يتصاعد التوتر بين إيران والإدارة الأميركية الحالية بعدما قام كل من الرئيس الايراني حسن روحاني ونظيره الأميركي دونالد ترامب، بإطلاق التحذيرات والتهديدات المتبادلة، على خلفية محاولة ترامب تطويق إيران ومنعها من بيع نفطها في العالم.
ولعل التصريح الأقوى كان من الرئيس روحاني المعروف بدبلوماسيته واعتداله، حين حذّر ترامب "من اللعب بذيل الأسد لأن ذلك لن يؤدي إلا إلى الندم" وأن على أميركا أن تعلم " أن السلام مع إيران هو السلام الحقيقي والحرب مع إيران هي أم كل الحروب".
واقعيًا، تدرك القيادة الايرانية اليوم أنها في مرحلة ضغوط لم تعانِ مثيلاً لها منذ الاتفاق الذي عقدته مع الدول الكبرى عام 2015، وعليها أن تقوم بهجوم استباقي للتعامل مع تحديات مستجدة أبرزها:
- مشكلة بيع النفط الايراني والتي تريد إدارة الرئيس ترامب منعها من القيام بذلك. لذا يريد الايرانيون منع أي تفكير أميركي بهذا الأمر وهو ما دفع روحاني للتهديد بإغلاق مضيق هرمز معلنًا بأنه إذا لم تستطع ايران تصدير نفطها فلن تستطيع أي دولة خليجية من القيام بذلك. علمًا أن إغلاق مضيق هرمز الذي تمر عبره ما يقارب 30-40% من تجارة النفط العالمية، سيكون كارثيًا على دول الخليج التي لا تملك بدائل متاحة لتصدير النفط، كما سيؤدي الى ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي العالمية الى كارثة في الأسواق العالمية.
- تدرك إيران أن الشركات الإستثمارية الكبرى لن تبقى في السوق الايراني فيما لو تعرضت لتهديد بعقوبات أميركية من جرّاء ذلك، وحتى لو استمر الاتحاد الأوروبي متمسكًا بالاتفاق النووي ووعد بحماية تلك الشركات. وهذا سوف يؤدي الى خسائر اقتصادية للإقتصاد الايراني وستدفع التومان الايراني الى مزيد من الانهيار.
- تعرف إيران جيدًا أن لا مصالح دائمة ولا عداوات دائمة في العلاقات الدولية، وأن على كل دولة أن تحقق مصالحها على حساب الآخرين. وعليه، فإن التوجه الروسي للاتفاق مع الإدارة الأميركية على حلِ سياسي في سوريا، وإعلان الرئيسين بويتن وترامب في هلسنكي إلتزامهما أمن اسرائيل في المنطقة، بالتزامن مع إعلان ترامب استمراره في احتواء ايران ونفوذها في المنطقة، كلها أمور تثير قلقًا لدى القيادة الايرانية التي تدرك جيدًا أن لا شيء يحميها سوى قوتها الذاتية وما حصّلته من قوة عبر تحالفاتها وامتداداتها الإقليمية في المنطقة.
إنطلاقًا من كل ما سبق، تبدو التهديدات الإيرانية النارية التي وجهها كل من خامنئي وروحاني وقادة الحرس الثوري الايراني وغيرهم، رسائل موجهة في اتجاهات عدّة؛
أولها: الى الإدارة الأميركية للقول بأن الحرب مع إيران لن تكون نزهة، ومن يعتقد أن بإمكانه التخلص من الإحراج الداخلي الذي يعيشه بتصدير أزمته الى الخارج، أي بخلق توتر وحرب مع ايران، هو واهم لأن الحرب لن تكون نزهة.
ثانيها: الى الأوروبيين للقول بأن السير وراء الإدارة الأميركية في إحراج إيران والضغط الاقتصادي عليها، لن يمر بسهولة وأن أي محاولة لخنق الاقتصاد الايراني عبر منع تصدير النفط وإلغاء الاستثمارات سوف يدفع ثمنه الاقتصاد العالمي برمته، ومنها الإقصاديات الاوروبية.
ثالثها: الى دول الخليج لتحذيرها من مغبة السير في الخطة الأميركية المعدّة لتطويق إيران وإحتوائها، وأن المركب الخليجي بضفتيه العربية والفارسية سوف يغرق سويًا.
رابعها: الى الداخل الايراني للقول بأن الأمة تتعرض الى حرب خارجية، وحان الأوان لتوحيد الموقف والتكلم بلغة واحدة، تمنع الإدارة الأميركية من استغلال الخلافات الداخلية في السلطة واستثمار الغضب الشعبي على السلطة بسبب الأزمات الإقتصادية والإجتماعية.
وهكذا، هي شهور صعبة تمر بها ايران وتتأثر بها منطقة الشرق الأوسط لغاية تشرين الثاني المقبل، سنشهد خلالها إرسال رسائل متفرقة في أكثر من ساحة، ولكن لا نستغرب إن تدخلت الوساطات الدولية وأدى اشتداد الأزمة وحدّة التصريحات الى إنفراج يصحبه لقاء ترامب روحاني شبيه بلقائه مع زعيم كوريا الشمالية، يغرّد بعدها ترامب واصفًا نظيره الإيراني "بأنه شخص رائع".