خُلطت الأوراق في المنطقة
بعد قيام الأميركيين بناءً على تعليمات من الرئيس باغتيال قائد فيلق القدس الجنرال
قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي عبد المهدي المهندس، في غارة جوية بواسطة
طائرة بدون طيار قرب مطار بغداد.
ومنذ تلك اللحظة، يعيش
العالم ترقبًا محفوفًا بالقلق بعد التصريحات الغاضبة من الايرانيين ومحور المقاومة
الذي توعد بالانتقام، في مقابل تغريدات لترامب تهدد بردّ قاسٍ في حال فكّر
الايرانيون بالانتقام، وتهديد للعراق بفرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة في حال
قرروا انسحاب الجنود الاميركيين من بلادهم.
أمام هذه التطورات الخطيرة،
عاش اللبنانيون قلقًا كبيرًا من أن يتحوّل لبنان الى ساحة للقتال، فهل هذا القلق
مشروع؟
بالبداية، لا بدّ لنا من
الإشارة الى التباين بين كلام الرئيس الأميركي ترامب وكلام السيد نصرالله أمس، في
التعامل مع موضوع القانون الدولي الإنساني، فبينما حدد السيد حسن نصرالله، بأن
الانتقام سيوجّه الى "الجنود والعسكريين الأميركيين" محيّدًا المدنيين
والدبلوماسيين والشعب الأميركي التزامًا بالقانون الدولي الإنساني الذي يحظّر "عدم
التمييز بين المدنيين والعسكريين" كما يحظّر استهداف "غير المشاركين
مباشرة في العمليات العدائية"، أعلن ترامب أن المواقع التراثية والثقافية
الإيرانية ستكون من ضمن الأهداف المحتملة للردّ الأميركي، وهو ما يُعتبر جريمة حرب
في القانون الدولي الإنساني، باعتبار أن هذا الأعيان هي ملك للشعوب كافة.
أما فيما يخصّ لبنان، يمكن
أن نلفت الى أن السمة العامة لتصرف حزب الله في لبنان، تعرف عادة بالواقعية
والبراغماتية، فهو يدرك تعقيدات الساحة اللبنانية وتشابكها، وتشابك النفوذ
الاقليمي والدولي، ومواقف الأطراف الداخليين وحدود قدراتهم، لذا نراه يعمد الى
تدوير الزوايا في كل مفصل أساسي سياسي.
على سبيل المثال، وحفاظًا على الداخل اللبناني من الانجرار الى
فتنة مذهبية، استمر حزب الله وحليفه حركة أمل بالتمسك بالرئيس سعد الحريري لرئاسة
الحكومة - بالرغم من كل التطورات في الشارع وبالرغم من عدم تنسيق الحريري معهم في
استقالته وإحراجهم في مواضع عدّة - الى أن قرر الحريري بنفسه هو الخروج من حلبة
السباق على رئاسة الحكومة.
وكما في موضوع الفتنة
المذهبية، يظهر من خلال سلوك حزب الله السياسي الداخلي أنه يحاذر أن يُحرج حلفاءه
في موضوع استدراج الازمات الاقليمية الى الساحة اللبنانية، وبالتالي لن يكون من
السهل تسويق فكرة الانتقام لسليماني في الداخل اللبناني سواء عند الخصوم الذين
يتحيّنون الفرصة للانقضاض على الحزب ولا على حلفائه الذين سيكونون محرجين في تغطية
أي ردّ عسكري من لبنان. علمًا أن الصراع
المقبول داخليًا ويحظى بشبه إجماع داخلي هو الصراع مع العدو الاسرائيلي وليس مع
الولايات المتحدة التي يُنظر اليها لدى فئات من اللبنانيين كدولة صديقة للبنان
وليست عدّوة.
في النتيجة، يبدو (لغاية
الآن) أن الساحة اللبنانية محيّدة عما ينتظر المنطقة من انتقام وردود متبادلة،
والساحات المرجّحة هي العراق بالدرجة الاولى، والقواعد الأميركية قرب النفط السوري
في الدرجة الثانية (الأمر مرتبط بالموقف الروسي)... ويأتي هذا التحييد انطلاقًا من
الكلفة العالية لعدم تحييد الساحة اللبنانية، بالاضافة الى تعامل حزب الله الواقعي
مع النفوذ الأميركي في لبنان. فبالرغم من محاولة كل من إيران والولايات المتحدة
السباق على النفوذ في المنطقة، إلا أن لبنان كان دائمًا ساحة لنفوذ مشترك قَبِل
الطرفان بوجوده على الدوام، ولو حاول كل طرف توسيع رقعة نفوذه على حساب الآخر،
ولكن بدون أوهام "الإزالة الكليّة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق