د. ليلى نقولا - الثبات
بعد مرور 12 يومًا على التظاهرات
في لبنان، وبعد أن هدأت موجة السباب والشتائم والغوغاء، وانتقلت الى مرحلة أخرى من
التخطيط والتنظيم وكشف الوجوه، يمكن لنا إدراج بعض الملاحظات على الحراك كما يلي:
أولا- في الحراك العفوي: بالطبع
نزلت الناس الى الساحات في أول أيام التظاهر بشكل عفوي وطبيعي لأنها لم تعد تحتمل كل
هذا الفساد السياسي المفضوح والعلني، ولكن المقدمات التي سبقت الحراك لم تكن بريئة
اطلاقًا:
الأزمات المفتعلة وبتدبير منظم
تشي بأن شيئًا كان يُحضّر منذ فترة... فجأة، انهار كل شيء أمام أعين المواطنين؛ التهديد
بانقطاع البنزين اسبوعيًا (ابحثوا عن الكارتيلات)، انقطاع الخبز (كارتيلات)، انقطاع
الدولار من السوق (مصرف لبنان)، الحرائق والتي تبين أن معظمها مفتعل وغيره...
ثانيًا: يُلاحظ أن مجموعات التواصل
الاجتماعي التي تضع عنوان الثورة وحسابات التويتر والواتساب وغيرها التي تدعو للثورة
والتي تركّز على السيد نصرالله باعتباره جزءًا من منظومة الفساد، هي مجموعات أنشئت
في منتصف أيلول الماضي، وليس مع بدء الحراك، أي بالتزامن مع الازمات المفتعلة التي
ذكرناها سابقًا. يضاف الى ذلك المعلومات الموثقة عن تدريبات إعلامية لمواكبة التظاهرات
وميدانية شبابية حصلت خلال شهر أيلول وقبله.
ثالثًا: تزامنت الأزمات والتحضير
للحراك، مع تطورات هامة في المنطقة:
- في الاسبوع الاخير من أيلول وأول تشرين الاول، ترامب يعلن انسحابه من الشرق
السوري وترك الاكراد لمصيرهم. وكان واضحًا منذ البداية أن هناك تفاهمًا أميركيًا روسيًا
تركيًا إيرانيًا على ترتيبات الشرق السوري. وبالتأكيد، إن الانسحاب الأميركي من سوريا
(باستثناء مناطق النفط) يفترض تعزيز النفوذ الأميركي الموجود اصلاً في كل من لبنان
والعراق، لمنع ايران من زيادة نفوذها في البلدين، وهذا منطقي في العلاقات الدولية.
- اقليميًا: من الطبيعي أن نتوقع أن تقوم بعض الدول الخليجية بمحاولة تعويض ما خسرته في سوريا بعد سنوات من الحرب والتمويل والتسليح، لهزّ النفوذ الايراني في المنطقة، من ضمن الصراع السني الشيعي.
- اقليميًا: من الطبيعي أن نتوقع أن تقوم بعض الدول الخليجية بمحاولة تعويض ما خسرته في سوريا بعد سنوات من الحرب والتمويل والتسليح، لهزّ النفوذ الايراني في المنطقة، من ضمن الصراع السني الشيعي.
- كما نلاحظ تجسد الصراع السنّي السنّي بشكل الحرب الناعمة، فنجد أن القطريين
والاتراك يموّلون بعض الساحات كطرابلس على سبيل المثال لا الحصر، بينما تموّل السعودية
والامارات ساحات أخرى، منها تظاهرات القوات اللبنانية على سبيل المثال لا الحصر.
- انفجرت التظاهرات في العراق، قبل لبنان بحوالي اسبوعين بشكل متطابق مع تظاهرات
لبنان (تظاهرات شبابية لا قيادة لها، تدعو الى مكافحة الفساد وإلغاء النظام الطائفي
وضد كل الاحزاب وغيرها ...) الفارق الوحيد أن تظاهرات العراق اتخذت شكلاً دمويًا منذ
بداياتها.
ويلاحظ أن التظاهرات في العراق
كانت في المناطق الشيعية بشكل كبير واتخذت شكل المطالب التي تطالب بإخراج النفوذ الايراني
من البلاد، وتحدثت الحكومة عن وجود قناصة مجهولين يقومون بقنص المعارضين والشرطة معًا
وطلبت من الجمهور مساعدتها في التعرف إليهم.
من هنا، قد يكون الخوف من دخول
قناصة الى المشهد اللبناني، تستغل قيام القوى الامنية بفتح الطرقات أو الاشتباك مع
المعتصمين لشيطنة القوى الامنية، وقتل المتظاهرين ودخول البلاد الى فوضى أمنية لا تبقي
ولا تُذرّ... وقياسًا مع العراق، قد تقوم غرف سوداء باتهام حزب الله بقتل المتظاهرين،
إذ سارعت بعض الجهات في العراق الى الحديث عن "ملثمي الفصائل المسلحة"، فيما
راجت رواية أخرى عن وجود عناصر إيرانية تطلق النار على المتظاهرين، بينما تحدثت روايات
رسمية أن العنف كان من قبل المتظاهرين أولاً مما اضطر القوى الامنية للردّ بالعنف.
وهكذا نستنتج، أنه وبالرغم من
أحقية وجع الناس والمظالم المتراكمة منذ ثلاثين سنة ولغاية اليوم، وبالرغم من الفجور
السياسي الذي فاق كل التوقعات، ورفض الامتثال للقضاء، وبعد التقارير عن صفقات فساد
بالارقام والوثائق بدون محاسبة ومساءلة... إلا أنه من السذاجة عدم توقّع تدخلات سياسية
داخلية تريد استغلال وجع الناس لتحقيق كيدية سياسية ومحاولة قلب موازين القوى الحكومية
والانقضاض على التسوية الرئاسية، وجهات خارجية تسعى لفوضى في لبنان لقلب الموازين القوى
الاقليمية بين محور خسر في سوريا يريد التعويض في لبنان والعراق، ومحور انتصر من مصلحته
استقرار الوضع في كل من لبنان والعراق.