ليلى نقولا
في خضّم الأزمة المصيرية
التي يعيشها لبنان منذ 17 تشرين الأول، وبعد استقالته من الحكومة، اعتمد الرئيس
السابق للحكومة سعد الحريري سياسة الاعتكاف والحرد، ومحاولة دفع البلاد للسقوط في
الهاوية، علّ السقوط يدفع المعنيين الى محاولة الاستنجاد به "للانقاذ".
ويتجه الحريري هذا الأسبوع،
كما يقول مقربون منه، لإطلاق مواقف نارية ضد التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية
خلال ذكرى اغتيال والده في 14 شباط، واعلان "الطلاق النهائي" مع التسوية
الرئاسية.
وقد يكون من المفيد في معرض
هذه المناسبة، إجراء جردة حساب لمسيرة الحريري السياسية منذ اغتيال والده ولغاية
اليوم، والتي يمكن ايجازها بالمراحل التالية:
1- المرحلة الأولى: ما بعد
اغتيال الأب: تأسيس "ميليشيا"
بعد اغتيال والده في 14
شباط 2005، انساق الشاب اليافع الآتي من خارج الدائرة السياسية كليًا وراء مشاريع
السنيورة وصقور المستقبل يضاف اليهم قوى 14 آذار وخاصة جنبلاط، التي أرادت تصفية
حساباتها مع النظام السوري عبر تحميله مسؤولية اغتيال الحريري.
شكّلت تلك القوى حجر
الزاوية في مشروع الرئيس الأميركي جورج بوش للمنطقة، فاستعانت بالخارج لتنفيذ
أجندة تدويل الأزمة ووضع لبنان تحت ما يشبه الوصاية الدولية عبر قرارات الفصل
السابع، ثم تمّ ربط لبنان بمشاريع خارجية لاجتثاث المقاومة في لبنان، عبر مشروع
"الشرق الأوسط الكبير" والذي كانت حرب تموز إحدى تجلياته، كما قالت
كوندوليزا رايس.
الفشل في حرب تموز لم يردع السنيورة
وصقور المستقبل، بل تمّ السعي لتحويل تيار المستقبل من تيار العلم والكفاءات (كما
أراده المؤسِس) الى "ميليشيا" تتلقى التدريب العسكري والسلاح والتمويل
بهدف تحجيم حزب الله في لبنان (كما أعلن فيلتمان)، وذلك تحت نظر الحريري الشاب،
فكانت نهاية هذا المسار في 7 أيار 2008.
وكشفت
"ويكيليكس" أنه في 12 أيار من
ذلك العام، التقت السفيرة الاميركية سيسون مع سعد الحريري بحضور مستشاريه نادر
الحريري وغطاس خوري. وخلال الاجتماع، اقترح الحريري أن تحلّق ولو "طائرة
أميركية واحدة" فوق سوريا "تهديدًا" لها، أو تنشر أسطولها البحري
السادس على طول الحدود الساحلية السورية، حيث أن قوى 14 آذار لا يمكنها أن تصمد
طويلاً (عسكريًا) أمام "حزب الله"، وإلا فقد يضطرون إلى "إبرام
اتفاق"...
وفي لقاء آخر بعد مؤتمر
الدوحة (24 أيار 2008) التقت سيسون بسعد الحريري، و"كان مزاجه انهزاميًا جدًا"، وقال في معرض قيامه بمراجعة
نقدية: "كان علينا أن نفعل ما فعلناه لإنقاذ لبنان".
2- المرحلة الثانية: مصالحة
دمشق كبوابة للسرايا الحكومي
عام 2009، وبتشجيع من
السعودية قام الحريري بزيارة سوريا، ومصافحة الرئيس السوري بشار الأسد. حصلت بعدها
الانتخابات النيابية حيث حصد تحالف قوى 14 آذار الغالبية النيابية، وبنتيجة
الزيارة والانتخابات تمّ تكليف الحريري تشكيل الحكومة الجديدة.
عام 2011، وفي خضّم تطورات الربيع العربي، وبعد قرار
الرئيس باراك أوباما التحالف مع "الاخوان المسلمين، ومحاصرة ما يسمى
"حلف الاعتدال" الذي تتزعمه السعودية وإحلال "الاسلام التركي
المودرن" مكانه، وعودة الحديث الى وجوب اسقاط النظام السوري، تمّت الاطاحة
بالحريري في بيروت بعد خلاف مع شركائه في السلطة على المحكمة الدولية وقضية شهود
الزور.
وفي مراجعة لتلك المرحلة
(حوار مع صحيفة النهار في14 شباط عام 2019)، وحول زيارة دمشق، يقول الحريري: "من الصعب أن يسلّم الشخص على من قتل أباه، لكنني قمت
بهذا الأمر من أجل بلدي وليس من أجلي. أعتبرها من أصعب اللحظات التي خضتها في حياتي.
وشخصيًا لم أستفد من هذه المصافحة". وأضاف: "أقول لمَن يلومني على قيامي بهذا الأمر: ماذا
استفدت أنا من الأمر سوى أني ذُبحتُ شخصيًا. كل ما قمت به هو للبنان"....
3- المرحلة الثالثة:
التسوية الرئاسية "بوابة" السرايا بعد الافلاس
بعد انخراط قوى 14 آذار
بشكل عام، وتيار المستقبل بشكل خاص في دعم "الثورة" السورية لإسقاط
الرئيس السوري بشار الأسد، تأخرت عودة الحريري الى الحكم في لبنان...
عام 2016، وفي لحظة مؤاتية
اقليمية ودولية، في عزّ تراجع قوى 14 آذار، وبعدما تعرضت أعماله وشركاته في لبنان
والخارج للافلاس، أجرى الحريري "تسوية" مع الوزير جبران باسيل، بموافقة
حزب الله ومباركته، قضت بوصول الحريري الى رئاسة الحكومة مقابل وصول العماد ميشال
عون الى رئاسة الجمهورية.
لم يمضِ الكثير على
التسوية، حتى بدا أن السعودية تريد اسقاطها، فكانت عملية استدعاء الحريري الى
السعودية واحتجازه لإجباره على الاستقالة في تشرين الثاني 2017، موجّهًا الاتهام
الى حزب الله بمحاولة اغتياله كما حصل مع والده.
كانت تجربة قاسية على
الجميع، قام خلالها الرئيس عون بتحدّي الإرادة السعودية، بعدم قبول استقالة
الحريري واشتراط تقديمها بنفسه في بعبدا، أما وزير الخارجية جبران باسيل فطاف
العالم لكسب الدعم ومحاولة الضغط على السعودية للافراج عن الحريري. وبالفعل، عاد
الحريري الى بيروت، وتوعد بـ "بق البحصة" وكشف جميع المتآمرين، لكنه لم
يفعل.
4- حراك 17 تشرين:
الانقلاب!
باءت جميع المحاولات التي
قام بها الحريري لتحسين علاقاته مع السعودية بالفشل. ولقد ظهر جليًا، بعد
الانتخابات النيابية عام 2018، والتي حصد فيها التيار الوطني الحر وحزب الله
وحلفائهما الغالبية النيابية، أن السعودية لن ترضى على الحريري الذي تتهمه بـ
"الضعف" أمام جبران باسيل وحزب الله.
وكانت المظاهرات التي حصلت
في 17 تشرين الاول فرصة ذهبية للحريري للانقضاض على حلفائه في السلطة، وتحميلهم
مسؤولية الفشل، فاستقال محاولاً العودة على حصان أبيض باسم "الحراك"، من
خلال تلبية مطالب الخارج باخراج حزب لله من الحكومة واضعاف التيار الوطني الحر.
خطة لم يكتب لها النجاح، بسبب الفيتو السعودي على عودة الحريري والذي تمظهر بغياب
الدعم القواتي لإعادة تكليفه. فكانت حكومة حسان دياب.
وهكذا، يتجه الحريري في 14
شباط 2020، للقيام بمراجعة شبيهة بالمراجعات النقدية السابقة، فيعلن أنه
"اضطر" على عقد التسوية الرئاسية مع باسيل "من أجل لبنان"، وانه-
شخصيًا- دفع ثمنها الكثير"، تمامًا كما وصّف كل ما فعله واتخذه من خيارات
سياسية سابقة بأنه كان "مضطرًا... من أجل لبنان".
لكن، مهما يكن من أمر تلك
المراجعات النقدية المتكررة، يبقى الأهم في نجاح المسيرة السياسية الداخلية للحريري
وتيار المستقبل - المرتبط عضويًا بالمملكة العربية السعودية- مدى اقتناع الحكام
السعوديين بقدرتهم على الاتكال عليه كحليف قوي قادر على الحفاظ على مصالحهم
الحيوية في لبنان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق