2019/05/08

فشل الانقلاب في فنزويلا: دلالاته ورسائله


حبس العالم أنفاسه بعد محاولة الانقلاب التي قادتها مجموعة عسكرية صغيرة بتحريض من الأميركيين والمعارض غوايدو للإطاحة بالرئيس الفنزويلي مادورو، بعدما فشلت المعارضة الفنزويلية في تحفيز العسكريين على التمرد أو الانشقاق.

وكان واضحًا أن الانقلاب قد دُبّر على عجل من قبل الإدارة الأميركية التي سارع ترامب والصقور المحيطين به الى الاحتفاء بالانقلاب، وسارع بومبيو الى نشر الشائعات حول رغبة مادورو بالهرب، وقيام الروس بثنيه عن ذلك!.

ولكن فشل الانقلاب لا يعني ان الولايات المتحدة ستركن الى النتائج التي حصلت لأسباب عدة منها ما هو مرتبط بترامب وإدارته، ومنها ما هو مرتبط بالاستراتيجيات الاميركية الثابتة في منطقة أميركا اللاتينية.

        فيما يخص ترامب، قد يكون تعجّله على الانتهاء من نظام مادورو في فنزويلا، مرده الى الحاجة للاستفادة من النفط الفنزويلي للتعويض عن سياساته الهجومية تجاه ايران، ودخول مرحلة "تصفير" النفط الايراني. يخشى ترامب ومعه العالم من أن تؤدي العقوبات الأميركية ضد ايران ومنعها من تصدير نفطها الى ارتفاع أسعار النفط العالمية، وأن لا تستطيع السعودية والإمارات تعويض النقص الحاصل بزيادة الانتاج.

وعليه، كان الانقلاب في فنزويلا سيحقق لترامب ما يريد في هذا الإطار، بالاضافة الى تحقيق إنجاز في سياساته الخارجية يريد أن يستثمره ضد خصومه في الداخل.

أما بالنسبة للاستراتيجية "الكبرى" الأميركية، إن السيطرة على أميركا اللاتينية أو ما يسمى "ممارسة الشرطة في النصف الغربي من الكرة الارضية"، هي سياسة ثابتة مستمرة منذ بدايات القرن العشرين ومرتبطة الى حد بعيد بمبدأ مونرو الذي طوّره الأميركيون ليفرضوا نوعًا من الهيمنة على دول أميركا اللاتينية. وبموجبها، لا يمكن بأي شكل من الأشكال السماح لأي قوة بالسيطرة ومدّ النفوذ في أميركا اللاتينية، فكيف اذا كانت روسيا لما لها من ارث مرتبط بالعقيدة المرتبطة بالاتحاد السوفياتي؟.

انطلاقًا مما تقدم، لا يمكن الاعتقاد أن فشل الانقلاب سوف يثني الأميركيين عن الاستمرار في محاولات إغراء قادة من الجيش الفنزويلي للتمرد أو الانشقاق والانقلاب على مادور، كما قد يعمد الأميركيون الى الاستعاضة عن التدخل العسكري المباشر والمكلف جدًا في فنزويلا، باستخدام المرتزقة أو ما يسمى بالمجموعات الأمنية الخاصة لتقويض الاستقرار ومحاولة إسقاط مادورو بالقوة، وإن تعذر ذلك، فلتكن حربًا أهلية.

في النتيجة، وبالرغم من ان استراتيجية الأمن القومي الاميركية في عهد ترامب كانت قد وضعت "التنافس مع روسيا الصين" كتهديد استراتيجي، لكنها بالمقابل أتاحت الفرصة للروس بالتوسع في مناطق عدّة  بعدما بالغ ترامب في استخدام خيار التهديد والعنجهية والعقوبات الاقتصادية. والمشكلة التي ستواجه الأميركيين، هي تحويل فنزويلا الى سوريا أخرى، وإعطاء موطئ قدم للروس في أميركا اللاتينية، وهي فرصة ذهبية ستسمح لبوتين بمدّ النفوذ في تلك المنطقة بعدما كرّس نفوذه في الشرق الأوسط، بالاضافة الى امتلاكه فضاء طبيعي روسي في كل من أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى والبلقان... ومعها ستعود روسيا بقوة الى الساحة الدولية، ولم يعد ينفع مع الأميركيين دفن الرؤوس في الرمال واستمرار الإدعاء بأن روسيا ما هي إلا مجرد "دولة إقليمية" كما إدّعى أوباما يومًا.

2019/05/06

التصعيد في المنطقة: رسائل ايرانية أم نذر حرب؟

مع دخول العقوبات الاميركية على إيران مرحلتها الاقسى، بدأت مرحلة جديدة في المنطقة يسودها التوتر والقلق من أن يؤدي أي تصعيد عسكري محدود الى حرب مدمرة، تُدخل المنطقة في أتون حرب يُعرف كيف تبدأ ولا يُعرف كيف تنتهي.
وتزامنًا مع تهديد ترامب بفرض عقوبات على الدول المستوردة للنفط الايراني، وإعلان إيران بالمقابل أنها تبيع نفطها في "السوق الرمادية"، وأن ناقلات النفط الايرانية تعبر مضيق هرمز ويرافقها زوارق الحرس الثوري الايراني على مرأى ومسمع من البحرية الأميركية. كما اعلنت بعض التقارير الايرانية أنه في ‏أول يوم من قرار ترامب "التصفيري"، تمّ تصدير أكثر من مليون و400الف برميل نفط ايراني... كلها رسائل إيرانية، تفيد بأن الايرانيين يملكون أوراق قوة متعددة ومستعدون لاستخدامها.
وبالرغم من تأكيد الجميع أن لا خيار عسكري مطروح مع ايران، واستبعاد قائد الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني قيام الولايات المتحدة بشنّ حرب على بلاده، إلا أن التصعيد بات يسود في المنطقة ونجد التزامن في ما يلي:
- هجوم اسرائيلي على غزة، يقابله ردّ عنيف من قبل حماس والجهاد الاسلامي، واستهداف آلية عسكرية اسرائيلية بصاروخ كورنيت، ونجد أن المقاومة في غزة، باتت اليوم تبادر للرد على القصف الاسرائيلي بتصعيد عسكري، وانتهت الايام التي كانت فيها تتعرض الأراضي الفلسطينية للعدوان بدون ردّ.
ولا يمكن لأحد أن ينسى الدور الايراني في تأمين تلك الصواريخ وتأمين السلاح والمال لفصائل المقاومة في غزة، ما يعني أن التصعيد الفلسطيني في الرد على العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة يعطي صورة واضحة عما ستكون عليه حال المنطقة في حال دفع ترامب الى تصعيد عسكري مع ايران.
- تصعيد في الشمال السوري، وتسارع وتيرة التعزيزات التي يحشدها الجيش السوري حول إدلب بالتوازي مع عمليات تطهير وقصف لمواقع الإرهابيين أدت إلى هروب عدد كبير منهم نحو تركيا التي أخلت إحدى نقاط المراقبة.
وكان الإرهابيون قد تقدموا باتجاه نقاط الجيش السوري، بدعم من الجيش التركي ، حيث وقعت قوة تركية في حقل ألغام، مما كبدها خسائر بشرية وجرحى، توسط على أثرها الأتراك لدى الروس لوقف النار لسحب الجرحى.
وهكذا، نجد أن تصاعد التوتر في المنطقة، يشي برسائل متبادلة بالحديد والنار بين أطراف الصراع الاقليمي، فالاعلان الاسرائيلي عن اغتيال ناشط رئيسي في تحويل الأموال من إيران إلى غزة، ورد الفلسطينيين المتصاعد والمحرج لنتنياهو، بالاضافة الى تصعيد الجيش السوري وإعلان استعداده لتطهير إدلب... ترسل رسائل واضحة لإدارة ترامب، بأن أي تصعيد في المنطقة لن يكون نزهة، وإذا كانت غزة المحاصرة والفصائل الفلسطينية تستطيع أن توجع الاسرائيليين، فلدى ايران العديد من الأوراق التي تستطيع لعبها في الوقت المناسب، ولن يسلم منها أي حليف للأميركيين، حتى اسرائيل.

2019/05/01

هل يذهب الايرانيون للتفاوض مع ترامب؟


تدخل العقوبات الأميركية على إيران هذا الاسبوع منعطفًا حاسمًا،  حيث تنتهي فترة الإعفاءات التي منحتها الإدارة الأميركية الى بعض الدول التي تستورد النفط من إيران، وتمّ تهديد تلك الدول بمواجهة العقوبات الأميركية في حال استمرت في تعاملاتها  مع ايران بعد 2 أيار الجاري.

