2019/12/16

هل تبدأ "أزمة" الحريري بتكليفه؟

ليلى نقولا
بالرغم من تأجيل الاستشارات النيابية التي كان سيجريها رئيس الجمهورية اليوم، إلا أنها ستشكّل فصلاً جديدًا من فصول الحكاية الطويلة التي بدأت في 17 تشرين الأول والتي لا يبدو أنها ستنتهي بسهولة، أو على الأقل لن تنتهي قبل حصول تطور دراماتيكي كبير في المنطقة ينهي الكباش الحاصل بين المحاور الاقليمية، إما انتصارًا لأحدهم وقلب موازين القوى يدفع الآخرين للتسليم بواقع جديد، أو تفاهمًا على رسم خطوط جديدة تريح لبنان والعراق وتنقلنا الى مرحلة جديدة من ربط النزاع الى أن تنفجر الأزمات مجددًا.
وبالرغم من التوّقع بتكليف الحريري تشكيل الحكومة المقبلة في الاستشارات النيابية، إلا أن تشكيل حكومته دونه عقبات هامّة قد تجعل من مهمة التشكيل أصعب بكثير من المعارك التي قام بها الحريري للوصول الى التكليف، ونذكر بعض المشاكل على سبيل المثال لا الحصر:
- ضعف التكليف "الطوائفي"، خاصة على صعيد التمثيل المسيحي ، بعدما أعلن كل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية (في بيان فجرًا) أنها لن تسمي الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة ولن تشارك في الحكومة المقبلة. وبالرغم من أن تيار المردة استنقذ الحريري وأعلن أنه سيسميه، لكن حجم الأصوات التي سينالها مسيحيًا لا تعطيه تكليفًا "ميثاقيًا" واسعًا.
وبالتالي، إذا أصرّت القوات على عدم المشاركة في الحكومة، واستمر التيار الوطني الحرّ والرئيس عون بالامتناع عن المشاركة في أي حكومة برئاسة الحريري، فعندها سيكون من الصعب أن يتخطى الحريري هذه العقدة المسيحية، حتى لو أتى بمسيحيين من أصحاب الاختصاص المشهود لهم بالكفاءة.
- تعنّت الحريري وإرسال الرسائل الشديدة اللهجة الى الشركاء في السلطة، بأن تسميته في الاستشارات النيابية لا تعني أنه ملزم بإعطائهم وزراء في التشكيلة الحكومية المرتقبة، وأنه مصرّ على تشكيل حكومته "بنفسه" من إختصاصيين مستقلين. وهذا، إن دلّ على شيء، إنما يدل على أن الحريري منفصل عن الواقع، فكيف ستتخطى حكومته الثقة في مجلس النواب، إذا تخطى بالأساس عقبات التأليف الأولية؟
- يبدو من الإشكالات التي حصلت في وسط بيروت، وتصادم القوى الأمنية مع المعترضين على عودة الحريري الى السلطة، أن إجماع الساحات الذي شاهدناه في الفترة الأولى من الحراك، دونه اختلافات جوهرية كبرى، تختلف باختلاف الجهات المموّلة ولا تنتهي بالمطالب المتشعبة، والرؤيات المتباينة.
لا شكّ إن احتجاج شبان من طرابلس وصيدا على إعادة تكليف الحريري، وخروج قوى الأمن الداخلي ووزيرة الداخلية ريّا الحسن من "سباتهم" بعد خمسين يومًا، يعني أن الاشتباك يخفي وراءه صراعًا سنيًا سنيًا، تجلّى في اشتباك دموي في ساحة النجمة وساحة الشهداء.
وإذا كانت بعض العناصر الاستخباراتية، أرادت من خلال دعوة "شباب الخندق" للنزول للاشتباك مع المعتصمين، ومن خلال إطلاق هتافات ضد الرئيس برّي والسيد نصرالله، في محاولة لاستجلاب الشباب "الشيعي" للاشتباك مع المتظاهرين... فهي محاولة رخيصة، لتحويل الأنظار عن حقيقة ما يجري وأن جزءًا كبيرًا من الشارع المتنفض لا يريد للحريري أن يعود على حصان أبيض باسم الحراك، وذلك من خلال تحويل الموضوع الى اشتباك شبابي مذهبي.. محاولة فوّتها الثنائي الشيعي بدعوة أنصاره الى عدم الانجرار للفتنة، مهما كلّف الأمر.
وهكذا، لا يبدو أن أزمة الحريري السياسية ستحلّ بتكليفه، بل قد تبدأ فعليًا منذ لحظة تكليفه.. أزمة استجلبها لنفسه، حين انخرط في مشروع الانقلاب على حلفائه، وحاول ركوب موجة الشارع وموجة الخارج لمحاولة الاستفراد بالسلطة في بلد يدرك الجميع أنه محكوم بالتوافق وأن لا سلطة مهما علا شأنها وبلغت قوتها تستطيع أن تتخطى الآخرين أو تحكم البلد منفردة.

2019/11/25

لبنان: حين يصبح التدخل الاوروبي مطلوبًا بقوة


فجأة ، وبدون مقدمات، تمّ قطع الطرقات في لبنان وبدون تبنٍ واضح من أحد أو من قبل "تنسيقيات" الثورة. وتشير التقارير الى أن قطع الطرقات بدأ في المناطق التي لتيار المستقبل نفوذ فيها، وامتد الى المناطق الأخرى. وربط البعض هذا الأمر بجلسة مجلس الأمن التي ستنعقد اليوم، بينما ربطها البعض بجولة الموفد البريطاني ريشارد مور اليوم الى بيروت، وفي جعبته بعض الاقتراحات لتسوية الازمة الحاصلة، وجميعها لا يصبّ في مصلحة الرئيس الحريري الذي ما زال يعلّي من سقف شروطه، وكأنه لا يدرك حجم التعقيدات التي تطبع الساحة اللبنانية.

يشبه الوضع في لبنان اليوم، الأزمات المفتعلة التي حاول بعض الخارج والداخل نقلها الى لبنان تزامنًا مع الحرب السورية، فقد انقسم اللبنانيون ضمن محورين: جزء مع الدولة السورية واستقرارها، والجزءالآخر أراد أن يكون من ضمن الحرب على سوريا، وجنّد نفسه في خدمة مشروع "إسقاط الأسد"... كانت المشكلة حينها، كانت في انقسام المحور الخارجي الأخير الى نظرتين في التعامل مع لبنان: جزء مع نقل المعركة الى الداخل اللبناني، وتصدّرت هذا الخيار الدول الخليجية بشكل أساسي، بينما حرص الأميركيون والغربيون على إبقاء مظلة فوق لبنان، تحرص على دعم الاستقرار وعدم انفلات الوضع الى مرحلة لا يمكن السيطرة عليه.

أما اليوم، فنبدو أمام مشكلتين:

- الاولى تتجلى في ممارسة الإدارة الأميركية الحالية سياسة "التصعيد ذا السقف الأعلى" في جميع الملفات الدولية، وحتى في الصراع الداخلي في الولايات المتحدة. وقد رأينا مقدمات هذا التصعيد في اختلاف رؤية الإدارة الأميركية للملف اللبناني عن الإدارات السابقة، فنرى مثلاً أن الإدارات الأميركية السابقة - وبالرغم من كل المساعدات التي أعطتها للجيش للبناني- لم تحاول الضغط على الجيش للوصول الى ما لا طاقة له على فعله، وأهمها التلويح بتوكيله "نزع سلاح حزب الله" مقابل المساعدات العسكرية!.

- المشكلة الثانية، تتجلى في توكيل الخليجيين بالموضوع اللبناني، والكلّ يعلم كيف حلّ هؤلاء مسألة اليمن والمسائل الدولية الأخرى.  واقعيًا، إن النظر في الشروط التي يضعها الحريري لعودته الى السلطة تُظهر أن واضعها إما منفصل عن الواقع اللبناني، أو يريد الذهاب الى خيار "لنا أو للنار" وهي الوصفة نفسها التي استخدمها العاهل السعودي محمد بن سلمان في اليمن. وكلنا يذكر كيف تمّ تهديد لبنان بـ" عاصفة حزم" أخرى خلال أزمة اختطاف الرئيس الحريري في السعودية، وإجباره على الاستقالة.

إن أي عاقل يريد الوصول الى حلٍ سياسي للأزمة الراهنة، يدرك أن الاطراف الأخرى لن تقبل شروط الحريري، بإعطائه "الحق الحصري" بتسمية الوزراء التكنوقراط جميعهم، كما إعطاء حكومته ( أو مجلس إدارته) صلاحيات تشريعية استثنائية لتقوم "وحدها" بدور المجلس النيابي والوزاري في آن!! على أن تكون أولى مهماتها وضع قانون انتخابي جديد يمهد لانتخابات نيابية مبكرة (مفصلة على قياس المستقبل وحلفائه، بما أن القانون القديم قد أطاح بغالبيتهم النيابية السابقة).

اليوم، وبعد مرور ما يزيد على شهر من عمر الأزمة، يبدو أن الأوروبيين استدركوا خطورة تسليم قيادة الملف اللبناني للسعودية وحلفائها الخليجيين، لذا يهرعون الى الإمساك به قبل انفلات الوضع،  فلبنان ليس اليمن، وإدخاله في حرب أهلية ستنقلب على صانعيها حتمًا. يدرك الغربيون - خاصة الفرنسيين والبريطانيين- أن الحفاظ على الاستقرار الهشّ، وتشارك النفوذ في لبنان مع قوى اقليمية، يبقى أفضل من "الوصفات" التصعيدية، التي ستدفع الأطراف الداخلية المتضررة حتمًا الى مقاومتها "مهما كلّف الأمر"، علمًا أن الرئيس الروسي ينتظر " الفرصة الذهبية" التي ستسمح له بالدخول الى البوابة اللبنانية من الباب العريض كمنقذ من "الفوضى المفتعلة أميركيًا " بحسب وصف السفير الروسي في لبنان.


2019/11/04

الثورة في لبنان: هل دخلنا مرحلة الخطر؟

د. ليلى نقولا - الثبات

وهكذا وفي الاسبوع الثالث دخل لبنان مرحلة هامة من مراحل الثورات الملونة، ولمن لا يعرف  "الثورات الملونة" يكفي ان يقرأ عن ثورات صربيا وأوكرانيا وجورجيا وغيرها...

أهم من كَتَبَ - أو بالاحرى علّم- كيفية صياغة هذه الثورات كان الأميركي جين شارب، في كتبه حول اللاعنف، وخصوصا في كتابه "من الديكتاتورية إلى الديمقراطية" الذي يعدّ المرجع لجميع الثورات السلمية في العالم، والذي ابتدع فيه وفي غيره من الكتب 198 وسيلة على الثوار استخدامها في ثورتهم اللاعنفية.

ومن بين أشهر الذين كتبوا في موضوع " الثورات الملوّنة " سفير الولايات المتّحدة الأميركيّة في روسيا مايكل ماكفويل Mcfaul، ( غادر منصبه عام 2014) ونستعرض بعض كتبه حول خصائص تلك الثورات الملوّنة، وبالأخص ما تمّ تطبيقه في لبنان:

- تنتج عن رفضٍ عامٍّ من الشعب للقائمين على النّظام السياسيّ ولسياستهم يستتبعه شعورهم بالحاجة إلى تغيير هذه الوجوه وهذه السّياسات.

– تقوم كردّة فعلٍ على الفساد المستشري في مؤسسات الدّولة متوازية مع تحرّك المجتمع "المدنيّ" والوسائل الإعلاميّة.

– تتميّز بكونها احتجاجات واسعة في الشوارع والميادين غالبًا ما تكون مليونيّة، تتّسم بالتّنظيم الشديد والغضب إلّا أنّها في الآن عينه تستخدم الطّرق السلميّة للتعبير عن آرائها.

– ترفض أثناءها قوّات الأمن والجيش التعامل بالشدّة مع المتظاهرين بدافع ذاتيّ أو مصلحيّ، تنأى بنفسها فلا تقف مع طرفٍ على حساب آخر بل تنتظر من ينتصر.

وبعد تكرر استخدام هذه الوسيلة للتغيير السياسي ونقل البلاد من من ضفة سياسية الى أخرى، حيث تحولت الدول المستهدفة بالثورات الملونة من النفوذ الروسي الى السير في الفلك الأميركي، بدأت الحكومات المستهدفة تغيّر من مقارباتها للمواجهة.

لقد تبين في روسيا، وآسيا الوسطى وأوروبا الشرقيّة أن المشاركين في التظاهرات تلقّوا دعمًا مادّيًّا، يتفاوت بين قبض الأموال مباشرةً قبل التظاهر إلى توفير وجبات الطّعام والشّراب كما والأعلام، كذلك الشارات الملوّنة وخيام المبيت؛ فتعلمت تلك الدول ان لا تواجه "الثوار" بالسلاح، ولا الغازات المسيّلة للدموع، فتبدو للعالم المترقّب والصحافة العالمية على أنّها أنظمة ديكتاتورية، بل استخدمت نفس الوسائل التي استخدمها ممولو تلك الثورات ومنظموها.

وهكذا، يدّل التاريخ ان فشل تلك الثورات في تكوين "الصدمة" المطلوبة لتأمين انتقال سياسي من محور الى آخر، عادة ما يدفع الممولين الى الانتقال من "السلمية" الى استراتيجية "الدم المطلوب لتشكيل صدمة" (وهو ما حصل في كل من فنزويلا ومصر وأوكرانيا وإيران) حيث يقوم بعض القناصة أو أفراد يلبسون لباسًا عسكريًا حكوميًا بالاعتداء على المتظاهرين السلميين لتحريض الرأي العام ضد النظام، ولكسب التعاطف الذي لم يحصل لأن الحاكم لم ينجرّ للعنف.

وهكذا، وبالرغم من مطالب الناس المحقة والتي تشبه الى حدّ بعيد مطالب الناس في كل الدول النامية، إلا أن نتائج تلك الثورات لم تأتِ - ولا مرة - لصالح الناس المقهورين، بل ان ممولي تلك الثورات وداعميها والمحرضين عليها لطالما كانت أهدافهم أبعد من مكافحة الفساد ومعالجة الازمات الاقتصادية، بل هدفها سياسي بحت، وبالاخص سياسي يتعلق بالسياسة الخارجية للدولة وانتقالها من محور الى محور آخر.

وعليه، فإن المراقب يدرك ان من سرقوا صيحات الناس في لبنان اليوم، يريدون الانقلاب على نتيجة الانتخابات النيابية التي أتت لصالح محور ضد آخر، والانقلاب على التسوية ، وأخذ لبنان الى محور يعادي سورية ويمتنع عن الدعوة الى عودتها الى الجامعة العربية ويمتنع عن إعادة اللاجئين إلا من ضمن الحل السياسي لاستخدامهم ورقة في ملف التفاوض الاخير، فما هي خطتهم القادمة بعد فشل المرحلة الاولى في تشكيل الصدمة الملائمة للانتقال الى الضفة الأخرى؟.

2019/10/21

لبنان: دروس انتفاضة الناس

لا شكّ ان الانتفاضة الشعبية التي عمّت مختلف المناطق اللبنانية، كانت نتيجة طبيعية لتفاقم أزمات السلطة السياسية التي أمعنت في صمّ آذانها عن صرخات الناس، واستسهلت فرض الضرائب والسرقات المكشوفة على مرأى من الجميع ومنعت كل إمكانية للمساءلة والمحاسبة وعطّلت القضاء والجهات الرقابية.

وأما وقد وصلت الأمور الى ما صلت إليه، يمكن استخلاص دروس مبكرة، ولو أن الانتفاضة الشعبية لم تصل الى خواتيمها بعد، ولا أحد يعرف كيفية إتجاه الأمور على الأرض بعد إعلان الحكومة ورقتها الاقتصادية، وهذه الدروس تتلخص في ما يلي:

أولاً، أثبت الشارع اللبناني أن ذرائع التستر بالطائفية والمذهبية لمنع المساءلة والمحاسبة للفاسدين وسارقي المال العام لم تعد تنطلي على أحد. لقد مسّت الازمة الإقتصادية كل مواطن لبناني في رزقه ومستقبل اولاده وقوتهم، لذا لم تعد تعنيه كل الخطوط الحمراء التي ابتدعوها لحماية أنفسهم وسرقة المال العام. كما أثبت أنه يمقت التعجرف السياسي والفوقية التي يعامله بها سياسيوه.

ثانيًا: إن الأزمات سواء الحقيقية أو المفتعلة التي ابتدعها أهل السلطة لإحراج بعضهم البعض أو لإحراج العهد، انفجرت في وجه الجميع دون استثناء. وبالرغم من أن الشارع قال كلمته ضد الجميع، إلا أن البعض حاول استثمار الشارع لتصفية حسابات سياسية، كدعوة فرنجية وجنبلاط الى استقالة باسيل وكأن باسيل هو المتهم بسرقة المال العام والسيطرة على مقدرات الدولة لمدة ثلاثين عامًا، وهو الذي استفاد من وجود السوريين ليخلق له كونتونات طائفية زبائنية.

ثالثًا: كان لافتًا مطالبة "القوات اللبنانية" باستقالة الرئيس، وهو أمر خطير جدًا من الناحية القانونية والسياسية وحتى المسيحية.

من الناحية القانونية، إن التعديلات الدستورية التي أتى بها الطائف عام 1990، انتزعت صلاحيات رئيس الجمهورية وأنيطت بمجلس الوزراء. وهكذا، لم تعد السلطة الاجرائية منوطة برئيس الدولة بل بمجلس الوزراء مجتمعًا.

وهكذا أصبح المسؤول الأول في السلطة الإجرائية هو رئيس مجلس الوزراء ولم يعد رئيس الجمهورية كما كان قبل تعديلات الطائف. وهكذا يكون رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول عن تنفيذ السياسة العامة للحكومة، كما تمّ تكريس استقلاله عن رئيس الجمهورية في إدارة شؤون الحكومة ان لجهة وضع جدول أعمال مجلس الوزراء ام لجهة ترؤس اجتماعاته ودعوته الى الانعقاد، الأمر الذي أدّى الى نقل مركز الحكم في لبنان من قصر بعبدا الى السرايا الكبير.

وأكثر من ذلك، فإنه باستثناء مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة، لا يحق لرئيس الجمهورية ممارسة ما تبقى له من صلاحيات، من دون توقيع رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصين (المادة 54 من الدستور).

وهذا يعني أن الرئيس غير مسؤول عن سياسة الحكومة بل هو حَكَم بين اللبنانيين، لذا فإن مسارعة القوات الى المطالبة باستقالته تعدّ نوعًا من الهرطقة الدستورية والخيانة العظمى للمسيحيين.

تعدّ رئاسة الجمهورية اللبنانية آخر موقع مسيحي في شرق تمّ تهجير المسيحيين منه، وبالتالي إن إضعاف موقع الرئاسة واستسهال إقالته كما تريد "القوات"، يعني استكمال مسلسل تهجير المسيحيين من المشرق وهو المخطط الذي يبدو أن "القوات اللبنانية" هي رأس حربة فيه.

وبالنتيجة، لقد قال الشارع كلمته بالفعل وأوصل رسالة شديدة اللهجة الى المسؤولين، ولكن المطالبات المبالغ فيها كاستقالة النواب وحلّ السلطة بأكملها وغير ذلك، تبدو إما نوعًا من الإنفصال عن الواقع أو التآمر على الوطن، إذ أن سيناريو كهذا - أقلّه- سوف يؤدي الى انهيار الليرة المترنحة أساسًا، وقد يستفيق اللبنانيون على 5000 ليرة مقابل الدولار الواحد. لذا، إن الاتعاظ والتغيير مع حفظ الاستقرار الأمني والاقتصادي يبقى الحل المقبول حاليًا ولو لم يكن الحل المرتجى.

2019/10/14

الأكراد والخطأ التاريخي للأقليات

في خضم الحديث عن دعوة الاكراد للجيش السوري للدخول الى مناطقهم وردّ العدوان التركي، تتحدث وسائل الاعلام العربية والغربية عن غدر ترامب بحلفائه وخذلان العالم للأكراد... وفي حديث لمجلة فورين بوليسي، يتحدث مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية في سوريا ،  بأنه "سيكون هناك تنازلات مؤلمة" للحكومة السورية وحلفائها الروس، معتبرًا ان الاكراد  لا يثقون بهم... ومن الصعب "معرفة من يجب أن تثق به...".
عمليًا، يتحمل الأكراد في سوريا المسؤولية الكاملة عما آلت اليه الاوضاع في شرق الفرات، اذ من غير الممكن تصوّر ان الاكراد لم يتوقعوا هذا المصير، فالولايات المتحدة الأميركية تخلت سابقًا أكراد العراق، والمسيحيين في العراق ولبنان وغيرهم...
بمراجعة بسيطة وشاملة للدعم الأميركي للحلفاء، نجد العديد من الحالات التاريخية، نستذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- الدعم الأميركي للرئيس اللبناني كميل شمعون الذي انخرط في حلف بغداد متكلاً على مشروع أيزنهاور، مما ادى الى ثورة في لبنان عام 1958، بتحريض من عبد الناصر آنذاك. قام الأميركيون باستعراض إنزال المارينز على شواطئ لبنان، ثم انتهت المناورات الاستعراضية باتفاق أميركي مع رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبد الناصر على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو العدو السياسي اللدود للرئيس شمعون، اللواء فؤاد شهاب.
- عام 1982، بعد الاجتياح الإسرائيلي الثاني، وعلى أثر ترحيل المقاتلين الفلسطينيين عن لبنان، قام الأميركيون بإنزال المارينز على شواطئ بيروت، متذرعين بأن السياسة الأميركية تهدف الى استعادة لبنان سيادته واستقلاله كما صرح الرئيس الأميركي رونالد ريغن. واستمر الوجود الأميركي السياسي والعسكري خلال عهد الرئيس أمين الجميل، لكن ذلك لم يعطه قدرة على الحكم. وكلنا يذكر التصعيد الكلامي الذي أطلقه الجميل من واشنطن، معتبراً أن كل طلقة سورية تستهدف بيروت، سيرد عليها باستهداف دمشق، ولا ينسى أهل بيروت ذلك اليوم المأسوي الذي تساقطت فيه القنابل من كل حدب وصوب على مدينتهم وأحيائهم، ولم يحرّك الأميركيون ساكناً، بل لم يكترث الأميركيون حين أرغمت القوات اللبنانية الرئيس الجميل على القبول بالنفي القسري فور انتهاء عهده.

- دعوة السفير الأميركي جون ماكارثي من إهدن الى قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع، للوفاء بوعده والتحرك ضد الجنرال ميشال عون، الذي كان رأس السلطة التنفيذية آنذاك. وبسرعة، أطاع جعجع الأوامر وأدّت «القوات اللبنانية» بقيادة سمير جعجع المهمة المطلوبة منها بالضبط، فدخل السوريون المناطق «الشرقية» بدعم أميركي واضح. وبالرغم من ذلك، رأت الإدارة الأميركية أن سجن قائد “القوات اللبنانية” ومحاكمته وإدانته في عهد الرئيس الياس الهراوي، أمر لبناني داخلي لا تستطيع التدخل فيه.
هي إذًا دروس تاريخية يجب أن تضعها الاقليات نصب عينيها، فلا الدول جمعيات خيرية ولا يُعرف عن الأميركيين التزامهم بحليف بعد أن يكون قد أدّى مهمته وبات عبئًا عليهم.

2019/10/07

شرق الفرات: أين يمكن أن يصل أردوغان بتهديداته؟

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال اجتماع حزبي أنه سينفذ عملية عسكرية جوية وبرية شرق نهر الفرات في سوريا، وهاجم فيها الولايات المتحدة بسبب الدعم الذي تقدمه للأكراد. وقال أردوغان: "أجرينا استعداداتنا وأكملنا خطة العملية العسكرية في شرق الفرات، وأصدرنا التعليمات اللازمة بخصوص ذلك، وسنقوم بتنفيذ العملية من البر والجو". وأضاف غامزًا من قناة الأميركيين من دون أن يسميهم: "نقول لمن يبتسمون في وجهنا ويماطلوننا بأحاديث دبلوماسية من أجل إبعاد بلدنا عن المنظمة الإرهابية إن الكلام انتهى".

وادعى أردوغان إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أدرج مسألة انسحاب قوات بلاده من منطقة شرق نهر الفرات وإحلال القوات التركية مكانها، لكن من هم حوله لم يعملوا إلى الان بتوصياته. وهكذا، يبدو أن خطة تسيير دوريات مشتركة بين الأتراك والأميركيين قد باءت بالفشل.

واقعيًا، من الصعب التفكير بأن أردوغان سيتجرأ على القيام فعلاً بتلك الحملة العسكرية، متحديًا الولايات المتحدة الاميركية التي حذّرت على لسان المتحدث باسم "البنتاغون" من القيام بعملية عسكرية دون تنسيق معها... لكن، يمكن القول أن التهديد الذي أطلقه أردوغان، يحقق له مصالح عدّة، أبرزها ما يلي:

1- يريد أردوغان أن يستغل الإحراج الذي يعانيه ترامب في الداخل بعد الهجوم الديمقراطي عليه ومحاولة عزله، فيحقق بعض المصالح أو التنازلات في الملف السوري. في هذا الاطار، يريد أردوغان من ترامب أن يوكله بأمر الجغرافيا السورية بالنيابة عنه، وذلك في حال أعاد ترامب التأكيد على رغبته في الانسحاب.

2- يدرك أردوغان أنه حتى لو وافق ترامب على تلك العملية، فإنه لا يستطيع أن يقوم بها من دون موافقة كل من إيران وروسيا. والأكيد أن الايرانيين والروس يفضّلون أن ينفذ أردوغان تعهداته في إدلب، مقابل التوصل الى حلّ لمسألة شرق الفرات. فإذا كان الحل العسكري غير ممكن للتخلص من البؤرة الارهابية في إدلب، فلن يكون بإمكان أردوغان اللجوء الى الحلّ العسكري لحل مسألة شرق الفرات بالمقابل.

بالنسبة لكل من إيران وروسيا، يُفَضَل أن تقوم تركيا بنشر قواتها على حدودها مع سوريا، على أن ينتشر الجيش السوري في المناطق السورية المحاذية، والتي يسيطر عليها الأكراد اليوم. يدرك كل من الروس والايرانيين أن التلاعب بالجغرافيا وتقسيم الدولة السورية سواء عبر الموافقة الأميركية على إنشاء كونتون كردي أو إنشاء منطقة آمنة يسيطر عليها الجيش التركي بذريعة إسكان واستقبل اللاجئين من تركيا وأنحاء أوروبا، قد تتحول الى "دومينو" يهدد الشرق الأوسط برمته.

وعليه، لا يبدو من السهولة على أردوغان شنّ تلك الحملة، وسيبقى شرق الفرات مرتبطًا بإدلب فإما أن تحلّ القضيتان بالتوازي أو تستمر المماطلة الى أن يحين أوان الحلّ النهائي.


2019/09/30

عزل ترامب: هل يؤدي الى حرب أهلية أميركية فعلاً؟

ينشغل الرأي العالم الأميركي والعالمي بالحملة الديمقراطية في الولايات المتحدة والتي تتحدث عن إمكانية عزل الرئيس دونالد ترامب، بسبب ما يقال انه خالف القانون الأميركي بطلبه من رئيس خارجي (الرئيس الأوكراني) مساعدته على الإطاحة بمنافسه جو بايدن عبر التحقيق في ملابسات وشبهات تورط بالفساد له ولأبنه في أوكرانيا.
واقعيًا، إن مسار العزل وإمكانيته لا يمكن النظر اليها ضمن المسار القانوني وحده، علمًا أنه مسار صعب أيضًا. قانونيًا، تبدأ إجراءات عزل الرئيس من الكونغرس الذي يسيطر فيه الديمقراطيون على الأغلبية، لكن الإدانة الفعلية يجب أن تصدر من مجلس الشيوخ الذي يتمتع فيه الجهوريون بأغلبية واضحة، علمًا أن إقالة الرئيس تتطلب ثلثي المجلس أي 66 عضوًا.
هذا في المبدأ، أما في الواقع فيمكن النظر الى معطيات عدّة تفرض نفسها على عملية المساءلة، وهي موازين القوى السياسية والشعبية.
بالنسبة لموازين القوى، يخطئ العديد من الباحثين حين يعتبرون أن ترامب هو في مواجهة "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، فلو كان كذلك لاستطاعت تلك الدولة الاطاحة به منذ السنة الاولى. قد يتأتى عدم إدراك هذا مباشرة، لعدم فهم الناس ما الذي تعنيه الدولة العميقة، فالدولة العميقة ليست مجرد "مجتمع الاستخبارات". وعندما يتم اعتماد فهم أكثر دقة للدولة الأميركية العميقة والتكامل التكافلي فيما بينها، وعلى مساحة الكرة الارضية، يمكن تمييز أن الادارة الأميركية الحالية هي فصيل من هذه الدولة العميقة يتصارع مع فصيل آخر استمر حاكمًا لفترة من الزمن.
بالتدقيق، نرى أن إدارة ترامب وقراراته، تعمل لصالح عمالقة المال في وال ستريت، مجموعات النفط وخاصة النفط الصخري، شركات السلاح ( أو ما يسمى المجمع الصناعي العسكري) والبنتاغون (زاد موازنة الدفاع بشكل غير مسبوق) بالاضافة الى القوميين البيض والكنائس الانجيلية المتعصبة... أما المحيّدون من اهتمام ترامب، فهم وزارة الخارجية، وكالات الأمن القومي والاستخبارات المتهمون بالتجسس على ترامب ومحاولة تقويض حكمه، و شركات سيليكون فالي ممولي حملات التظاهر عليه ....
وبهذا المعنى، يمكن توصيف ظاهرة ترامب، بأنها قد تمثل انقلابًا قوميًا أبيض من جانب قطاع مستاء من داخل الدولة العميقة نفسها، وهذا القطاع أو الفصيل يعتقد أن بإمكانه إعادة وتنظيم هيكلية الدولة العميقة لإخراجها من أزمتها وبالتالي تجنيب النظام العالمي العميق من أزمة ترددية تواكب الأزمة الداخلية في الولايات المتحدة.
أما على الصعيد غير الرسمي، فيمكن القول أن احتمالات عزل ترامب قد تدفعه الى تحريض أنصاره على تقويض الاستقرار، ويمكن لفت النظر الى ما حصل في شارلوتسفيل عام 2017، حين اندلعت اشتباكات عنيفة في المدينة، وأظهرت الصور ووسائل الاعلام رجالاً بيض مدججين بالسلاح يشتبكون مه متظاهرين منددين بالعنصرية، بشكل تحولت معه المنطقة الى ساحة حرب فعلية، وقتلت فتاة بعد أن قامت سيارة بدهس المتظاهرين.
وهكذا، يبدو من الصعوبة بمكان عزل ترامب قانونيًا، بالاضافة الى الانقسام الذي ستثيره هذه الحملة التي يقودها الديمقراطيون اليوم... الواضح، أن الدولة العميقة دخلت في حرب حقيقية بين مكوناتها. باختصار، إن فرع الدولة العميقة الذي يدعم ترامب يعتقد أنه في مهمة فريدة وخاصة: إنقاذ الدولة العميقة من التدهور الناجم عن إخفاق الإدارات الأميركية المتعاقبة. هم في حرب وجودية، لإنقاذ "الرأسمالية" من أولئك الذين يريدون تدميرها، ولإعادة هيمنة الولايات المتحدة على العالم.





2019/09/23

المحكمة الخاصة بلبنان: ماذا في اتهام عياش مجددًا؟

أعلنت المحكمة الخاصة بلبنان أنها رفعت السرية عن قرار اتهام صدر بحق سليم جميل عياش، المنتمي إلى حزب الله، واعتبرت أن هناك قضايا متلازمة مع قضية اغتيال الحريري، وهي حوادث اغتيال كل من مروان حمادة وجورج حاوي والياس المر بين عامي 2004 و2005.

وبالتصديق على قرار الاتهام هذا، يعني أن المحكمة فتحت قضية جديدة بعدما شارفت قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري على الانتهاء مع ترقب صدور الحكم النهائي في الأشهر المقبلة.

وبموجب القرار الاتهامي، تم إسناد خمس تهم إلى عياش في قرار الاتهام، وهي: "مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي، الانتماء الى جمعية أشرار، ارتكاب أعمال إرهابية، قتل السادة غازي أبو كروم وجورج حاوي وخالد مورا عمدًا، ومحاولة قتل السيّدين الياس المر، ومروان حمادة، وسبعة عشر شخصًا آخر عمدًا".

وهكذا، تكون المحكمة قد أطالت عمرها المفترض بفتح قضايا جديدة وسحب الاموال من المكلف اللبناني، وهي التي تكلّف سنويًا ما يزيد على 120 مليون دولار، تدفع نصفها الدولة اللبنانية، والنصف الآخر من الدول المانحة.

أما قراءة القرار الاتهامي، فتشير الى نيّة المحكمة بالاستمرار في اتهام حزب الله كمنظمة، بالرغم من أن القانون الجنائي الدولي، يؤكد على مبدأ "المسؤولية الجنائية الفردية"، باعتبار ان من ارتكبوا جرائم دولية كبرى هم أشخاص طبيعيون، ساهموا بشكل أو بآخر في تلك الجريمة من خلال التحريض أو التنفيذ أو تسهيل الجريمة، أو غضّ النظر عنها.

إن اعتماد عبارة "مجموعة أشرار"، تمكّن المحكمة – بحسب القانون الجنائي الدولي- من اتهام وإدانة "جميع من ينتمي إلى الحزب". وهذه الإدانة يمكن أن تتم بموجب مبدأ قضائي مستحدث في القانون الجنائي الدولي يطلق عليه اسم "المشروع الجنائي المشترك" joint criminal enterprise، والذي تعتمده المحاكم الدولية منذ عام 1999، وبالتحديد منذ الحكم الذي أصدرته محكمة يوغسلافيا في قضية تاديتش، والذي اعتبر علامة فارقة في القضاء الجنائي الدولي، والسابقة التي اعتمدت عليها المحاكم الدولية الأخرى لإدانة المتهمين بموجب "القصد المشترك" أو "الهدف المشترك"، وهو ما ورد في النظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان صراحة أيضًا.

ويمكن تلخيص هذا المبدأ بما يلي: يعتبر كل عضو في "مجموعة منظمة" (وهنا اعتبرت المحكمة صراحة أن حزب الله هو مجموعة أشرار) مسؤول مسؤولية جنائية فردية عن الجرائم التي ترتكبها المجموعة ضمن الخطة المشتركة أو الهدف المشترك، وهذه الإدانة مختلفة بالطبع عن الإدانة بالتحريض أو المساعدة.

وهكذا، نجد أن قرار المحكمة الذي لم يأخذ حيّزًا كبيرًا في الاعلام اللبناني، وتعامل معه اللبنانيون كخبر مرّ مرور الكرام، يستكمل الهدف الذي أنشئت من أجله تلك المحكمة.

ويبقى أن نشير الى أن السياسة التي تتدخل دائمًا في تحقيق العدالة الدولية أو منعها وتقويضها، وحيث تعتبر تلك المحاكم دائمًا محاكم المنتصرين... وعليه، لن تستطيع المحكمة أن تحقق أي هدف لمن أنشأها إلا إذا انتصر ميدانيًا (وهذا بات أقرب الى المستحيل)، فالمنتصر يكتب التاريخ، ويسنّ القانون، ويقيم المحاكمات للمهزومين، ويدّعي التفوق الاخلاقي.


2019/09/16

كيف تحلّ قضية العميل فاخوري؟

طغت قضية العميل عامر فاخوري العائد الى لبنان، على الحيّز الاعلامي والسياسي وذلك بسبب قيامه بممارسة التعذيب والقتل العمد والترهيب على الاسرى المعتقلين في سجن الخيام خلال وجود الاحتلال الاسرائيلي في لبنان، وحيث كان العميل يشغل رتبة آمر السجن وقتذاك.
وتبدو الهبّة الشعبية -التي حصلت لغاية الآن- ممتازة إذ شكّلت ضغوطًا على الدولة اللبنانية لإعتقال العميل، ولكنها اكتفت برفع شعار "عدم عودة العملاء الى لبنان"، وهو أمر يعدّ قاصرًا عن التعامل مع ملف هؤلاء المرتكبين وخطورته.
برأيي، على الحملة الشعبية التي يقودها الأسرى المحررون أن لا تكتفي برفع شعار عدم العودة بل يجب عليها المطالبة "بعدم إفلاتهم من العقاب"، ومحاسبة من قام بتنظيف ملفاتهم عام 2014 خلال حكومة الرئيس تمام سلام.
يقصد بالإفلات من العقاب عدم التمكّن،  قانونًا أو فعلاً، من مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان ومنها الجرائم ضد الانسانية والتعذيب.
وتتعدد أوجه وطرق الإفلات من العقاب، ويمكن إدراج هذه الأوجه في شكلين:
أ- الإفلات بحكم القانون وذلك من خلال قيام الدولة بمنح العفو لمرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ب- الإفلات من العقاب بحكم الواقع وهذا لا يحدث فقط عندما تفشل السلطات في التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، ولكن أيضًا عندما لا يتم التحقيق بشكل فوري وبجدية وفقًا للمعايير الدولية، وهو ما يسمى الإفلات من العقاب بحكم الواقع.
أما الشكل المموه للإفلات من العقاب بحكم الأمر الواقع أيضًا، فهو عندما يُحكم على المرتكبين بعقوبات لا تتفق مع خطورة الانتهاك (وهذا ما حصل بالفعل مع عملاء اسرائيل) أو عندما لا تضمن السلطات الوطنية تنفيذ الحكم، أو ببساطة، عندما يُحرم ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان من الحق في العدالة، ويقيد وصولهم إلى المحاكم، أو لا ينظر إلى القضايا بشكل يتماشى مع المعايير الدولية المعمول بها. وقد يحدث أيضًا عندما يتم التلاعب بالأدلة أو عند إطالة أمد التحقيقات إلخ...
برأيي، لا يكفي أن يُمنع مرتكبو الجرائم الكبرى من زيارة لبنان، بل إن محاكمة هؤلاء وصدور مذكرات توقيف بحقهم وملاحقتهم في جميع أنحاء العالم، تؤدي خدمة كبرى ومنفعة لمستقبل لبنان بحيث تشكّل هذه رادعًا لكل من تسوّل نفسه التعامل مع العدو الاسرائيلي ومساعدته على فوز  قواته في لبنان مستقبلاً، كما يُكسب الدولة اللبنانية والقضاء اللبناني شرعية أكبر في نظر مواطنيها خاصة.
وهكذا، يستطيع أصحاب الحق والمتضررون من ممارسات هذا العميل وغيره، رفع دعاوى وإلزام الدولة اللبنانية بمقاضاته انطلاقًا من القانون الدولي الذي يقرّ بأن للأفراد في هذا الاطار حقوقًا لا تسقط بالتقادم، وفي الوقت نفسه يضع "التزامات مرتبطة بهذه الحقوق على الدول"، وذلك انطلاقًا من القانون العرفي والمعاهدات الدولية ذات الصلة.
ويتضمن قانون المعاهدات واجب المقاضاة عن الانتهاكات الجسيمة، وهذا الواجب تتضمنه معاهدات جنيف الأربع لعام 1949، كما نجده، على سبيل المثال، أيضًا في اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة، واتفاقية منع التعذيب وباقي العقوبات (الخاصة) بالإنسان، وكلها تتضمن التزام وواجب الدولة لمقاضاة جريمة التعذيب والابادة.
وعليه، يبدو من المهم بمكان اليوم، أن لا تتدخل التسويات السياسية في قضية محاكمة العميل فاخوري أو غيره، لأن عدم القيام بتلك المحاكمات يقوّض حكم القانون في لبنان، ويثير الشكوك في العدالة اللبنانية برمّتها، والكرة اليوم في ملعب أصحاب الحق والمتضررون والأسرى المحررون، لتحقيق العدالة ولو أتت متأخرة.

2019/09/09

كيف يستخدم العدو الداخل اللبناني في حربه النفسية؟

كما وعد السيد حسن نصرالله استطاع حزب الله ان يسقط طائرة استطلاع "اسرائيلية"، وذكرت قناة المنار أن المقاومين تصدّوا بالأسلحة المناسبة لطائرة "إسرائيلية" مسيرة أثناء عبورها للحدود ‏الفلسطينية - اللبنانية باتجاه بلدة رامية الجنوبية، حيث تم إسقاط الطائرة المسيّرة في خراج البلدة، ‏وأصبحت في يدهم.
وكان لافتًا تعامل حزب الله الاحترافي مع قضية العدوان "الاسرائيلي" على لبنان وعلى مقاوميه في سوريا، وحيث اصبحت عبارة "انضبوا" هي المحرك الرئيسي وباعث القلق لدى "الاسرائيليين"، في أكثر الحروب النفسية احترافًا ودقة.
وتعتبر الحرب النفسية من أخطر من الحروب التي تُشنّ على عدو، وقد تفوق بخطورتها الحرب العسكرية المباشرة؛ وقد اعتبر نابليون بونابرت؛ أن حرب العقول أقوى من حروب الأسلحة، إذ إن "هناك قوتان في العالم فقط: العقل والسيف؛ وعلى المدى الطويل؛ العقل دائمًا ما ينتصر على السيف".
وبالفعل احترف حزب الله ممارسة التأثير النفسي على العدو للوصول الى تحطيم الروح المعنوية لديه... بينما كانت الحرب النفسية  فيما مضى من احتكار "اسرائيل" خلال الصراع العربي "الاسرائيلي"، حين استطاع بتقنية واحتراف من القيام بممارسات لجعل العرب يفقدون الثقة بأنفسهم، ويتخلون عن الأمل، ويتملك منهم الخوف؛ حتى تتاح له فرصة الفوز بسهولة. وتعرّف موسوعة المعارف البريطانية الحرب النفسية بأنها استخدام الدعاية ضد عدو بهدف إضعاف الروح المعنوية لديه، وكسر إرادته في القتال أو المقاومة... وتستخدم لتعزيز موقع الحلفاء أو مقاتلي الجهة التي تقوم بها .
وعادة ما ترافقت الحرب النفسية ضد العرب مع الدعاية السياسية لـ "اسرائيل"، لإظهار تفوقها، ومن أهم أهداف تلك الحرب التي شنّها "الاسرائيليون" ما يلي:

  1. إقناع السكان العرب بدعم العملية العسكرية ضد حكومتهم أو على الأقل عدم إبداء الرغبة في المقاومة، إنطلاقًا من فكرة عدم القدرة على المواجهة، وهنا نرى انخراط بعض اللبنانيين في التخويف من الرد "الاسرائيلي" واتهام البعض لحزب الله بتخريب لبنان والدعوة الى عدم الرد على "اسرائيل".
  2. رفع المعنويات وسط صفوف جيش العدو وسكان الكيان  عبر الدعاية السياسية المكثفة لقدرة جيشهم الذي لا يقهر، ومؤخرًا استخدم "الاسرائيليون" سياسة الدعاية المكثفة عبر الادعاء  ان رد حزب الله الاسبوع الماضي باستهداف ناقلة الجند لم يصب احدًا.
  3. خلق جو عام من السجال الداخلي  اللبناني وسط ومحاولة استخدام بعض الاصوات او الاراء للتحريض ضد رئيس الجمهورية لدعمه المقاومة وعلى حزب الله.
  4. إضعاف الروح المعنوية لدى اللبنانيين ، علمًا ان هذه  بقيت  من دون جدوى، بعدما اتقن حزب الله القدرة على الرد والتحدي برفع الروح المعنوية للبنانيين بعدما استمر اللبنانيون والعرب فترة طويلة يعتقدون بعدم قدرتهم على المواجهة.
وهكذا قامت اسرائيل لفترة طويلة بتسويق قدرتها على الانتصار على العرب، وإمكانية هزيمتهم بسهولة، وهو ما انفكوا يقومون به من خلال تهديدهم للبنان وغزة، والدعاية لجيشهم بأنه "الجيش الذي لا يقهر" والذي يستطيع أن يكبد الآخرين آلامًا وخسائر موجعة.
في مجال الاستراتيجيات الدعائية يمكن أن نميز بين نوعين من الاستراتيجيات والتي استخدمت خاصة خلال حرب تموز وما بعدها: استراتيجية "الحقيقة"  واستراتيجية "الكذبة الكبرى".
استراتيجية "الحقيقة" وهي التي استخدمها حزب الله بشكل كبير واستطاع من خلالها كسب ثقة الجمهور الاسرائيلي الذي قال "انه يصدق حسن نصرالله اكثر مما يصدق حكومته"، وهي تعني تقديم المادة الإعلامية للمستمع أو القارئ بشكل إخباري يراعى فيه أكبر قدر من الدقة والموضوعية، مع تمرير بعض الرسائل التخويفية ضمن سياق حقيقي وواقعي الى حدٍ كبير. أما استراتيجية "الكذبة الكبرى" فهي تعني تحريف أو تشويه المادة الإعلامية من أجل التلاعب بالرأي العام، وإغراقه بكمّ من الإشاعات بحيث يتعذر عليه تمييز الحقيقة أو معرفة حجم الكذب في الموضوع.
وفي هذا الإطار، يبدو لافتًأ تعامل بعض الاعلاميين اللبنانيين والعرب بطريقة التهويل على اللبنانيين، وقيام هؤلاء بممارسة حرب نفسية لصالح العدو، مدّعين "الحرص على لبنان" وتسخيف كل من يقول بأن اسرائيل غير قادرة على شنّ الحرب، طالبين من الجمهور "عدم الانجرار وراء أوهام عدم قدرة "اسرائيل" على شنّ الحرب"، وهم - سواءً بحسن نية أو سوء نية- يقومون بالتسويق للعدو والمساهمة في حربه النفسية علينا.
في نهاية المطاف، لقد انتهى الزمن الذي تعتدي فيه اسرائيل ولا تتلقى ردًا . ولقد انكشفت كل الاقلام والشخصيات المشبوهة بحيث لم تعد تستطيع  هذا الشخصيات التأثير الا على من يشبهها بالرأي والايديولوجيا السياسية، وهؤلاء لا محل لهم من الاعراب في حسابات المعركة مع العدو ولا في حسابات معظم اللبنانيين بكافة طوائفهم.

2019/09/02

هل يردّ نتنياهو على رد حزب الله؟

لم يتأخر ردّ المقاومة على العدوان الاسرائيلي على لبنان، فبعد أن مرّ اسبوع من القلق الاسرائيلي والاستنفار على الحدود وإغلاق الأجواء أمام حركة الطيران، وفرض حظر التجوال الذي كلّف الاسرائيليين الكثير... جاء الردّ بتفجير آلية عسكرية في مدينة صلحا اللبنانية (من القرى السبع) متزامنًا مع اطلاق ذكرى الاحتفال بإعلان "دولة لبنان الكبير"، حيث كانت القرى السبع جزءًا منه قبل أن يتنازل عنها الاستعمار الفرنسي لصالح البريطانيين الذين كانوا يحتلون فلسطين آنذاك.

إنه لبنان فقط، الذي شكّل - وما يزال - استثناءً في الصراع العربي مع "إسرائيل"؛ فمع استمرار المقاومة في الجنوب بعد توقيع اتفاق الطائف، وقدرة اللبنانيين على إجبار العدو على الانسحاب من أراضٍ عربية بالقوة ودون قيد أو شرط ومن دون توقيع اتفاقية سلام أو استسلام، ودون تنازلات، كانت "إسرائيل" دائمًا تضع نصب عينيها حاجتها لإخضاع اللبنانيين وإذلالهم عبر الحديد والنار، إلى أن كانت حرب تموز.

تحولت حرب تموز الى استثناء لبناني ثانٍ، فلقد فرض اللبنانيون بدمائهم "معادلة الردع" المتقابل لأول مرة في تاريخ الصراع. أما الردع فهو يعني "محاولة طرف منع الطرف الآخر من القيام بعمل يرى فيه ضررًا له، أو على الأقل منعه من التفكير بالقيام بما يهدد له مصالحه أو مكانته"، ويرتكز على عنصرين حاسمين: الحرب النفسية، أي منع العدو من مجرد التفكير بالفعل، والثاني عسكري، وهو يرتكز على امتلاك القدرة على الردّ بالمثل، أو الانتقام وإيقاع الضرر.

وإذا أردنا أن نقيّم تطور مراحل معادلة الردع اللبنانية مع "اسرائيل" فيمكن أن نوجزها بما يلي:

أولاً - مرحلة طويلة من "التفوق الاسرائيلي"، امتدت الى عقود طويلة، كانت تملك خلالها "اسرائيل" قراري الحرب والسلم. فكانت تتنظر ذريعة أو تخترعها، للدخول الى لبنان واجتياح أراضيه، وبشكل نزهة.

في تلك المرحلة، لعب العنصر النفسي دورًا حاسمًا في معادلة الصراع مع العدو، إذ استطاع أن تخلق في ذهن العرب أن كلفة الاستسلام تبقى أخفّ كلفة من الحرب، لذا حققت "اسرائيل" ما تريد بأقل كلفة عسكرية ممكنة، الى أن أتت حرب تموز عام 2006.



ثانيًا: أدخلت حرب تموز لبنان والمنطقة في مرحلة جديدة، من "التوازن الردعي"مع العدو.أثبت انتصار لبنان في تلك الحرب ومنع اسرائيل من تحقيق أهدافها، وتكبدّها الخسائر المعنوية والعسكرية (بحسب تقرير فينوغراد) الى تبدّل في موازين القوى على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.

لأول مرة في تاريح الصراع تفقد اسرائيل أحد قراري "الحرب - النزهة"، فقد استمر قرار الدخول في الحرب في يدها، لكن قرار الخروج منها لم يعد بيدها بالتأكيد.

بالمقابل، تحققت معادلة الردع بعنصريها النفسي والعسكري، فالقلق النفسي من الحرب لم يعد يسري على اللبنانيين وحدهم بل امتد الى السكان داخل "الكيان الاسرائيلي". وفقد الاسرائيليون القدرة على استخدام وسيلة "الحرب النظيفة"، أي التهديد بالحرب وتحقيق أهدافها حتى من دون خوضها عسكريًا. ولأول مرة في تاريخها، باتت اسرائيل تتمنى الحرب وتخشاها في نفس الوقت.

ثالثًا- منذ حرب تموز ولغاية اليوم وخلال عقد ونيّف من الزمن، عمل الطرفان اللبناني والاسرائيلي على دراسة نتائج الحرب والاستفادة من عِبرها...

خلال هذه الفترة، لعب حزب الله على العامل النفسي لدى الاسرائيليين، فزرع الخوف في نفوس المستوطنين، فبات الاسرائيلي يخاف من "حفيف الشجر، وضربات المعاول..."، وظهر على التفزيونات الاسرائيلية تقارير تفيد بأن المستوطنين قرب لبنان لا ينامون الليل وهم يتخيلون خروج المقاومة من الانفاق الى داخل بيوتهم.

أما العامل العسكري، فقد تطور لصالح المقاومة، بحيث بات الاسرائيليون يعتدون على المقاومة ويهرعون للدول الكبرى للتهدئة وردع اللبنانيين عن الردّ. ولأول مرة، بات بإمكان المقاومة التهديد بـ"أخذ الحرب الى أرض العدو"، والتأكيد على القدرة على ربحها أيضًا.

أما اليوم، وبعد ردّ المقاومة، يمكن القول أن لا أحد معني بالتصعيد، ولن يكون هناك حرب واسعة... ويبقى التساؤل: كيف ستؤثر هذه المغامرة والرد عليها على مستقبل نتنياهو: فإن ردّ بتصعيد عسكري كبير، ستكلّفه الحرب الكثير على الصعيد العسكري والسياسي والبشري والاقتصادي وقد تكلّفه مستقبله السياسي، وإن لم يرد فسيقال في اسرائيل انه ضعيف، لكن يبقى مصير نجاحه في الانتخابات مقبولاً ( قد يربح وقد يخسر)... لذا لن يرد.

2019/08/26

لماذا توسّع اسرائيل عدوانها في المنطقة؟

وسّعت اسرائيل من رقعة الاستهداف لقوى المقاومة في المنطقة، فبعد أن انحصر استهدافها سابقًا في غزة وسوريا لفترة طويلة توسعت رقعة الاستهداف لتصل الى العراق ولبنان.
بالتزامن مع غارات اسرائيلية على منطقة عقربا في سوريا، واستشهاد شابين لبنانين فيها، سقطت طائرة مسيّرة وانفجرت أخرى في الضاحية الجنوبية، كما قامت طائرات مسيّرة باستهداف مواقع الحشد الشعبي على بعد 15 كلم من الحدود العراقية السورية يوم الأحد.
وكان الحشد الشعبي قد تعرض لعدّة عمليات سابقة، قامت خلالها طائرات مسيّرة باستهداف مراكزه، وتفجير مخازن الصواريخ الخاصة به، وقد المح نتنياهو الى مسؤولية اسرائيل عن تك العمليات.
وفي لبنان، لم يتأخر السيد حسن نصر الله في الرد على العدوان "الاسرائيلي" بخطاب حدد فيه استراتيجية حزب الله للرد على العدوان الاسرائيلي، والتي تتجسد في شقين:
- الاول، يتجلى في الرد على العدوان على الضاحية الجنوبية، وذلك بالتعهد باسقاط الطائرات الاسرائيلية المسيّرة التي تخترق الأجواء اللبنانية.
الثاني، الرد على اغتيال كوادر حزب الله في سوريا، والذي سيكون بقتل الجنود الاسرائيليين المرابضين على الحدود مع لبنان، وتوعدهم السيد نصرالله قائلاً "قفوا على قدم ونصف وانتظرونا".
ولا شكّ ان التصعيد الاسرائيلي، وتوسيع جغرافية المواجهات التي انخرط فيها الاسرائيلي مباشرة، تدفع الى التساؤل حول أسباب التصعيد وهل هو مرتبط بالانتخابات الاسرائيلية فقط؟
بداية، لا شكّ ان القادة الاسرائيليين لطالما استخدموا الحروب الخارجية لمصالحهم الانتخابية، ونتنياهو هو من أكثر من استخدم هذه السياسة، واعتماد التهديد الأمني كورقة انتخابية رابحة. ولكن، قد يكون توسيع رقعة الحرب الى لبنان مضرًا أكثر منه مفيدًا لنتنياهو في انتخاباته الداخلية. إذ يدرك الاسرائيلي جيدًا أن الذهاب الى حرب مع حزب الله ليست نزهة، وان التصعيد قد يدحرج الأمور الى مواجهة غير محسوبة النتائج ولا يُعرف مداها، لذا فإنه ليست من مصلحة نتنياهو أن يدفع الى حرب مع لبنان، تكون كلفتها كبيرة مقابل نتائج غير مضمونة.
وعليه، يبدو الاسرائيلي اليوم مدفوعًا الى التصعيد في المنطقة بسبب التطورات الميدانية والسياسية، والتي يرى أنها تشكّل خطرًا على أمنه القومي، وهي تتجلى أولاً في قلب المعادلات في سوريا، والتقدم الميداني لمحور المقاومة من خلال الهجوم الذي يشنّه الجيش السوري وحلفائه على إرهابيي جبهة النصرة، والتقدم العسكري الذي يبدو أنه مستمر بالزخم ذاته حتى تحرير كامل إدلب. وثانيًا، في الترتيبات الأميركية التركية على الحدود الشمالية الشرقة لسوريا، والتي يبدو أنها في نهاية المطاف سوق تقضي على حلم الكونتون الكردي - الذي كانت تدعمه اسرائيل وتعوّل على استثمار نفطه.
من جهة ثانية، إن إطلاق ناقة النفط الايرانية من جبل طارق بدون شروط، بالاضافة الى وجود وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في اجتماع قمة مجموعة السبع، يعطي مؤشرًا قويا الى أن احتواء ايران وإخضاعها يبدو أصعب مما تصوره ترامب ونتنياهو، وإن الاوروبيين سيسعون الى الحفاظ على علاقات جيدة مع إيران بالرغم من كل التحديات.
وهكذا، وإنطلاقًا من كل ما سبق، يبدو الاسرائيلي محرج بالتطورات المتسارعة، وهو يريد أن يرفع من وتيرة هجومه للفت نظر المعنيين، وتهديدهم، بأن أي تسوية في المنطقة لا تأخذ بعين الاعتبار مصالحه وأمنه لن تمر، وأنه سيستمر بالتصعيد حتى لو تدحرجت الأمور لتغيّر مسار الأمور برمتها.

2019/07/29

الاوروبيون: بين بوريس جونسون والمأزق الايراني

بعد انتخاب بوريس جونسون الى رئاسة الوزراء في بريطانيا، بدا ملف ناقلات النفط البريطانية والتوتر مع ايران من ابرز البنود التي على جونسون مواجهتها بالاضافة الى بريكست.

وفي وقت سابق، كان جونسون قد أعلن أنه ضد المواجهة والخيار العسكري في التعامل مع ايران، معتبرًا أن "الدخول في حرب ضد إيران لا يمثل خيارًا مقبولاً، والدبلوماسية لا بد أن تكون أفضل طريقة لإحراز تقدم".

وخلال مناظرة سياسة في إطار انتخابات رئاسة حزب المحافظين الحاكم، قال جونسون: "إذا سُئلت عما إذا كنت سأدعم إجراء عسكريًا ضد إيران حال كوني رئيسا للوزراء، فسوف تكون الإجابة بلا".

وعلى الجانب الايراني، استبقت ايران اجتماع فيينا حول الاتفاق النووي باعلانها أنها ستستأنف العمل في مفاعل آراك للمياه الثقيل، وكان قد سبق ذلك وحتّم الدعوة الملحة الى الاجتماع؛ ازدياد منسوب التوتر في الخليج، خصوصاً بعد قيام الايرانيين باحتجاز ناقلة نفط بريطانية ردًا على قيام بريطانيا باحتجاز ناقلة نفط ايرانية بذريعة أنها ذاهبة الى سوريا، فسارع البريطانيون الى دعوة الاتحاد الاوروبي للمساهمة في تأمين الملاحة في مضيق هرمز وحماية ناقلات النفط ...

وبالرغم من الأجواءالايجابية التي أشيعت بعد الاجتماع، وإعلان الايرانيين حصولهم على الكثير من التعهدات، إلا أن قضية الناقلات بقيت بدون حلّ، وهو ما سيصعّب المهمة على جونسون. ففي إطار تصعيده ضد الاوروبيين في موضوع بريكست وإعلانه أنه سينفذ خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، حتى من دون اتفاق، يبدو جونسون محرجًا اليوم بين القضيتين: هو يريد أن يخرج من الاتحاد الاوروبي حتى بدون اتفاق، ولكنه في الوقت نفسه وفي معرض التوتر المستمر مع ايران، يطلب مساعدة الاوروبيين لتشكيل قوة أوروبية لحماية الملاحة بمضيق هرمز، فكيف يمكن لجونسون أن يوازن بين قوله بأن أوروبا بلا نفع، ثم يطلب مساعدة أوروبية لأن الجيش البريطاني لا يمكنه لوحده حماية السفن في مضيق هرمز؟.

لا شكّ أن ترامب أدخل الجميع في مأزق، خصوصاً الاوربيين الذين يريدون من إيران الالتزام بالاتفاق النووي، لكنهم في الوقت نفسه عاجزين عن تقديم أي بدائل تفيد الاقتصاد الايراني في ظل الضغط الاقتصادي المتصاعد من قبل الادارة الاميركية.

وفي المحصلة، لقد فاجأت إيران الجميع بقدرتها على الصمود كل هذه المدة، ولا شكّ ان التصعيد المدروس الذي تقوم به بات يضغط على الجميع لايجاد حلول... فهل سيقوم الاوروبيون تنفيذ تعهداتهم التي أطلقوها.

في اجتماع فيينا والتي اعتبرها الايرانيون "بناءة"؟.. برأيي الشخصي، لن يفعل الاوروبيون أي شيء ولن يصعّدوا ضد الولايات المتحدة، وسيحاولون تمرير الوقت على أمل أن تنتهي سنة 2020، ويأتي بديل ديمقراطي الى الادارة الاميركية، ويدفع عنهم الاحراج الذي يعانونه على الساحة الدولية

2019/07/22

هل يستمر أردوغان بالتضييق على اللاجئين السوريين؟


تزايدت مؤخرًا الحملات ضد اللاجئين السوريين في تركيا، وقام الاتراك بترحيل المئات من السوريين قسرًا الى إدلب كما أفادت بعض التقارير، خاصة أولئك الذين لا يملكون أوراقًا قانونية.
وبعد أن كان السوريون المعارضون يتغنون بالمعاملة التركية لهم، خاصة في عهد أردوغان، يبدو أن التطورات بدأت تفرض واقعًا جديدًا قد تكون أبرز أسبابه ما يلي:
أولاً: نجاح المعارضة في اكتساح المدن التركية الرئيسية، مكلفة حزب العدالة والتنمية خسارات كبرى لأول مرة منذ عام 2002.
وتشير التقارير الى أن ارتفاع البطالة الى أعلى معدلاتها منذ سنوات، وقد وصل في بداية عام 2019 الى 14,7% وهو أمر يعيده الاتراك الى المزاحمة السورية غير الشرعية للعمال الأتراك.
ولقد تعذّر على حزب العدالة والتنمية الدفاع عن سياسة الابواب المفتوحة للاجئين السوريين خلال الانتخابات البلدية الأخيرة، لذا اضطر ان يقطع وعودًا بترحيل السوريين لطمأنة قواعده الانتخابية، وبالتالي عليه أن يستمر في هذه السياسة خوفًا من تكرار الخسارة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية عام 2023.
ثانيًا: يريد أردوغان من خلال التضييق على السوريين في تركيا، أن يحثّ الاتحاد الاوروبي على الالتزام بتعهداته المالية لتركيا، وكان وزير الداخلية التركي سليمان صويلو قد اتهم الاتحاد الأوروبي بترك تركيا وحيدة في عمليات مواجهة الهجرة غير الشرعية، مهددًا بأنه في حال تخلت تركيا عن وعودها بمكافحة الهجرة غير الشرعية، فإن لن يكون بإمكان أي حكومة أوروبية البقاء في السلطة أكثر من 6 أشهر.
وبالفعل، رضخ الاوروبيون للابتزاز وأقرّت المفوضية الأوروبية في 19 تموز الجاري ما قيمته 1,41 مليار يورو، لدعم اللاجئين في تركيا، ما يرفع مبلغ المساعدات المقدمة حتى الآن من الاتحاد الى تركيا إلى 5,6 مليار يورو.
ثالثًا: ما زال أردوغان يحلم بإقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، وهو يطمح من خلال التضييق على السوريين وتهديد الغرب بأن يقبل الأميركيين وحلف الناتو بالتخلي عن الاكراد لصالح تركيا والمنطقة الآمنة التي يريدها أردوغان، والتي ستشكّل مكانًا يرحّل اليه اللاجئين السوريين فيرتاح من الضغوط الداخلية ويحقق حلمًأ لطالما راوده منذ بدء الأزمة السورية ولغاية اليوم.
في المحصلة، يبدو أن الحملة ضد السوريين في تركيا لن تتوقف بل ستتكثف، إذا ما نظرنا الى الغليان الذي يعانيه الشارع التركي بسبب ما يعتبره تمييزًا لصالح اللاجئين السوريين الذين يعملون ولا يدفعون ضرائب ويدخلون الى المستشفيات مجانًأ وغيرها...وإذا ما أضفنا الى ما سبق، خشية أردوغان من أصدقائه السابقين الذين ينوون الانشقاق، خاصة رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان، اللذين ينويان تأسيس حزبين جديدين، فإن هواجس أردوغان الداخلية، وخوفه من خسارة شخصية أمام وزير الاقتصاد السابق والذي يعود له - كما يقال- الفضل بتحقيق المعجزة الاقتصادية التركية، والذي يمكن أن يشكّل قبولاً لدى القواعد الشعبية كونه كان عضوًا في حزب العدالة والتنمية وسينظر اليه الناخبون باعتباره "المنقذ" من الكوارث الاقتصادية التي يعيشها الاتراك، فإن وضع السوريين في تركيا لن يكون سهلاً.

2019/07/15

هل يبقى لبنان بمنأى عن التوتر العسكري في المنطقة؟


ليلى نقولا
أعاد السيد حسن نصرالله في مقابلته مع قناة المنار، تذكير الاسرائيليين بأن قوة الردع التي امتلكها لبنان باتت كافية ليس فقط لردع اسرائيل عن الهجوم على لبنان، بل إنه وفي اي حرب مقبلة، بات المقاومة قادرة على أن تعيد "اسرائيل" الى العصر الحجري.
منذ حرب تموز 2006، ولغاية اليوم، يستمر بعض اللبنانيين في إنكار القدرة التي حققها لبنان وينكرون الانتصار الذي تمّ تحقيقه، معتبرين أن قوة لبنان تكمن في التخلص من سلاح حزب الله باعتباره "الخاصرة الرخوة" للبنان خاصة في معرض التهديد الاميركي بفرض عقوبات جديدة، والتهديد الاسرائيلي الدائم بالعدوان على لبنان.
من الناحية الاميركية، لا شكّ أن الاشاعات حول نيّة الاميركيين استهداف حلفاء حزب لبنان، مصدرها لبنانيون في واشنطن، وهؤلاء لطالما حاولوا تحريض الادارة الاميركية على التيار الوطني الحر ومؤخرًا على الجيش اللبناني. وقد فشلوا سابقًا وسيفشلون اليوم.
أما بالنسبة لاسرائيل، فإن علم الحروب الحديث وخاصة مفاهيم "الحروب اللامتماثلة"، يؤكد بما لا يقبل الشكّ قدرة حزب الله في ردع اسرائيل ولو كانت تمتلك "اقوى جيش في الشرق الاوسط".  وتنبع مفارقة "الحرب اللامتماثلة" تلك من حقيقة أن المقاومة الشعبية وحركات التحرر ليست ظاهرة عسكرية نظامية صرف، بل هي حركة مدنية بامتياز، حيث يستخدم المقاومون في معظم الأحيان أسلحة ومواد وتكنولوجيات بدائية يشترونها من السوق ويصنعون منها سلاحًا لقتال العدو.
وهكذا، في الحروب اللامتماثلة، حيث يتواجه القوي والضعيف في "نزاع لامتماثل" فان الاستراتيجية والتنظيم وقوة العقيدة القتالية هي التي تحسم المعركة وليس القوة أو التكنولوجيا.
وقد اعترف  الجنرال احتياط  ايال بن رؤوبين:" بأن الجيش الإسرائيلي خلال السنوات الخمس التي سبقت حرب تموز 2006، لم يستطع بناء استراتيجية تشكل ردًا ناجحًا وناجعًا ضد مختلف أنواع وتطورات الحروب..". وأضاف: ان عصر الجيش التقليدي والمهام التقليدية التي تقول للجيش: اذهب، دمر، اقتل، احرق واحتل الأراضي قد انتهى".
إنطلاقًا من كل ما سبق،  وبالرغم من كل التشنج في المنطقة والتهديدات العسكرية والتوترات بين الاميركيين والايرانيين، يمكن للبنانيين أن يناموا مطمئنين من أن اسرائيل باتت مردوعة وبالتالي لن تذهب الى مغامرة عسكرية مع لبنان، أما من ناحية حزب الله، فالواضح أن العقلانية وحسابات الربح والاكلاف، تجعل من الساحة اللبنانية بعيدة عن أي تصعيد في حال حصلت المواجهة العسكرية( مع تأكدينا أن احتمالاتها ضعيفة جدًا )... وهكذا، تكون رسائل السيد نصرالله وسيلة لمنع الحرب وليس لاستجلابها.