حبس
العالم أنفاسه بعد محاولة الانقلاب التي قادتها مجموعة عسكرية صغيرة بتحريض من الأميركيين
والمعارض غوايدو للإطاحة بالرئيس الفنزويلي مادورو، بعدما فشلت المعارضة الفنزويلية
في تحفيز العسكريين على التمرد أو الانشقاق.
وكان
واضحًا أن الانقلاب قد دُبّر على عجل من قبل الإدارة الأميركية التي سارع ترامب والصقور
المحيطين به الى الاحتفاء بالانقلاب، وسارع بومبيو الى نشر الشائعات حول رغبة مادورو
بالهرب، وقيام الروس بثنيه عن ذلك!.
ولكن
فشل الانقلاب لا يعني ان الولايات المتحدة ستركن الى النتائج التي حصلت لأسباب عدة
منها ما هو مرتبط بترامب وإدارته، ومنها ما هو مرتبط بالاستراتيجيات الاميركية الثابتة
في منطقة أميركا اللاتينية.
فيما يخص ترامب، قد يكون تعجّله على الانتهاء
من نظام مادورو في فنزويلا، مرده الى الحاجة للاستفادة من النفط الفنزويلي للتعويض
عن سياساته الهجومية تجاه ايران، ودخول مرحلة "تصفير" النفط الايراني. يخشى
ترامب ومعه العالم من أن تؤدي العقوبات الأميركية ضد ايران ومنعها من تصدير نفطها الى
ارتفاع أسعار النفط العالمية، وأن لا تستطيع السعودية والإمارات تعويض النقص الحاصل
بزيادة الانتاج.
وعليه،
كان الانقلاب في فنزويلا سيحقق لترامب ما يريد في هذا الإطار، بالاضافة الى تحقيق إنجاز
في سياساته الخارجية يريد أن يستثمره ضد خصومه في الداخل.
أما
بالنسبة للاستراتيجية "الكبرى" الأميركية، إن السيطرة على أميركا اللاتينية
أو ما يسمى "ممارسة الشرطة في النصف الغربي من الكرة الارضية"، هي سياسة
ثابتة مستمرة منذ بدايات القرن العشرين ومرتبطة الى حد بعيد بمبدأ مونرو الذي طوّره
الأميركيون ليفرضوا نوعًا من الهيمنة على دول أميركا اللاتينية. وبموجبها، لا يمكن
بأي شكل من الأشكال السماح لأي قوة بالسيطرة ومدّ النفوذ في أميركا اللاتينية، فكيف
اذا كانت روسيا لما لها من ارث مرتبط بالعقيدة المرتبطة بالاتحاد السوفياتي؟.
انطلاقًا
مما تقدم، لا يمكن الاعتقاد أن فشل الانقلاب سوف يثني الأميركيين عن الاستمرار في محاولات
إغراء قادة من الجيش الفنزويلي للتمرد أو الانشقاق والانقلاب على مادور، كما قد يعمد
الأميركيون الى الاستعاضة عن التدخل العسكري المباشر والمكلف جدًا في فنزويلا، باستخدام
المرتزقة أو ما يسمى بالمجموعات الأمنية الخاصة لتقويض الاستقرار ومحاولة إسقاط مادورو
بالقوة، وإن تعذر ذلك، فلتكن حربًا أهلية.
في
النتيجة، وبالرغم من ان استراتيجية الأمن القومي الاميركية في عهد ترامب كانت قد وضعت
"التنافس مع روسيا الصين" كتهديد استراتيجي، لكنها بالمقابل أتاحت الفرصة
للروس بالتوسع في مناطق عدّة بعدما بالغ ترامب
في استخدام خيار التهديد والعنجهية والعقوبات الاقتصادية. والمشكلة التي ستواجه الأميركيين،
هي تحويل فنزويلا الى سوريا أخرى، وإعطاء موطئ قدم للروس في أميركا اللاتينية، وهي
فرصة ذهبية ستسمح لبوتين بمدّ النفوذ في تلك المنطقة بعدما كرّس نفوذه في الشرق الأوسط،
بالاضافة الى امتلاكه فضاء طبيعي روسي في كل من أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى والبلقان...
ومعها ستعود روسيا بقوة الى الساحة الدولية، ولم يعد ينفع مع الأميركيين دفن الرؤوس
في الرمال واستمرار الإدعاء بأن روسيا ما هي إلا مجرد "دولة إقليمية" كما
إدّعى أوباما يومًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق