2020/02/25

ما الَّذي يمنع عودة الخليجيين إلى سوريا؟

يسير الجيش السّوري بخطى ثابتة نحو تحرير أجزاء واسعة من محافظة إدلب، بعدما استطاع في وقت سابق، وبسرعة قياسية نوعاً ما، تأمين حلب وأريافها وفتح الطريق الدولي "أم 5". ويبدو أنَّ هدفه السّيطرة على الطريق الدولي "أم 4" وتأمينه بشكل نهائيّ.

ومع الإعلان التركي عن قمَّة رباعيّة في 5 آذار/مارس المقبل، بحضور كلٍّ من تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا، يبدو أنَّ الرئيس التركي يحاول أن يستدرج الدَّعم الأوروبي له في مواجهة روسيا، التي تتهمه بعدم الوفاء بالتزاماته بتحييد الإرهابيين، كما وعد سابقاً في اتفاقيات سوتشي.
وفي خضمّ هذا السباق العسكريّ المحموم بين الجيش السّوري وداعميه الإيرانيين والروس من جهة، والأتراك المدعومين "لفظياً" - لغاية الآن - من حلف الناتو والأميركيين، تشي المواقف المتعدّدة بتبدّل حقيقيّ وجذريّ في خريطة الصّراع السوريّ، فهل آن الأوان لعودة سوريا إلى الجامعة العربية أو عودة الخليجيين إلى سوريا؟
إنَّ ما يحصل في الشّمال السوريّ والمواجهة السّورية- التركيّة يريحان الخليحيين، الذين قد يجدون أنَّ تلك المواجهة مقدّمة إلزاميّة لعودة سوريا إلى الجامعة العربيَّة.
وقد ذكرت صحيفة "البيان" الإماراتيّة في إحدى افتتاحياتها، الأسبوع المنصرم، أنَّ "سوريا اليوم بحاجةٍ إلى موقف عربي موحَّد لنسف كلِّ المخطّطات الغربية على هذا البلد... العدوان التركيّ على شمال سوريا هو عدوان على دولة عربية شقيقة، واحتلال لأرضها، وتعريض لأهلها للقتل والتهجير... دمشق متيقّنة من أنَّ عزلها عن عروبتها هو هدف أنقرة".
هذا بالنّسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة التي عادت إلى دمشق، وأبدت استعدادها الكامل للانفتاح على الرئيس السوري بشار الأسد، وهي التي كانت في وقت سابق قد أعلنت خروج قواتها من اليمن، وأبقت قنوات الحوار مفتوحة مع الإيرانيين، لكنَّ المشكلة تكمن في قدرة السعوديين على العودة إلى سوريا، والانفتاح على الرئيس الأسد، والمساهمة في إعادة إعمار سوريا، وهو أمر متعلّق بشكل كبير برغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تلك العودة وتشجيعها.
خلال هذه السنة المصيرية في مسار ترامب السياسيّ السّاعي إلى إعادة انتخابه، ترتبط جميع قرارات ترامب المتعلّقة بالشرق الأوسط بمدى تأثير تلك القرارات في الانتخابات سلباً أو إيجاباً.
إنَّ دراسة الكتل الناخبة التي يتّكل عليها ترامب، ورؤيتها للصراع في الشرق الأوسط من زاوية الحفاظ على أمن "إسرائيل"، وتأمين قدرتها على التفوّق على أعدائها، تحقيقاً لنبوءات توراتية، يجعل من الصَّعب على ترامب أن يسير في أي حلٍّ سياسي في سوريا خلال هذه السنة. وبالتالي، سوف يستمرّ في سياسة العقوبات على سوريا ضمن استراتيجية إضعاف كلّ ما يشكّل تهديداً لـ"إسرائيل" وأمنها، ولأنه يعتبر الضّغط على سوريا جزءاً من حربه المفتوحة على إيران.
وعليه، إنَّ عودة السّعودية إلى تطبيع علاقاتها مع سوريا يبدو من الصّعب تحقيقه خلال هذه السنة، إلا إذا قام ترامب بدفع السعوديين إلى العودة أو غضّ النظر عن عودتهم، وذلك ضمن السيناريوهات التالية:
- حصول تطورات إقليمية واستراتيجية ميدانية، يحتاج معها ترامب إلى دفع لاعب جديد إلى الساحة السورية يثق به أكثر من الأتراك.
- خروج الإيرانيين العسكري من الجغرافيا السورية، لانتفاء الحاجة العسكرية إلى ذلك. عندها، يمكن لترامب أن يعتبر ذلك انتصاراً شخصياً له، فيدفع السعوديين إلى مساعدة سوريا، أملاً بإبعادها عن إيران.
- تسليم ترامب نهائياً بالنفوذ الروسي في سوريا، أملاً بمساعدة روسية له في الانتخابات. عندها، سيدفع الخليجيين إلى المساهمة في إعادة الإعمار في سوريا خدمةً للروس.
واقعياً، إنَّ عودة الخليجيين إلى سوريا، وإعادة علاقاتهم مع الحكومة السّورية، والمساهمة في إعادة الإعمار، ستكون مفيدة لهم بقدر ما هي مفيدة لسوريا. 

إنّ الفراغ الاستراتيجيّ الّذي تركه انهزام القوى المعارضة المسلَّحة المدعومة من الخليجيين في وقت سابق، دفع الروس إلى إعطاء المساحة الأكبر للتفاهم مع الأتراك الَّذين استفادوا إلى أقصى حدّ من تلك التفاهمات. 
واليوم، إنّ المواجهة مع تركيا ودخول الخليجيين مجدداً على خطِّ التفاهمات في سوريا، يعيدهم لاعباً أساسياً على طاولة مفاوضات الحلّ النهائيّ السّوريّ، ويفيد سوريا والخليجيين معاً.

2020/02/17

الهدف افلاس لبنان أو أبعد من ذلك؟

ليلى نقولا
يومًا بعد يوم تتكشف فصول المؤامرات على لبنان، منذ قرر حاكم مصرف لبنان فجأة عام 2017 أن المصرف لن يدعم القروض الاسكانية بعد الآن، ثم اتخذ قرارًا موازيًا برفع أسعار الفائدة على الودائع، مما ضرب الاقتصاد اللبناني بالصميم... ثم توالت القرارات، مع استمرار تأكيد الحاكم على سلامة الليرة وسلامة الوضع النقدي.
وإذا كان رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، وخلال عودته من نيويورك، وعند سؤاله عن السبب في ارتفاع سعر الدولار اللبناني في السوق بدون مقدمات، كان جوابه "اسألوا رياض سلامة ووزير المال"... وهو جواب كان فيه من الدقة والشفافية ما لم يستطع فهمه بعض الإعلاميين والناشطين، حيث أن وزير المال وفي أوقات سابقة لم يكن شفافًا في مصارحته اللبنانيين حول وضع االخزينة، عندما تحدث عن إعادة جدولة الدين ثم تراجع، ولم يكن شفافًا وصريحًا في اعلان تكلفة سلسلة الرتب والرواتب، التي تبين أن لا إمكانية للخزينة بإيرادتها الحالية على تأمين تغطيتها.
وهكذا، نجد أن ما يحصل اليوم من خوف على أمن اللبنانيين الغذائي مقابل دفع الديون الخارجية، وكشف اللبنانيين أمام عدم القدرة على شراء الطحين والأدوية والمحروقات، كان يمكن تفاديه في وقت سابق، لو تمت مصارحة اللبنانيين بعمق الأزمة، ولو قامت الحكومات اللبنانية السابقة بإجبار رياض سلامة على تقديم كشوفات حقيقية، أو لو تمت إقالته قبل ثلاث سنوات حين كان طرح رئيس الجمهورية الجدّي بضرورة تغيير رياض سلامة بحاكم آخر.
اليوم، نجد أن ما يقوم به رياض سلامة يشبه الى حد بعيد ما قام به منذ ثلاث سنوات، حين دفع الأموال الطائلة للوبيات للضغط لبقائه في وظيفته وتلميع صورته، باعتباره "الحاكم الاستثنائي" الذي بدونه لا يمكن للبنان أن يستمر، وها هو اليوم يقوم بتشغيل نفس اللوبيات للتهويل على الدولة اللبنانية في حال لم تدفع استحقاق سندات اليوروبوند للدائنين في 9 آذار المقبل.
وهكذا، يتبين أن الضغط الداخلي والخارجي لدفع الاستحقاقات في آذار مصدره سلامة وأصدقائه المتمولين في رأس الدولة العميقة (البنوك)،  بالرغم من معرفتهم بأن هذه وصفة لإقلاس لبنان، ويبقى السؤال لماذا؟
الجواب الأوّلي يكمن في وجوب افلاس لبنان لتمرير صفقة القرن، فالهدف الذي سعى له الرئيس الراحل رفيق الحريري منذ التسعينات كان ملاقاة "السلام الآتي" بالاستدانة الهائلة من أجل أن يقوم المجتمع الدولي بشطب ديون لبنان مقابل توطين الفلسطينيين. واليوم، وفي عزّ الحديث عن تلك الصفقة لا يمكن إلا أن نفكر في هذا السيناريو.
والتحليل الأعمق يدفعنا الى مراجعة نشاط سلامة السابق في تطبيق عقوبات أميركية على لبنانيين من أفراد ومصارف (عقوبات غير أممية) والصلاحيات الاستثنائية التي طلبها ولم تقبل بها الحكومة اللبنانية (دافع عنها علنًا المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش!!)، بالاضافة الى تستّره على الأموال المهرّبة الى خارج لبنان بعد أزمة 17 تشرين، قد يدفعنا الى الشكّ بأن سلامة بالفعل يريد للبنان أن يعلن إفلاسه تمهيدًا لوضع اليد عليه من الخارج ووضعه تحت ما يشبه الوصاية  الدولية وإجباره على اتخاذ اجراءات ضد المقاومة ، فما عجزت عنه الحروب العسكرية والحروب الاقتصادية يريد سلامة تنفيذه عبر دفع لبنان الى الافلاس التام.
وسواء كان الهدف توطين الفلسطينيين أو إعلان افلاس لبنان لأهداف أخرى، يبقى ان على الحكومة اللبنانية ان تسائل رياض سلامة على كل ما فعله وتستّر عليه، وإلا سنجد أنفسنا أمام أخطار اقتصادية ونقدية أكبر عاجلاً أم آجلاً.

2020/02/11

مهزلة "صفقة القرن".. "اسرائيل" تطالبنا بتعويضات


ليلى نقولا

من الناحية القانونية والسياسية، يرتبط "حق العودة"  للاجئين الفلسطينيين بحقهم في "تقرير المصير"، الذي تحوّل الى احدى القواعد الآمرة في القانون الدولي، بحيث يمكن إبطال أي اتفاق دولي يخالفه أو يعرقله.

  واذا اخذنا المادة 13 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان وبنود اتفاقية جنيف الرابعة وغيرها من اتفاقيات القانون الدولي الانساني، نجد أن حق اللاجئين الفردي والجماعي بالعودة إلى ديارهم والعيش في وطنهم هو حق طبيعي وأساسي من حقوق الإنسان، ويستمد مشروعيته من حقهم التاريخي في وطنهم، ولا يغيّره أي حدث سياسي طارئ، أو أي اتفاقية ثنائية، ولا يسقطه أي تقادم. وحقوق اللاجئين هذه في العودة الى "بلدهم" لا تنحصر في دولة "الجنسية" فحسب - كما تدّعي اسرائيل - انما تشمل مكان إقامتهم الذي تمّ تهجيرهم منه بالأساس.

كما أن مبادئ القانون الدولي أيضًا، تكفل للاجئ - سواء اختار العودة إلى دياره أم عدم العودة- حقّ الحصول على التعويض المناسب، فالتعويض هو حقّ ملازم لحقّ العودة الى الديار، يستفيد منه كل لاجئ أو مهجّر أو مبعد سواء عاد أم لم يعد إلى دياره، علمًا أن التعويض يعتبر عنصرًا مكملاً لحقّ العودة وليس بديلاً عنه بتاتًا كما كانت الدول الغربية واسرائيل تحاول أن تدّعي في معرض محاولات حلّ القضية الفلسطينية في السابق.

ومع طرح خطة ترامب للسلام المسماة  "صفقة القرن"، نجد أن كل ما يكفله القانون الدولي للفلسطينيين قد تمّ خرقه، وتراجعت الخطة حتى عن طرح مقابل مادي كبديل عن عودة الفلسطييين الى ديارهم، وتمادت لتطلب تعويضًا لليهود من الدول العربية والاسلامية!! فماذا في خطة ترامب؟

أدرج خطة ترامب تصورًا لحلّ قضية اللاجئين تقوم على ما يلي:

أولاً- بداية، تؤكد الخطة أن "المقترحات التي تطالب بأن توافق دولة إسرائيل على استقبال اللاجئين الفلسطينيين، أو الوعد بعشرات المليارات من الدولارات كتعويض للاجئين، لم تكن واقعية ولم يتم تحديد مصدر تمويل موثوق به".

ثانيًا- تعرض هذه الخطة ثلاثة خيارات للاجئين الفلسطينيين الذين يبحثون عن مكان إقامة دائم:

أ- الاستيعاب داخل دولة فلسطين وستكون عودة محدودة، مع استثناء اللاجئين الفلسطينيين في سوريا (التي مزقتها الحرب) ولبنان (لأنه معادي لاسرائيل).

ب- الاندماج المحلي في البلدان المضيفة الحالية (رهن بموافقة تلك البلدان).

ج-  قبول 5000 لاجئ كل عام لمدة تصل إلى عشر سنوات (50000 لاجئ إجمالي)، في كل دولة من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي الذين يوافقون على المشاركة في إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين.

ثالثًا: بعكس ما كان يطمح اليه بعض الساسة اللبنانيين في التسعينات من القرن العشرين وما بعدها، من الذين أفرطوا في الاستدانة طمعًا بتسديد ديون لبنان مقابل توطين اللاجئين، فإن خطة ترامب لا تعرض أي مقابل مادي مقابل توطين الفلسطينيين، كل ما تعرضه هو بعض القروض لتحسين البنى التحتية والقطارات وسواه وتحسين شروط التكامل الاقليمي (تمهيدًا لأن تصبح اسرائيل دولة طبيعية ضمنه).

رابعًا: واستكمالاً لخرق القانون الدولي ولتمييع قضية اللاجئين الفلسطينيين الى أقصى حد، تدّعي الخطة أن نفس العدد من اليهود والعرب شردهم النزاع العربي الإسرائيلي.، فتذكر حرفيًا؛ " كما تعرض اللاجئون اليهود الذين أجبروا على الفرار من الدول العربية والإسلامية. استقر معظمهم في دولة إسرائيل واستقر بعضهم في أماكن أخرى. يجب أيضًا معالجة قضية اللاجئين اليهود، بما في ذلك التعويض عن الأصول المفقودة".

وتؤكد أن " دولة إسرائيل تستحق التعويض عن تكاليف استيعاب اللاجئين اليهود من تلك البلدان. لذا يجب تنفيذ حل عادل ومنصف وواقعي للقضايا المتعلقة باللاجئين اليهود من خلال آلية دولية مناسبة منفصلة عن اتفاقية السلام الإسرائيلية الفلسطينية".!!

وهكذا، تكون خطة ترامب ليس فقط تراجعت عما يكفله القانون الدولي للاجئين الفلسطينيين من حقوق بالعودة والتعويض، بل قد تجد الدول العربية نفسها قريبًا مطالبة بسداد تعويضات بمليارات الدولارات لمواطنيها اليهود الذين هاجروا للاستيطان في فلسطين المحتلة، وقد تكون مطالبة بسداد تعويضات لاسرائيل نفسها، وقد يتم ابتزازها لعقود كما حصل مع المانيا بعد الحرب العالمية الثانية!.


2020/02/03

صفقة القرن"..هل هي خطة بيلين - أبو مازن 1995؟


في لحظة تاريخية هامة وخطيرة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحضور رئيس الوزراء "الاسرائيلي" بنيامين نتنياهو، بنود ما تمّ الاصطلاح على تسميته "صفقة القرن"، كمقدمة لمفاوضات مفترضة بين الاسرائيليين والفلسطينيين أعطاها ترامب مهلة 4 سنوات للنجاح.

وبالرغم من كل ما قيل عربيًا وعالميًا وفلسطينيًا، يبقى الأكثر غرابة على الاطلاق ما قاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس في معرض ردّه على الصفقة، الذي لم يكن بمستوى الحدث الجلل ولا بمستوى المؤامرة على الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.

لقد اختصر أبو مازن رفضه لصفقة القرن بالقدس فقط، واعتبر أن "بداية الحديث كفر" وذلك لعدم اقرار الصفقة بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين. لم يتحدث أبو مازن مطلقًا عن اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، ولم يتحدث عن المستوطنات التي تقضم الجغرافية الفلسطينية، ولم يشر من قريب ولا من بعيد الى موضوع السيادة التي لا تتمتع بها الدولة الفلسطينية الموعودة، ولا حتى بعدم قدرتها على إجراء علاقات مع الخارج.

والمستغرب الأكبر، أن يختصر أبو مازن موضوع الصفقة بأمر كان قد فرّط فيه هو من قبل، حيث أن جميع الوثائق الفلسطينية والاسرائيلية والأميركية تشير الى قيام أبو مازن (بصفته أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية) نفسه بالتفريط بالقدس في ما سمي حينها "تفاهم بيلين - أبو مازن" والذي حاول الرئيس الأميركي بيل كلينتون البناء عليه لمفاوضات الحلّ النهائي.

وفي البحث عن تلك الوثيقة في الارشيف الصحفي والوثائقي، لا نجد أي حديث صريح لمحمود عباس ينفي فيه قيامه بالتفاهم مع يوسي بيلين على وضع خطة لتوسيع الحدود البلدية للقدس، وإنشاء مجلس مدينة شامل، وضم أبو ديس إلى قرية العيزرية وبعض القرى المجاورة، لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية المزمع إقامتها... كما تنص التفاهمات على بقاء القدس موحدة وغير مقسمة، وتكون الأماكن المقدسة في وضع شبيه بالفاتيكان أما السيادة التي تتجاوز الحدود الإقليمية على جبل الهيكل فيتم نقلها إلى الفلسطينيين.

وتشير العديد من المراجع الى أن قيام السلطة الفلسطينية ببناء المقر البرلماني للمجلس التشريعي الفلسطيني في أبو ديس كان تنفيذًا للخطة (رفض أعضاء المجلس التشريعي بعد أول انتخابات جرت عام 1996 هذا المقر لأنه خارج القدس، والمطلوب أن يكون المقر داخل القدس، وطرحوا فكرة مقرّين مؤقتين في رام الله وغزة).

وفي مراجعة دقيقة لنص تلك التفاهمات نجد أن هناك قبولاً بضمّ إسرائيل بعض الكتل الاستيطانية التي يقيم فيها غالبية المستوطنين، في مقابل تبادل للأراضي ( وهو نفسه ما عبّر عنه ترامب بزيادة مساحة الأرض الفلسطينية في صفقة القرن).

كما تشمل التفاهمات أيضًا الاتفاق على الترتيبات الأمنية لمدة 12 عامًا، وحلًا لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يقوم على أساس تأسيس "اللجنة الدولية للاجئين الفلسطينيين" كهيئة دولية جديدة تعمل على إعادة تأهيل اللاجئين، وتأمين استيعابهم في دول وأماكن إقامتهم،  وتحسين أوضاعهم المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، وتذويبهم في الحياة اليومية للمجتمعات التي يعيشون فيها، وبالتالي تحلّ وكالة الاونروا.

وبالرغم من إنكار أبو مازن للتفاهمات، وقبل شهرين من قمة كامب ديفيد، قام ساندي بيرغر، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي بيل كلينتون، بزيارة إسرائيل والتقى المسؤولين الفلسطينيين والاسرائيليين، وكان استنتاجه أنه سيكون من المفيد اقتراح أن تستند المفاوضات حول التسوية الدائمة إلى تفاهمات بيلين - أبو مازن.

إذًا، هي أفكار قديمة كانت قد طرحت عام 1995، أعاد الرئيس ترامب إحيائها في ما سمي "صفقة القرن"، وضمّ على أساسها القدس كاملة الى السيادة الاسرائيلية في أخطر خطوة تنتهك القانون الدولي. لكن المستغرب، أن يكون الرئيس محمود عباس، وبالرغم من اقراره في مؤتمره الصحفي بأن بنود الصفقة قد اعطيت له قبل سنتين، فلماذا بقي ينتظر اعلانها بدون أي خطة مضادة؟ ولماذا رفضها ولم يعلن أي خطة واقعية عملية هجومية الآن لإفشالها؟.