كثرت
في السنوات الاخيرة خاصة بعد أزمة "النزوح" السوري الى لبنان، اتهامات من
قبل بعض الجمعيات والإعلاميين والسياسيين، الى كل شخص أو فئة تنادي بالحدّ من إدخال
النازحين أو قوننة وجودهم، أو الدعوة الى الالتزام بالقانون اللبناني الذي يحظّر على
الأجنبي القيام ببعض الأعمال التي هي من اختصاص اللبنانيين حصرًا. مع العلم، أن عبارة
"عنصري" باتت تهمة جاهزة وأحيانًا كثيرة يستخدمها مطلقوها بدون معرفة معناها
أو مضامينها.
أولاً،
قبل أن نبدأ بتفنيد الاتهامات للبنانيين بالعنصرية، علينا أن نعرّف ما هي العنصرية
بالتحديد، وعليه نقول أن العنصرية هي " الاعتقاد بأن جميع أعضاء العرق (المجموعة) لديهم خصائص أو قدرات أو صفات خاصة، تجعلهم متميزين
وأعلى شأنًا وقدرًا من الأعراق الاخرى."
بهذا
المعنى المجرّد، يمكن أن نقول أن بعض اللبنانيين قد يؤمنون بهذا الأمر، ويعتقدون بتفوقهم
ليس فقط على الأعراق والشعوب الأخرى، إنما على بعض مواطنيهم اللبنانيين أيضًا (من طوائف
أو مناطق أخرى على سبيل المثال)، ولكننا بشكل عام نجد أن أسباب هذا الشعور بالتفوق
مردّه طائفي بشكل أساسي أكثر مما هو عرقي.
ومن
الجدير بالذكر، أنه ليس اللبنانيين فحسب، بل معظم الشعوب سليلة الامبراطوريات في التاريخ،
عادة ما تشعر بالتفوق وتعظيم الوطن، وهو ما يجعلها تمارس سياسة خارجية توسعية؛ ففي
الولايات المتحدة على سبيل المثال، هناك إيمان أن "الله أعطى هذه الأمة المتفوقة
مهمة في هذه العالم" وهذا انطلاقًا من الفكر الانجيلي، كذلك الروس والايرانيون
والاتراك الذين يؤمنون بعظمة أمتهم انطلاقًا من إرث حضاري وإمبراطوري.
ولكن،
ما شرحناه أعلاه، لا ينطبق بأي شكل من الأشكال على موضوع عمالة السوريين، والدعوة الى
تفضيل اللبناني على سواه من عرب وأجانب، وذلك لأن التمييز هنا، يأتي من ضمن القوانين
الدولية والمحلية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، خاصة " الاتفاقية الدولية للقضاء
علي جميع أشكال التمييز العنصري" التي دخلت حيز النفاذ عام 1969، والتي تؤكد على
ما يلي:
- لا تسري هذه الاتفاقية
علي أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل بين المواطنين وغير المواطنين من جانب أية
دولة طرف فيها (المادة الاولى - فقرة 2)
- يحظر تفسير أي حكم من أحكام هذه الاتفاقية بما ينطوي
علي أي مساس بالأحكام القانونية السارية في الدول الأطراف فيما يتعلق بالجنسية أو المواطنة
أو التجنس... (المادة الاولى - الفقرة 3).
وهذا
يعني، أن قيام لبنان بمنع العمالة الاجنبية من مزاحمة العمالة اللبنانية، أو قيام القانون
اللبناني بحفظ حق اللبنانيين في وظائف معينة، أو إقفال كل المؤسسات غير الشرعية التي
يملكها أجانب وتنافس المؤسسات اللبنانية الخ، أو حتى رفض الدولة اللبنانية منح الجنسية
للقاطنين على أرضها .... كلها لا تعد تمييزًا عنصريًا، بالعكس هي حق من حق الدولة التي
يكفلها لها القانون الدولي العام، إنطلاقًا من سيادتها على أرضها.
إذًا،
في الموضوع عمالة السوريين المستجد والذي يستسهل فيه اللبنانيون شتم بعضهم أو جلد الذات،
يمكن التأكيد أن اللبناني غير عنصري وليس هناك تمييزًا عنصريًا في هذا الإطار، بل كل
ما تفعله السلطات اللبنانية هو تطبيق لمبدأ سيادي، يجب على اللبنانيين - خاصة أولئك
الذي يناشدون الدولة بالحفاظ على معدلات عليا من السيادة- أن يشجعوه لا أن يرجموه،
أما أولئك المستفيدين ماديًا من وجود النازحين السوريين، فلهؤلاء قصة أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق