ليلى نقولا
فاجأ ترامب العالم بإعطائه
الأوامر للبنتاغون باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم
سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، ومرافقين لهم.
كان الأمر مفاجئًا لأن
شخصية ترامب وسلوكه الدولي على مدى أعوام من وجوده في البيت الأبيض لم تكن توحي
مطلقًا بأنه "رجل حرب"، بل إن دراسة شخصيته تشير الى "تاجر"
يحاول تهديد خصومه لدفعهم الى مفاوضات يحاول من خلالها الكسب تحت وطأة إفلاس الخصم
وإحراجه وخوفه. وبالرغم من أن جميع الأزمات الخارجية التي انخرط فيها وفرض عقوبات
اقتصادية موجعة على خصومه، إلا أن معظم أعدائه لم يستسلموا بسهولة للضغوط
الإقتصادية التي فرضها ترامب عليهم.
والسؤال الطارئ اليوم: ما
الذي دفع ترامب الى تعديل سياساته السابقة واستعداده لإعلان حرب في الشرق الأوسط؟.
من خلال دراسة شخصية ترامب،
يمكن القول أن أمورًا عدّة قد تكون وراء التصعيد الخطير الذي لجأ اليه باغتيال
سليماني، ومنها:
- بعد هجوم العراقيين على
السفارة الاميركية في بغداد ردًا على المجزرة التي ارتكبتها الأميركيون باللواء 45
من الحشد الشعبي، غرد ترامب محملاً ايران المسؤولية ومهددًا... ردّ عليه المرشد
علي خامنئي، بتغريدة قاسية، تضمنت عبارة "لا تستطيع فعل شيء".
إن شخصية ترامب، التي تحتاج
دائمًا الى إظهار القوة وتحقيق الانجازات، لا تتحمل الوصف بالعجز وعدم القدرة، وقد
يكون هذا الامر النفسي هو الذي دفع ترامب للقبول بالضغوط التي مارسها عليه كل من
بومبيو ومايك بنس للموافقة على عملية اغتيال سليماني بتحريض من اسرائيل (كما ذكرت
واشنطن بوست).
- اجراءات العزل المتسارعة:
وبالرغم من إعلان ترامب عن ثقته بأن محاولة العزل ستبوء بالفشل، إلا أن الاجراءات
غير المسبوقة التي قام بها الكونغرس الأميركي، دفعت ترامب الى توتر شديد نتيجة
الشعور بالخطر والخوف من "خيانة" قد يتعرض لها من قبل الجمهوريين أو من
بعض مساعديه المعزولين. (ترامب ولأنه شخصية لا تلتزم الوفاء لمن يخدمها، يتولد
لديه شعور بعدم الثقة بولاء أحد أيضًا).
- الحاجة الى كسب ودّ
القاعدة الانجيلية المؤيدة لاسرائيل: قبل عطلة الميلاد، وبعد تصويت الكونغرس
الأميركي على قرار محاكمة ترامب بهدف عزله، نشرت مجلة "كريستيانتي
توداي"، افتتاحية كتبها رئيس التحرير مارك غالي، يحث فيها على إقالة الرئيس،
معتبرًا أنه "شخصية غير أخلاقية على نحو فاضح"، كما وصف طرده من منصبه في
البيت الأبيض بأنه "ضرورة حتمية مسيحية"، وأدان الإنجيليين الذين مازالوا
يدعمون الرئيس "على الرغم من سجله الأخلاقي الأسود".
استدعى المقال ردودًا عنيفة
من قبل بعض الأسماء الإنجيلية المهمة، وتحدثت وسائل الاعلام عن انقسامات في صفوف
القاعدة الانجيلية الموالية لترامب والتي أعطته 80 بالمئة من أصواتها في انتخابات
2016.
وبمراجعة للخطابات في
المهرجان الانجيلي لتشكيل ائتلاف "إنجيليون من أجل ترامب" كمقدمة لبدء
السباق الرئاسي، (والذي حصل في نفس اليوم الذي اغتيل فيه سليماني والمهندس) نجد أن
الخطابات احتوت على الكثير من الرسائل الدينية الموجهة والمرتبطة بالشرق الأوسط،
ومنها ربط الأمر بأنه "تنفيذ لإرادة الله"، وأن "الله في
صفنا" كما اعلن ترامب. أما بولا وايت، والتي تُذكر في كثير من الأحيان على
أنها المستشار الروحي لترامب، فقد اعتبرت أن "كل مذبح شيطاني تم رفعه ضده سيتم
هدمه".
أما الإشارة الى الرقم 52 في معرض تهديده لايران، وبالرغم من ان الاعلام
الاميركي ربطها بعدد الرهائن الأميركيين الذين احتجزتهم إيران عام 1979، إلا أن
المناسبة والمكان التي قيلت فيه، قد تدفع الى الشكّ بوجود رمز ديني نجده في العهد
القديم؛ مثلاً (نحميا 15:6-16) وفيها إشارة الى النبي عزرا ودفاعًا عن اورشليم ضد
أعدائها، وبعد خروج اليهود من بابل، بنى حائطًا للمدينة في 52 يومًا... كما نجد
(اشعيا 52) وفيها دعوة لاورشليم كي تستيقظ، لأن الله افتقدها وطرد الانجاس منها...
إذًا، كل التطورات تدفع
للقول أن أسبابًا داخلية خاصة بترامب وحملته الانتخابية، بالاضافة الى قيامه
بإحاطة نفسه بمستشارين "انجيليين محافظين" يؤمنون كما يؤمن اليهود
بتعاليم التوراة التي تقول أن يجب الدفاع عن اسرائيل ضد إعدائها وإنه يجب التحضير
للمعركة الأخيرة التي ستمهد لعودة المسيح... كل هذه الأمور، تدفعنا الى القول، أن
المنطقة قد تكون قادمة على أيام عصيبة خلال فترة حملة ترامب الانتخابية، فترامب
(وكما تشير شخصيته) لن يتوانى عن فعل أي شيء للوصول الى البيت الابيض مجددًا، مهما
كانت التكاليف. ولكن التجارب علمتنا، أن المخططات الدولية ليست قضاءً وقدرًا، ولن
تنجح اسرائيل في استخدام ترامب لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه تجاه دول المنطقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق