برعاية مزدوجة من الاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة، انعقد مؤتمر بروكسل الثالث حول "دعم مستقبل سوريا والمنطقة" من 12 الى 14 آذار 2019، ويعالج المؤتمر قضايا شائكة وذات اهتمام مشترك بين كل من الاتحاد الأوروبي ودول الشرق الأوسط المجاورة لسوريا، أهمها مواضيع اللاجئين ومستقبل سوريا وسواها.
ويخشى المتابعون من تأثير الانقسام الداخلي على الأداء اللبناني في المؤتمر وما بعده، وخاصة بشأن ما يدور في الكواليس عن محاولات أوروبية وأممية لإبقاء النازحين السوريين في لبنان، والسعي الحثيث الى دعم وجود هؤلاء اللاجئين ومحاولة توطينهم عبر اشتراط إدماجهم في سوق العمل مقابل المساعدات التي وُعد فيها لبنان في مؤتمر سيدر، بشكل يشبه تمامًا سعي المجتمع الدولي الى "توطين" الفلسطينيين لإراحة إسرائيل وتمرير "صفقة القرن".
لكن، كما لبنان، المنقسم على ذاته في التعاطي مع موضوع النازحين السوريين على أرضه والتعامل مع "النظام السوري" والرئيس السوري بشار الأسد، تبدو اوروبا منقسمة على ذاتها في المواضيع نفسها، ونلاحظ التباين الواضح بين دول الاتحاد الأوروبي خاصة تلك المتأثرة بشكل شديد بالهجرة والتي ترفض الصيغة الإلمانية لتوزيع اللاجئين على الدول الاروروبية.
تتباين آراء دول الاتحاد في كيفية التعامل مع المعطيات الميدانية في سوريا، فالأوروبيون يقرّون بشكل واضح أن الاسد انتصر في الحرب الدائرة على الأرض السورية، لكنهم يتباينون في كيفية وتوقيت الاعتراف بهذا الانتصار وهل يجب أن يقوم الأوروبيون بالاعتراف بـ "شرعية" الأسد والمساهمة في إعادة الإعمار أو الإبقاء على السياسات السابقة المتمثلة بعدم الاعتراف بشرعية الأسد، والإصرار على ضرورة المطالبة بـ "الانتقال السياسي" بحسب تفسيرهم الخاص للقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن؟.
واقعيًا، بات الاتحاد الأوروبي ينقسم في موضوع اللاجئين والهجرة والسياسات الاقتصادية الى: دول شمال - دول جنوب. فبينما تشجع دول الشمال الاوروبي وخاصة فرنسا وإلمانيا وبريطانيا، على الإبقاء على السياسة الصارمة السابقة في التعامل مع الاسد، وترى أنه بإمكان الإتحاد تخطي أزمتي اللجوء والهجرة بدون السعي الى تقديم تنازلات سياسية وإقتصادية للرئيس السوري بشار الأسد، فإن دول الجنوب، المتضرر الأكبر من أزمات الهجرة واللجوء، وتلك التي وصل فيها اليمين الى الحكم، تسعى الى التخفيف من حدّة الموقف الأوروبي الشمالي، والسعي للتعامل مع الحكومة السورية الموجودة، على أمل المساهمة في إعادة الإعمار مقابل إعادة اللاجئين غير المقبولين في الاتحاد الاوروبي.
كما ينقسم الاوروبيون في رؤيتهم للدور الروسي في القضية، فدول الجنوب اليمينية الشعبوية، لا تجد حرجًا في التعامل مع الروس لتسريع عودة اللاجئين الذين باتوا يرهقون الاتحاد الاوروبي ماليًا وأمنيًا، بينما يكابر دول الشمال معتبرين أن الروس يشكّلون خطرًا على مستقبل الاتحاد، وأن على الاتحاد تنسيق سياساته مع الاميركيين مهما بلغت التكاليف في منطقة الشرق الاوسط.
وأمام هذا الانقسام، ما زالت دول الشمال وخاصة فرنسا وإلمانيا تستطيع فرض وجهة نظرها على الاتحاد وعلى الأمم المتحدة، أما المقلق بالنسبة لما يجري في بروكسل 3 وسواه من المؤتمرات والتصريحات الأممية، أن ما يسمى "المجتمع الدولي" ما زال مصرًا على إبقاء اللاجئين السوريين في أماكنهم وخاصة في لبنان، لفرض أجنداته السياسية على كل من لبنان وسوريا معًا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق