بعد مرور ما يزيد عن ثلاثة اسابيع على الحراك اللبناني والتظاهرات التي نزل اليها عشرات الالوف من اللبنانيين صارخين يطالبون بأبسط حقوقهم الانسانية؛ من كرامة وعيش كريم وحكم القانون ومحاربة الفساد ومساءلة المسؤولين، بدأت تنكشف محاولات استغلال وجع الناس من قبل بعض الداخل والخارج لتحقيق انقلاب سياسي بكل ما للكلمة من معنى.
وتتجلى وجوه هذا الانقلاب السياسي في ما يلي:
١- محاولة الانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية التي أفرزت موازين قوى سياسية تعطي أرجحية واضحة للتيار الوطني الحر وحزب الله وحلفائهما.
عادةً ان تكوين السلطة في كل الدول الديمقراطية يأتي عبر االانتخابات النيابية، وبالتالي ان الفئة التي تحصد الاغلبية النيابية تشكّل الحكومة وتكون الاطراف السياسية الاخرى في المعارضة للمراقبة والمساءلة. ما حصل في لبنان بعد الانتخابات النيابية، هو تشكيل حكومة وحدة وطنية، وبالتالي اشراك الجميع في السلطة وهو ما نتج عنه تعطيل لمؤسسات الدولة وتعطيل الانتاج الحكومي بسبب الكيديات السياسية داخل الحكومة.
اليوم، وبعد الحراك الشعبي واستقالة الحريري، يحاول المستقبل والقوات والاشتراكي والكتائب وبعض وجوه الحراك، مدعومين من الخارج، الدفع لتشكيل ما يسمى "حكومة تكنوقراط مستقلين او محايدين"... وهذا يعني اخراج الغالبية النيابية من الحكومة، في منطق غريب عن كل الاصول الديمقراطية المنطقية.
وهذا الاقتراح الذي يدعمه الخارج بقوة، يهدف واقعياً الى اخراج حزب الله والتيار الوطني الحر من الحكومة. وبما ان الغالبية النيابية هي التي ستمنح الحكومة الثقة، وبالتالي لا يمكن عمليًا تشكيل حكومة من دون موافقتها، فاذًا سيحاول الطرف الآخر الضغط عبر الشارع للي ذراع الاكثرية، وذلك عبر تكرار نفس السيناريو الذي دفع الامور الى الانفجار الشعبي، اي: التهديد بانقطاع البنزين، ضغط المستشفيات، الخبز، الحرائق الخ....
٢- سمعنا تصريحات متعددة من بعض أصوات الشارع للدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة، ويلاقيها بعض الاصوات من تيار المستقبل التي تتحدث عن ضرورة اجراء انتخابات نيابية مبكرة لان " القانون الانتخابي لم يكن عادلاً، ولان موازين قوى غير متكافئة قد فرضته" بحسب زعمهم...
الحقيقة التي يحاول المستقبل التعمية عليها، انهم وحلفاءهم كانوا يسيطرون على الغالبية في مجلس النواب السابق والذي أتى نتيجة انتخابات ٢٠٠٩. وعليه، فإن القانون الانتخابي النسبي مع الصوت التفضيلي، هو نتاج مجلس نواب كان يسيطر عليه المستقبل وقوى ١٤ آذار. وبالتالي، يريد المستقبل وبعض قوى الحراك المدني الذهاب الى انتخابات مبكرة ببساطة لانهم لم "يتوفقوا" في الانتخابات التي حصلت السنة الماضية.
٣- الانقلاب على التسوية الرئاسية: كان واضحًا منذ خطف الحريري في السعودية ومحاولة اجباره على الاستقالة، ان هناك اطرافًا اقليمية وداخلية باتت مستاءة من التسوية وتريد الانقلاب عليها. كان الهدف من استقالة الحريري في السعودية، اغراق لبنان بالفتنة... واليوم، شاهدنا بأم العين، التحريض الطائفي الذي حصل مباشرة بعد اعلان الحريري استقالته، ومسارعة بعض نواب المستقبل لدعوة الرئيس عون للاستقالة!!
في المحصلة، لقد استوعب لبنان الموجة الاولى والثانية من محاولات الانقلاب، واستدرك الرئيس عون بحكمته ما يحاك للبنان، وحمل بيده كرة النار بالرغم من كل التصويب الذي يطاله.
وعمليًا بات هناك ٣ اطراف متشابكة تحدد مصير الحكومة المقبلة:
- الشارع الحقيقي والناس الموجوعة التي لن تقبل باستنساخ نفس الحكومة السابقة.
- الغالبية النيابية التي بيدها تقرير مصير الحكومة عبر تسمية رئيسها واعطائها الثقة.
- الخارج وينقسم الى طرفين: المؤسسات والدول المانحة والتي تريد حكومة توحي بنوع من الثقة. والاهم بالتأكيد، الاميركيين الذين يستطيعون فرض مزيد من الضغوط الاقتصادية على لبنان في حال اختارت الغالبية النيابية حكومة مواجهة، كما انهم يسيطرون على قرار الدول والمؤسسات المانحة وقادرون على منعها من مساعدة لبنان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق