ليلى نقولا
مجددًا، كان لبنان مع موعد من التوتير السياسي المفتعل، الذي بدأه وليد جنبلاط خلال زيارة الوزير جبران باسيل الى الجبل، واستكمله أشرف ريفي ومصباح الاحدب، وبعض السياسيين الخاسرين في طرابلس والشمال، الذين اعتبروا ان زيارة باسيل الى الشمال "استفزازية" ولا يجب أن تتم.
وفي جردة للمصفقين لفكرة "الخصوصية" المناطقية أو المطلقين صفة "الطابع الاستفزازي" للزيارة، نجد أنهم مجموعة من الزعماء الطائفيين المحدودين غير القادرين على توسيع زعامتهم خارج إطار الزعامة المحلية الضيقة في منطقتهم؛ وبالتحديد أولئك الذين يجدون في التيار الوطني الحر منافسًا لهم، فيتذرعون بالخصوصية. أما الأقوياء في زعامتهم ومع ناسهم فلا يخشون منافسة، ويستطيعون بالفعل عقد المصالحات الحقيقية ومدّ جسور الثقة بين اللبنانيين.
واقعيًا، لو كان جبران باسيل قد تهيّب الموقف، وانكفأ عن زيارة الشمال، متأثرًا بالتهديدات، لكان تمّ تكريس التقسيم الواقعي للبنان، وحصل في وقت السلم ما رفضه اللبنانيون خلال الحرب: تكريس الكونتونات الطائفية، الذي يخدم مشروع صفقة القرن الأميركية.
بالتوازي مع الصفقة الاميركية المزمع فرضها على المنطقة، وفي حمأة الصراع المستشري بين المحاور والهجمة الأميركية لأحتواء ايران، يتأثر لبنان سلبًا بهذه التطورات وذلك على الشكل التالي:
- يطمح الاميركيون ومعهم الاسرائيليين الى شطب حق العودة نهائيًا، وتوطين الفلسطينيين في مناطق تواجدهم في لبنان والاردن، وإن تعذر ذلك، فبعثرتهم في أرجاء المعمورة، عبر السماح بهجرتهم.
- يريد الاميركيون أن يقلصوا نفوذ حزب الله الى أقصى حدّ، وأن يمنعوا رئيس الجمهورية - حليف حزب الله- من أن يشكّل عامل قوة سياسية تساهم في تقليص الضغوط الاميركية.
وفي هذا الاطار، نجد أن بعض السياسيين اللبنانيين، سواء لتكريس زعامة أو لقبض أموال، يبدون مستعدين لإعطاء الاميركيين ما يريدون، وملاقاتهم في منتصف الطريق كما فعلوا في السابق. وفي المجال الاخير، أي تطويق رئاسة الجمهورية، تتقاطع الرغبة الاميركية مع رغبة لبنانية واضحة وقوية بإفشال العهد، ومنعه من تحقيق أي استقرار سياسي أو اقتصادي.
في الخلاصة، إنها المرة الثانية التي يفشل فيها جنبلاط في الانقلاب عسكريًا وإعادة عقارب الساعة الى الحرب الاهلية. في المرة الاولى، حاول جنبلاط الانقلاب على حزب الله حين أطلق حملته ضد شبكة اتصالات المقاومة، والتي تلتها أحداث 7 أيار الشهيرة. أما المرة الثانية، فكانت ضد العهد ولإسقاط التسوية الرئاسية برمّتها، خلال الاسبوع الماضي، حين حاول اغتيال 4 وزراء في الحكومة عبر كمين مسلح في منطقة البساتين في عاليه، والتي ذهب ضحيتها اثنان من الحزب الديمقراطي.
كانت نتيجة فشل الانقلاب الأول، أن الاميركيين أسقطوا من حساباتهم أي مراهنة على قدرة داخلية على الاطاحة بحزب الله عسكريًا، وهو ماحمى لبنان خلال الحرب السورية، فلقد دفع السعوديون في أكثر من مرة حلفاءهم في لبنان الى استغلال مخيمات النازحين السوريين لخلق مشاكل أمنية للضغط على حزب الله للعودة الى لبنان والانسحاب من الأراضي السورية، لكن الأميركيين المدركين درس 7 أيار، لم يعطوا الضوء الاخضر لاقتتال داخلي لبناني، لكي لا يعطوا حزب الله الذريعة للسيطرة على لبنان. أما نتيجة فشل الانقلاب الثاني وفشل محاولة التقسيم، التي أفشلها الرئيس عون بإرسال الجيش الى الجبل لإعتقال المطلوبين، وكسرها نهائيًا جبران باسيل بإصراره على القيام بجولته في طرابلس، فنتائجها الظاهرة لغاية الآن: إسقاط أحلام الكونتونات الطائفية، وسقوط قدرة جنبلاط على تسويق نفسه أمام الأميركيين بأنه قادر أن يلعب دور "العراب الداخلي" لصفقة القرن.... وسيكون لها نتائج هامّة أخرى، ستظهر تباعًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق