في لحظة تاريخية هامة وخطيرة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد
ترامب بحضور رئيس الوزراء "الاسرائيلي" بنيامين نتنياهو، بنود ما تمّ الاصطلاح
على تسميته "صفقة القرن"، كمقدمة لمفاوضات مفترضة بين الاسرائيليين والفلسطينيين
أعطاها ترامب مهلة 4 سنوات للنجاح.
وبالرغم من كل ما قيل عربيًا وعالميًا وفلسطينيًا، يبقى
الأكثر غرابة على الاطلاق ما قاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس في معرض ردّه على الصفقة،
الذي لم يكن بمستوى الحدث الجلل ولا بمستوى المؤامرة على الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
لقد اختصر أبو مازن رفضه لصفقة القرن بالقدس فقط، واعتبر
أن "بداية الحديث كفر" وذلك لعدم اقرار الصفقة بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين.
لم يتحدث أبو مازن مطلقًا عن اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، ولم يتحدث عن المستوطنات
التي تقضم الجغرافية الفلسطينية، ولم يشر من قريب ولا من بعيد الى موضوع السيادة التي
لا تتمتع بها الدولة الفلسطينية الموعودة، ولا حتى بعدم قدرتها على إجراء علاقات مع
الخارج.
والمستغرب الأكبر، أن يختصر أبو مازن موضوع الصفقة بأمر
كان قد فرّط فيه هو من قبل، حيث أن جميع الوثائق الفلسطينية والاسرائيلية والأميركية
تشير الى قيام أبو مازن (بصفته أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية)
نفسه بالتفريط بالقدس في ما سمي حينها "تفاهم بيلين - أبو مازن" والذي حاول
الرئيس الأميركي بيل كلينتون البناء عليه لمفاوضات الحلّ النهائي.
وفي البحث عن تلك الوثيقة في الارشيف الصحفي والوثائقي،
لا نجد أي حديث صريح لمحمود عباس ينفي فيه قيامه بالتفاهم مع يوسي بيلين على وضع خطة
لتوسيع الحدود البلدية للقدس، وإنشاء مجلس مدينة شامل، وضم أبو ديس إلى قرية العيزرية
وبعض القرى المجاورة، لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية المزمع إقامتها... كما تنص التفاهمات
على بقاء القدس موحدة وغير مقسمة، وتكون الأماكن المقدسة في وضع شبيه بالفاتيكان أما
السيادة التي تتجاوز الحدود الإقليمية على جبل الهيكل فيتم نقلها إلى الفلسطينيين.
وتشير العديد من المراجع الى أن قيام السلطة الفلسطينية
ببناء المقر البرلماني للمجلس التشريعي الفلسطيني في أبو ديس كان تنفيذًا للخطة (رفض
أعضاء المجلس التشريعي بعد أول انتخابات جرت عام 1996 هذا المقر لأنه خارج القدس، والمطلوب
أن يكون المقر داخل القدس، وطرحوا فكرة مقرّين مؤقتين في رام الله وغزة).
وفي مراجعة دقيقة لنص تلك التفاهمات نجد أن هناك قبولاً
بضمّ إسرائيل بعض الكتل الاستيطانية التي يقيم فيها غالبية المستوطنين، في مقابل تبادل
للأراضي ( وهو نفسه ما عبّر عنه ترامب بزيادة مساحة الأرض الفلسطينية في صفقة القرن).
كما تشمل التفاهمات أيضًا الاتفاق على الترتيبات الأمنية
لمدة 12 عامًا، وحلًا لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يقوم على أساس تأسيس "اللجنة
الدولية للاجئين الفلسطينيين" كهيئة دولية جديدة تعمل على إعادة تأهيل اللاجئين،
وتأمين استيعابهم في دول وأماكن إقامتهم، وتحسين
أوضاعهم المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، وتذويبهم في الحياة اليومية للمجتمعات التي
يعيشون فيها، وبالتالي تحلّ وكالة الاونروا.
وبالرغم من إنكار أبو مازن للتفاهمات، وقبل شهرين من
قمة كامب ديفيد، قام ساندي بيرغر، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي بيل كلينتون،
بزيارة إسرائيل والتقى المسؤولين الفلسطينيين والاسرائيليين، وكان استنتاجه أنه سيكون
من المفيد اقتراح أن تستند المفاوضات حول التسوية الدائمة إلى تفاهمات بيلين - أبو
مازن.
إذًا، هي أفكار قديمة كانت قد طرحت عام 1995، أعاد الرئيس
ترامب إحيائها في ما سمي "صفقة القرن"، وضمّ على أساسها القدس كاملة الى
السيادة الاسرائيلية في أخطر خطوة تنتهك القانون الدولي. لكن المستغرب، أن يكون الرئيس
محمود عباس، وبالرغم من اقراره في مؤتمره الصحفي بأن بنود الصفقة قد اعطيت له قبل سنتين،
فلماذا بقي ينتظر اعلانها بدون أي خطة مضادة؟ ولماذا رفضها ولم يعلن أي خطة واقعية
عملية هجومية الآن لإفشالها؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق