كان
لبنان مساء الاحد أمام تحدٍ هائل: العودة الى الحرب الأهلية، بعدما قام الحزب التقدمي
الاشتراكي بمحاولة اغتيال الوزير جبران باسيل، فكان أن تمّ استهداف موكب الوزير صالح
الغريب واستشهاد مرافقيه.
واقعيًا
كان للعمل الميليشاوي مقدماته ولم يكن وليد لحظة أو صدفة، فلقد ظهر منذ فترة أن الوزير
وليد جنبلاط، مستاء من التسوية الرئاسية في لبنان، ومحبط من التطورات التي حصلت في
المنطقة، فدأب على اعلان مواقف حادّة عبر التويتر، كمثل "سأبقى أنتظر جثة عدوي
على ضفة النهر"، ويعني فيها انتظاره سقوط النظام السوري، ومؤخرًا السجال الذي
حصل بينه وبين الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل، وقبلها مواكبته ما يُحكى عن صفقة
القرن، بإعلانه عن عدم لبنانية مزارع شبعا ثم إعتذاره.
يعيش
جنبلاط أسوأ فترات حياته منذ الحرب الاهلية، فلطالما أوجد لنفسه مكانًا بين المتحاربين،
وفي كل مرة كان يستشعر مشروعًا اقليميًا أو دوليًا، كان يهرع للاصطفاف وإعلان استعداده
ليكون رأس حربته. فمنذ اغتيال والده والفتنة التي افتعلها ومجازر الجبل بالرغم من إقراره
بأن لا دخل لمسيحيي الجبل بالاغتيال، الى الاسرائيليين وبعدها العودة الى الحضن السوري
مجددًا، وإعلان استعداده ليكون "زبال في نيويورك" والتي اعتبرت دعوة الى
الاميركيين ليكون رأس حربة في مشروع جيفري فيلتمان الذي سقط بالضربة القاضية في أيار
2008....أما اليوم، فيبدو أن البضاعة الجنبلاطية قد كسدت ولم يعد يرغب أحد بشرائها.
بالرغم
من كل "البرمات" الجنبلاطية وساعات التخلي، يبدو الثابت الوحيد في السياسة
الجنبلاطية هي حقده على المسيحيين والجيش اللبناني وبالتحديد على العماد عون، ولهذا
الحقد دلائل تاريخية نوجزها بما يلي:
- لا ينسى جنبلاط كيف
أحبط له العماد عون محاولته التقسيمية في سوق الغرب، وكيف أثبت الجيش وطنيته وحافظ
على عقيدته القتالية في خضم كل التطورات الحاصلة في المنطقة.
- لا ينسى جنبلاط كيف قام الجيش بإفشال مخطط الإمارة التي كان يُعد
لها في الشمال انطلاقًا من نهر البارد خلال الحرب السورية، وقيامه بكشف بواخر الاسلحة
المهربة الى سوريا... وقدرته على ضبط الوضع خلال الأزمة، والتي كان جنبلاط يمني النفس
بمواكبتها بافتعال حرب أهلية داخلية، تواكب المسلحين والارهابيين في سوريا، وتضغط على
حزب الله في الداخل.
- الحقد الجنبلاطي
التاريخي على المسيحيين ورغبته بحكم إمارة درزية، يظهر واضحًا من خلال واقعة تاريخية
باتت معروفة. في العام 1982، وعلى اثر حرب راح ضحيتها آلاف المواطنين، ودمرت مئات القرى،
وكان لها تداعياتها الاقليمية والدولية، حيث رحلت القوات الاطلسية عن لبنان، وسقط اتفاق
17 أيار... لم يرَ فيها وليد جنبلاط إلا قضية واحدة اختصرها بكلمات معدودة: «ها قد
عدنا يا بشير». تلك كانت الصيحة الاولى التي أطلقها في قصر المير بشير في بيت الدين
حين احتفل بانتصاره في «حرب الجبل» معلنًا انتزاع القصر من المير بشير الشهابي ثأرًا
لبشير جنبلاط. ولم تتوقف نزعة الثأر لديه يومها عند هذا الحد، بل راح يبحث عن سبل لاستعادة
الأراضي التي انتزعها بشير الشهابي من بشير جنبلاط، فامتدت أنظاره الى سهل البقاع،
مستملكاً العديد من العقارات في البقاع الغربي باحثًا عن طريق تصله بوادي التيم، آملاً،
ربما، في تحقيق حلم طالما سعى بشير جنبلاط لتحقيقه: أن يرى نفسه على رأس إمارة تضم
دروز المشرق العربي جميعًا.
فعليًا، كان يمكن لبيضة القبان الجنبلاطية أن تنتهي عام
2008، ولكن استمرار بعض الفرقاء الداخليين في تعويمه هو السبب في استمراره، فماذا يعني
أن يتم التصويت لمروان حمادة في الانتخابات وإسقاط وئام وهاب انتخابيًا؟ ...
أمس،
حاول جنبلاط أن يقول بوضوح، "لي أو للنار"،
لكن الأيام تغيّرت، وانتهت قدرة جنبلاط على تهديد السلم الاهلي واشعال الحروب الداخلية...
كل ما يمكن أن أن يتكل عليه جنبلاط بعد الآن، هو بعض الصحفيين وناشطي التويتر الذين
صفقوا له أمس، وهؤلاء لا يحسمون معركة، ولا يستطيعون ردّ "البيضة المفقوسة"
الى رونقها السابق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق