في اعتراف واضح بالهزيمة خاصة بعد الخسارات الانتخابية المتكررة التي مني بها حزبها والأحزاب المتحالفة معه، أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنها ستتخلى عن رئاسة الحزب الديمقراطي المسيحي، لكنها ستبقى في منصب "المستشارة" حتى نهاية ولايتها الحالية التي تنتهي عام 2021.
لقد أسهمت سياسات ميركل بتراجع حزبها في الانتخابات المحلية( في منطقة هيسي) حيث لم يستطع الحصول سوى على 27% من الأصوات، متراجعًا 11 نقطة عن عام 2013. كما أثّرت سياسات ميركل على حليفها البافاري الذي خسر الغالبية الانتخابية في بافاريا، لأول مرة منذ عقود.
اللافت أن الناخبين الإلمان يعاقبون ميركل وحزبها وحلفاؤهم ويبتعدون عنهم، علمًا أن السياسات الإقتصادية للمستشارة الإلمانية - وبحسب الخبراء- قد أفادت المواطن الإلماني، والدليل ان معدلات البطالة في إلمانيا ما زالت في تراجع منذ استلام ميركل الحكم بعد أزمة اقتصادية كبرى. وبحسب وكالة العمل الإلمانية، تراجعت نسبة البطالة في إلمانيا خلال شهر أيلول 2018، إلى 5.1 في المئة، لتسجل أدنى مستوياتها منذ توحيد البلاد عام 1990.
إذًا هي سياسة الأبواب المفتوحة التي جعلت ميركل تخسر مستقبلها السياسي، وبسقوط ميركل سوف يتغير وجه أوروبا، على عدّة صعد، أهمها:
- أولاً في الداخل الإلماني: بعد الدرس العميق الذي سوف يستخلصه حزب ميركل بالدرجة الأولى والأحزاب الأاخرى بالدرجة الثانية، سوف يكون من الصعب على أي سياسي إلماني الاستمرار بنفس السياسات القديمة التي انتهجتها ميركل والتي أدّت الى خسارة شعبيتها، بل قد يجنح أكثر صوب اليمين.
وبالرغم من أن ميركل حاولت القيام بتدابير عاجلة لوقف التدهور الحاصل في شعبيتها، وإرتفاع أسهم اليمين في إلمانيا وفي أوروبا، كأن تقوم بعرض الأموال على لبنان والأردن لاستضافة اللاجئين، أو تضغط على دول الاتحاد للقبول بتوزيع اللاجئين، ووافقت على عقد اللقاء الرباعي في اسطنبول وعودتها لتبني الخطاب الروسي الأساسي حول الأزمة وهو "مكافحة الارهاب" ، والابتعاد عن السياسة الاوروبية المعتمدة منذ سبع سنوات حول "إسقاط الأسد".. بالرغم من كل ذلك، إلا أن الأزمات المستفحلة والمشاكل المتفاقمة وأعداد اللاجين الكبيرة كانت أكبر من قدرة الشعب الإلماني على تقبلها.
ثانيًا، على صعيد الإتحاد الأوروبي:
يعاني الإتحاد الاوروبي من مشاكل عديدة ليس أقلها خروج بريطانيا من الإتحاد والمفاوضات الصعبة التي يجريها الاتحاد مع لندن من أجل إيجاد صيغة خروج مقبولة للجميع. إن إضعاف ميركل سوف يؤدي الى إضعاف الاتحاد ككل، وإعطاء زخم أكبر للمتشائمين بمستقبل الاتحاد الاوروبي.
أما بالنسبة لفرنسا، والتي كان لميركل التأثير الأكبر في منع اليمين الفرنسي من الوصول الى الحكم، ووصول إيمانويل ماكرون من خارج الطاقم السياسي التقليدي، فسيكون الأمر مختلفًا نوعًا ما، حيث قد يعود التنافس الفرنسي الالماني على تزعّم أوروبا الى الواجهة.
يعاني ماكرون - كما ميركل- من إنخفاض شعبيته الى أقل من 30% خلاف فترة 18 شهرًأ من تسلمه الحكم، وذلك بسبب غروره وتكبّره، والفضائح التي لاحقته، والأهم فشل الاصلاحات الإقتصادية التي وعد بها، وارتفاع البطالة الى 10%.
إن ماكرون المنتشي بنفسه، سيحاول استغلال ضعف حليفته ميركل ليكرّس نفسه زعيمًا للإتحاد الاوروبي، معوّلاً على الانتخابات البرلمانية الأوروبية التي ستعقد في شهر أيار من سنة 2019. وقد يكون ماكرون قد بدأ يميّز نفسه عن ميركل، وكان الأبلغ في هذا المجال تصريحه الفجّ والذي ردّ فيه على إعلان ميركل أنها قررت تعليق تصدير أسلحة إلى السعودية بعد جريمة قتل خاشقجي، والذي قال فيه إن "الدعوة لوقف بيع السلاح" الى السعودية إثر مقتل الصحافي جمال خاشقجي هي "من باب الديماغوجية البحت".