وكان ترامب قد بدأ سلسلة الضغوط على إيران بالانسحاب من الاتفاق النووي، والتهديد بالحرب وبدعوة العرب الخليجيين الى تشكيل "ناتو عربي" لمواجهة إيران وأنشطتها في المنطقة، وفي الوقت نفسه أعلن قبوله التفاوض مع الإيرانيين من غير شروط مسبقة، الأمر الذي رفضه الايرانيون بشدة، وحظّر المرشد علي خامنئي على حكومة الرئيس حسن روحاني عقد أي محادثات مع الولايات المتحدة، معتبرًا أن "انسحاب أميركا من الاتفاق النووي برهان واضح على أن أميركا لا يمكن الوثوق بها، حيث إنها لا تفي بتعهداتها في المحادثات".

وبعد رفض الإيرانيين دعوة ترامب للحوار في صيف 2018، لجأ ترامب الى فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران - وهو السيف الذي يشهره ترامب على كل من يعارض سياساته من الدول أو لا يرضخ له - مراهنًا على "إخضاع" النظام الإيراني وجرّه الى طاولة المفاوضات بعد أن تكون العقوبات قد أفقرت الشعب الإيراني فتدفعه الى الشارع للضغط على النظام، ما يؤدي الى "زعزعته"، فيهرع الى تقديم التنازلات للأميركيين أملاً في تخفيف الضغوط الاقتصادية عنه.

بالطبع لن يهرع الايرانيون لتقديم التنازلات لترامب، لكن النظام الايراني المعروف ببراغماتيته، لن يألو جهدًا لتخفيف وطأة الضغوط الإقتصادية عن شعبه، لذا نجد حصول تغيير في لهجة ممثلي الحكومة الايرانية، فبعد إعلان بومبيو أن الهدف من زيادة العقوبات النفطية في أيار الجاري هو "عودة ايران الى طاولة المفاوضات، وتغيير تصرفاتها الاقليمية..."، رد الرئيس الإيراني حسن روحاني بالقول إن المفاوضات مع الولايات المتحدة ممكنة، ولكن بشرط "رفع الضغوط التي تفرضها واشنطن، وإبداء الاحترام".

إذًا، لم يعد هناك "حظر تام" على المفاوضات الايرانية مع الاميركيين، ولكن ما الذي يمكن أن ينتظره الايرانيون من تلك المفاوضات؟

- أولاً، إن تجربة كوريا الشمالية في مفاوضاتها مع الادارة الأميركية لا تبدو مشجعة. ففي الوقت الذي أبدى فيه الكوريون الشماليون انفتاحًا على المطالب الأميركية، لم يقدم الأميركيون أي حوافز للتقدم في المفاوضات، بل عمد بولتون الى محاولة إفشال الاتفاق بشتى الوسائل.

- ثانيًا: إن الغطرسة والغرور التي تتصف بها إدارة ترامب سوف تحرج المفاوض الايراني إذ ستكون المطالب الأميركية على طاولة المفاوضات أكبر من قدرة الايرانيين على تقديم التنازلات فيها، كالتخلي عن البرنامج الصاروخي أو التفاوض عليه من ضمن الاتفاق النووي، وهو البرنامج الذي منع تدخل عسكري خارجي أو شنّ حرب على إيران.

ثالثًا: إن الضغوط التي يمكن أن يمارسها الاسرائيليون على الادارة الأميركية، كتقليص الدعم لحزب الله وحماس والانسحاب من سوريا وغيرها، ستحدّ من قدرة المفاوض الايراني على الاستمرار في التفاوض، كونها الأوراق التي ساهمت في تحويل ايران الى دولة اقليمية نافذة.

في المحصلة، قد لا يُرجى الكثير من المفاوضات بين الايرانيين والأميركيين - في حال حصلت - لكن يبقى أن الايراني يمكن أن يذهب الى المفاوضات للمفاوضات فحسب، عسى أن يمر الوقت، وتتغيّر الادارة الاميركية بعد سنتين، حينها تخرج ايران من حرب العقوبات بأقل خسارة ممكنة.