د. ليلى نقولا
نشرت وسائل إعلام غربية تقارير حول اتفاق الجنوب السوري،
حيث اعتبرت أن الروس والأميركيين قد اتفقوا على إخراج القوات الإيرانية والقوى الرديفة،
بالإضافة إلى "الميليشيات السورية وغير السورية" من تلك المنطقة، امتثالاً
لخط أحمر "إسرائيلي" كان العدو قد وضعه للقبول بتسوية أوضاع المسلحين الموجودين
على الحدود السورية الجنوبية، على أن يتمّ انتشار الجيش السوري فيها لتأمين الاستقرار
وعودتها إلى حضن الدولة السورية.
هلّل العديد من الصحف لما اعتُبر أنه تبايُن روسي إيراني
في ما يخص الوجود العسكري الإيراني في سورية، خصوصاً بعد تصريح الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين خلال المؤتمر الصحفي الذي تلا الاجتماع مع الرئيس السوري بشار الأسد، وقوله
"في أعقاب النجاحات الملحوظة التي حققها الجيش السوري في محاربة الإرهاب، ومع
تفعيل العملية السياسية، سوف تشرع القوات الأجنبية المتمركزة في سورية في الانسحاب
من البلد"، ثم قام المبعوث الروسي إلى سورية؛ ألكسندر لافرينتييف، بتوضيح ما كان
يقصده بوتين بالقول "إن الرئيس كان يشير إلى كافة القوى العسكرية الأجنبية المتمركزة
في سورية، بما فيها الأميركية، والتركية وحزب الله والقوات الإيرانية".
ولقد استوجبت التصريحات الروسية رداً من الإيرانيين، حيث
اعتبر الإيرانيون على لسان أكثر من مسؤول أن الوجود الإيراني في سورية هو بطلب من الحكومة
الشرعية في دمشق، وأن هذه المساعدة التي تقدّمها إيران للسوريين ستستمر مادام هناك
إرهاب في الداخل السوري، ومادامت الدولة السورية راغبة بذلك.
لعل هذا التباين بين الطرفين أوحى بانتهاء التحالف الاستراتيجي
بين الروس والإيرانيين، وأن الآوان قد حان للاقتتال بين الأطراف الداعمة للنظام في
سورية على تقاسم النفوذ في هذا البلد المنهك بالحرب، فإلى أي مدى تصحّ فعلاً مقولة
انهيار التحالف بين الروس ومحور المقاومة، وبدء عملية الاقتتال بين الطرفين؟
في البداية، لا يمكن إغفال تبايُن المصالح الاستراتيجية الطويلة
الأمد بين كل من الروس والإيرانيين، إذ تتباين المصالح الروسية مع الإيرانية في موضوع
تقاسم وتوسيع النفوذ في المنطقة، كما تتنافس خطوط إمداد الغاز الإيرانية، التي كان
من المفترض مدّها عبر العراق إلى الساحل السوري لتزويد أوروبا بالغاز، مع رغبة الروس
باحتكار إمداد الغاز إلى أوروبا، ورغبتهم بإقامة "السيل التركي" الذي يرفد
أوروبا بالغاز عبر اليونان، ولقد قدّم الروس الكثير من التنازلات لأردوغان في سبيل
التوقيع على خط الغاز هذا، خصوصاً بعدما ربط أردوغان التسريع بمدّ الأنبوب، بموافقة
موسكو على صفقة "أس 400".
أما اليوم، فيستفيد الروس والإيرانيون من تقسيم الأدوار بينهما
خلال فترة التفاوض مع الأميركيين و"الإسرائيليين"، فالروس يطلبون خروج جميع
القوات الأجنبية من الجنوب السوري، بينما يرفض الإيرانيون تقديم "هدية مجانية"
للأميركييين و"الإسرائيليين"، ويصرّون على مطلب انسحاب الأميركيين من التنف،
مقابل ابتعادهم عن الحدود الجنوبية السورية (وهو ما أيّده الوزير المعلم في مؤتمره
الصحفي).
إن التنصُّل الروسي من الموقف الإيراني، والدعوة الروسية
العلنية لانسحاب الإيرانيين وحزب الله وباقي الميليشيات من الجنوب السوري، يمكن أن
يخفف الضغوط التي يمكن أن يمارسها الأميركيون على الروس لتنفيذ التزاماتهم السابقة
في اتفاق الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب نهاية العام الماضي.
وفي حال تمّت التسوية على هذا الأساس، يكون "اتفاق الجنوب"
قد حقق مكاسب متعددة للدولة السورية، أهمها سيطرتها على المنطقة الواقعة في الجنوب،
وفتح معبر نصيب الحدودي، وتفكيك قاعدة التنف، التي تقع في مثلث استراتيجي هام على تقاطع
الحدود العراقية - السورية - الأردنية، والتي شكّلت لفترة طويلة عامل ضغط عسكري يهدد
البادية السورية.
في النتيجة، لم تنتهِ الحرب بعد، ولا تستطيع روسيا إعلان
انتصارها وبسط نفوذها في سورية، ولم يستتب الأمر للقوى التي تريد التنافس على النفوذ
وعقود إعادة الإعمار.. لذا، من المبكّر القول بافتراق أطراف الحلف الداعم للدولة السورية،
وهذا يعني أن كل ما يحصل، سواء كان تقاسماً للأدوار، أو تعنُّتاً إيرانياً - سورياً
بضرورة تفكيك القاعدة الأميركية في التنف، فهو يصبّ في مصلحة السوريين أولاً وأخيراً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق