نُشر هذا المقال في 14 آذار على موقع الميادين
يميّز الباحثون اليوم بين ارهاب جديد وارهاب قديم، وتشير بعض الدراسات حول الارهاب الى بدايات تشكّل فكرة "الجديد" في مفهوم الإرهاب، الى أوائل التّسعينيات وخاصّة بعد الهجوم على مركز التّجارة العالمي في نيويورك شباط من العام 1993، وهجوم غاز السّارين في مترو الأنفاق في طوكيو عام 1995، ثم أكد هذا المفهوم الجديد نفسه بعد أحداث 11 أيلول 2001، بينما تشير دراسات أخرى الى أن المفهوم يعود الى العام 1986، حين نشرت إحدى المجلات الكندية مقالاً بعنوان ""الوجه الخطِر للإرهاب الجديد"، وعرّفته بأنه حرب ضد الغرب من قبل شرق أوسطيين، مدربين تدريبًا جيدًا، معبأين، وينتمون الى "الأصولية الاسلامية".
وهكذا، نجد أن مؤيدي مفهوم "الارهاب الجديد"، يعتمدون على مؤشرات عدّة للتمييز بين قديم وجديد، أبرزها:
- الدافع الديني باعتباره السمّة المميزة للنوع الجديد، ويشيرون تحديدًا الى الإسلام الرّاديكالي، على أساس أنّ الإرهاب القديم كان يهدف الى تحقيق أهداف سياسية وليست دينية.
- السيطرة على الأرض، فالارهاب القديم لم يكن يهدف أو يستطيع السيطرة على الأرض بل جلّ ما كان يريده هو التأثير على السلطة السياسية عبر الصدمة والترويع، ويشيرون في هذا الإطار الى سيطرة داعش على أجزاء كبرى من العراق وسوريا، وسيطرة طالبان على أفغانستان، كتأكيد على هدف الحكم و"تأسيس الخلافة" بالنسبة للإرهاب الجديد.
- استخدام وسائل أكثر فتكًا وأشدّ ترويعًا من المجموعات التقليدية، فالارهابي "الجديد" يهدف إلى تدمير المجتمع والقضاء على أعداد كبيرة من السكّان"، في حين كان الإرهابي التقليدي يكتفي بانتقاء أهدافٍ محددة يختارها بدقة لإحداث تأثير على صانع القرار أو لدفعه الى تغيير سياساته. إذًا، الارهابي الجديد يستخدم القتل للقتل أي كغاية بحد ذاته وليس كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية، بحسب رأي بعض الباحثين.
- التمويل، فقد كان الإرهاب التقليدي يتلقى دعمًا من مصادر ودول راعية، بينما بات اليوم يؤمّن دخلاً مستقلاً من تجارة الأسلحة والاتجار بالبشر، وتجارة النفط والقيام بالاستثمارات التجارية، بالاضافة الى سهولة تلقي أموال التبرعات من متبرعين أفراد بعد انفتاح الأسواق المالية وتطور وسائل نقل الأموال.
وفي تحليل لما سبق، نجد ان عبارة "الارهاب الجديد" الذي يحاول الغرب إطلاقها للتمييز بين الحركات المصنّفة "ارهابية" قديمًا بحسب المصطلح الغربي - والتي كان جزء منها حركات التحرر الوطني من الاستعمار (كالجزائر مثلاً) - وبين الحركات الارهابية كالقاعدة وداعش وغيرها والتي يدخل تصنيفها ضمن "الحرب على الارهاب" لتشريعها، ونلاحظ ما يلي:
إن القول أن العامل الديني اليوم هو جديد بالنسبة للدوافع الارهابية، إنما يغفل قيام العصابات الصهيونية في منتصف القرن العشرين باستخدام الذرائع الدينية لترويع الفلسطينيين وتهجيرهم من إرضهم وقراهم عبر ممارسة الإرهاب والقتل وحرق البيوت، وفي ذلك مزاوجة واستخدام الدين لتغطية الإرهاب، تمامًا كما تفعل مجموعات القاعدة وداعش وغيرها اليوم.
أضف الى ذلك، الى أن العصابات الصهيونية استطاعت أن تسيطر على العديد من الجغرافيا الفلسطينية وأمنّت للدولة الاسرائيلية التي أنشئت فيما بعد (بعد قرار التقسيم 1948)، مساحة واسعة من الأراضي لم تكن لتسيطر عليها لو لم تقم تلك العصابات بممارسة الإرهاب على السكان المحليين للسيطرة على أراضيهم بالقوة.
وفي ما خصّ التمويل والدعم، فقد استطاعت تلك العصابات أن تتلقى دعمًا من حكومات (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وغيرها) ومن متمولين يهود عبر العالم، استطاعت التأثير عليهم عبر مؤثرات ثقافية دينية ورفع شعارات "المظلومية اليهودية" التي تحتاج الى دعمٍ بشتى الأشكال والوسائل لرفع الغبن والظلم عن مجموعات اليهود المنتشرة في العالم وجلبها الى فلسطين.
أما الإدعاء أن الدافع للقتل والترويع هو مجرد القتل فيبدو أمرًا تبسيطيًا، فارهابيو القرن الحادي والعشرين يهدفون من خلال المجازر ونشر صور وفيديوهات القتل والاغتصاب والسبي، تهجير السكان وإشاعة الصدمة والترويع لإدخالهم في مرحلة "الانهيار الإدراكي" الذي يدفع السكان الى عدم المقاومة والفرار للسيطرة على الأرض بدون قتال، وهو بالضبط ما فعلته العصابات الصهيونية في القرى الفلسطينية حيث كانت أخبار القتل والحرق والتدمير تسبق الارهابيين الى القرى والبلدات، لدفعهم الى النزوح الجماعي والفرار من أمام آلة القتل الصهيونية القادمة.
في النتيجة، لا يبدو أي جديدٍ في إرهاب القاعدة وداعش، بل هو صورة جديدة عن إرهاب مورس على الفلسطينيين في منتصف القرن العشرين وتمت تغطيته دوليًا بذرائع دينية واخلاقية. كل ما هو جديد في التمييز بين الارهاب القديم والجديد، هو تطور وسائل التكنولوجيا والاتصالات، بحيث بات صور القتل تنتشر على وسائل التواصل بينما كانت العصابات الصهيونية تبثها عبر وسائل بدائية "من فم لإذن" أو عبر وسائل الاعلام التقليدية المتوفرة من راديو وتلفزيون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق