يسير الجيش السّوري بخطى ثابتة نحو تحرير أجزاء واسعة من محافظة إدلب، بعدما استطاع في وقت سابق، وبسرعة قياسية نوعاً ما، تأمين حلب وأريافها وفتح الطريق الدولي "أم 5". ويبدو أنَّ هدفه السّيطرة على الطريق الدولي "أم 4" وتأمينه بشكل نهائيّ.
ومع الإعلان التركي عن قمَّة رباعيّة في 5 آذار/مارس المقبل، بحضور كلٍّ من تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا، يبدو أنَّ الرئيس التركي يحاول أن يستدرج الدَّعم الأوروبي له في مواجهة روسيا، التي تتهمه بعدم الوفاء بالتزاماته بتحييد الإرهابيين، كما وعد سابقاً في اتفاقيات سوتشي.
وفي خضمّ هذا السباق العسكريّ المحموم بين الجيش السّوري وداعميه الإيرانيين والروس من جهة، والأتراك المدعومين "لفظياً" - لغاية الآن - من حلف الناتو والأميركيين، تشي المواقف المتعدّدة بتبدّل حقيقيّ وجذريّ في خريطة الصّراع السوريّ، فهل آن الأوان لعودة سوريا إلى الجامعة العربية أو عودة الخليجيين إلى سوريا؟
إنَّ ما يحصل في الشّمال السوريّ والمواجهة السّورية- التركيّة يريحان الخليحيين، الذين قد يجدون أنَّ تلك المواجهة مقدّمة إلزاميّة لعودة سوريا إلى الجامعة العربيَّة.
وقد ذكرت صحيفة "البيان" الإماراتيّة في إحدى افتتاحياتها، الأسبوع المنصرم، أنَّ "سوريا اليوم بحاجةٍ إلى موقف عربي موحَّد لنسف كلِّ المخطّطات الغربية على هذا البلد... العدوان التركيّ على شمال سوريا هو عدوان على دولة عربية شقيقة، واحتلال لأرضها، وتعريض لأهلها للقتل والتهجير... دمشق متيقّنة من أنَّ عزلها عن عروبتها هو هدف أنقرة".
هذا بالنّسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة التي عادت إلى دمشق، وأبدت استعدادها الكامل للانفتاح على الرئيس السوري بشار الأسد، وهي التي كانت في وقت سابق قد أعلنت خروج قواتها من اليمن، وأبقت قنوات الحوار مفتوحة مع الإيرانيين، لكنَّ المشكلة تكمن في قدرة السعوديين على العودة إلى سوريا، والانفتاح على الرئيس الأسد، والمساهمة في إعادة إعمار سوريا، وهو أمر متعلّق بشكل كبير برغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تلك العودة وتشجيعها.
خلال هذه السنة المصيرية في مسار ترامب السياسيّ السّاعي إلى إعادة انتخابه، ترتبط جميع قرارات ترامب المتعلّقة بالشرق الأوسط بمدى تأثير تلك القرارات في الانتخابات سلباً أو إيجاباً.
إنَّ دراسة الكتل الناخبة التي يتّكل عليها ترامب، ورؤيتها للصراع في الشرق الأوسط من زاوية الحفاظ على أمن "إسرائيل"، وتأمين قدرتها على التفوّق على أعدائها، تحقيقاً لنبوءات توراتية، يجعل من الصَّعب على ترامب أن يسير في أي حلٍّ سياسي في سوريا خلال هذه السنة. وبالتالي، سوف يستمرّ في سياسة العقوبات على سوريا ضمن استراتيجية إضعاف كلّ ما يشكّل تهديداً لـ"إسرائيل" وأمنها، ولأنه يعتبر الضّغط على سوريا جزءاً من حربه المفتوحة على إيران.
وعليه، إنَّ عودة السّعودية إلى تطبيع علاقاتها مع سوريا يبدو من الصّعب تحقيقه خلال هذه السنة، إلا إذا قام ترامب بدفع السعوديين إلى العودة أو غضّ النظر عن عودتهم، وذلك ضمن السيناريوهات التالية:
- حصول تطورات إقليمية واستراتيجية ميدانية، يحتاج معها ترامب إلى دفع لاعب جديد إلى الساحة السورية يثق به أكثر من الأتراك.
- خروج الإيرانيين العسكري من الجغرافيا السورية، لانتفاء الحاجة العسكرية إلى ذلك. عندها، يمكن لترامب أن يعتبر ذلك انتصاراً شخصياً له، فيدفع السعوديين إلى مساعدة سوريا، أملاً بإبعادها عن إيران.
- خروج الإيرانيين العسكري من الجغرافيا السورية، لانتفاء الحاجة العسكرية إلى ذلك. عندها، يمكن لترامب أن يعتبر ذلك انتصاراً شخصياً له، فيدفع السعوديين إلى مساعدة سوريا، أملاً بإبعادها عن إيران.
- تسليم ترامب نهائياً بالنفوذ الروسي في سوريا، أملاً بمساعدة روسية له في الانتخابات. عندها، سيدفع الخليجيين إلى المساهمة في إعادة الإعمار في سوريا خدمةً للروس.
واقعياً، إنَّ عودة الخليجيين إلى سوريا، وإعادة علاقاتهم مع الحكومة السّورية، والمساهمة في إعادة الإعمار، ستكون مفيدة لهم بقدر ما هي مفيدة لسوريا.
إنّ الفراغ الاستراتيجيّ الّذي تركه انهزام القوى المعارضة المسلَّحة المدعومة من الخليجيين في وقت سابق، دفع الروس إلى إعطاء المساحة الأكبر للتفاهم مع الأتراك الَّذين استفادوا إلى أقصى حدّ من تلك التفاهمات.
واليوم، إنّ المواجهة مع تركيا ودخول الخليجيين مجدداً على خطِّ التفاهمات في سوريا، يعيدهم لاعباً أساسياً على طاولة مفاوضات الحلّ النهائيّ السّوريّ، ويفيد سوريا والخليجيين معاً.
واليوم، إنّ المواجهة مع تركيا ودخول الخليجيين مجدداً على خطِّ التفاهمات في سوريا، يعيدهم لاعباً أساسياً على طاولة مفاوضات الحلّ النهائيّ السّوريّ، ويفيد سوريا والخليجيين معاً.