز مخيّمات اللّاجئين/ات بالبنى التّحتيّة اللّازمة،
- وبتأمين ضمانٍ صحّيٍّ شاملٍ للّاجئين/ات.
إعطاء الفلسطينيّين/ات المقيمين/ات
على الأراضي اللّبنانيّة حقوقهم/هنّ المدنيّة الكاملة، كالحقّ بالعمل والتّملّك والتّأمينات
الاجتماعيّة".
وهكذا نجد أن "التكفير"
يقابله انخراط بعض الثوار بشكل كامل في مشاريع خارجية مشبوهة، فالنص السابق يبدو مقدمة
لتوطين الفلسطينيين وتذويبهم في المجتمع اللبناني كما تبغي صفقة القرن تمهيدًا لاسقاط حق عودتهم الى فلسطين المحتلة، بالاضافة الى محاولة
إبقاء السوريين في المخيمات في لبنان كما تطمح الدول الكبرى التي تريد استخدامهم وسيلة
للضغط على لبنان وسوريا خلال مفاوضات الحل النهائي.
بالنتيجة، يبقى على الثورة أن
تطهر نفسها بنفسها، ويبقى التعويل على الثوار الحقيقيين الذي نزلوا للاصلاح والبناء
ولتأسيس دولة الحق والقانون التي تحترم جميع أبنائها وتعاملهم بمساواة وتكفل حقوقهم
في التعبير والتجمع والنقد وحقهم في التغيير بالوسائل السلمية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق