د. ليلى نقولا
يقوم وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بزيارة لتركيا تستمر يومين، في وقت تعاني فيه العلاقات التركية الأميركية توترًا غير مسبوق، وقد لا يكون مبالغًا به، وصف العلاقة التركية الأميركية اليوم بأنها في أسوأ وضع لها منذ عام 1974، أي منذ الأزمة القبرصية، وخاصة أنه لا يبدو أن الأميركيين بصدد التراجع عما يقومون به في سوريا لإحتواء الغضب التركي في ظل تصعيد لفظي أردوغاني يومي، وتهديدات باستهداف القوات الأميركية الداعمة للأكراد في سوريا.
واللافت أن الولايات المتحدة اليوم وبعدما حاولت إفشال مؤتمر سوتشي حول سوريا بشتى الوسائل، انتقلت الى التصعيد الميداني على الأرض لفرض خطوط حمراء على جميع اللاعبين، في مؤشر واضح الى أن عهد "القيادة من الخلف" التي أعلنتها إدارة أوباما قد انتهت. ففي وقت متسارع وقصير زمنيًا، شنّ التحالف الدولي غارات على قوات حليفة للجيش السوري من العشائر العربية، بعدما اتهمها الأميركيون بمحاولة التقدم الى مناطق تسيطر عليها مجموعات من "قوات سوريا الديمقراطية"، وشنّ الجيش الاسرائيلي ضربات جوية على أهداف في سوريا، قامت بعدها الدفاعات السورية بإسقاط طائرة أف 16، منهية عهد السكوت على العدوان الاسرائيلي المستمر على السيادة السورية.
ولعل السياق الذي تجري فيه العمليات العسكرية الأميركية في سوريا، تشير الى مخاطر كبيرة على وحدة الأراضي السورية في أكثر من بقعة جغرافية وأهمها في الشمال والجنوب، والهدف: النفط والمياه.
في الشمال: تجري محاولة عزل الجغرافيا السورية الواقعة على شمال وشرق نهر الفرات عن باقي الجغرافيا السورية كليًا وتفريغها من المكوّن العربي أو على الأقل عدم السماح للعرب السوريين النازحين بالعودة مما يعطي الأرجحية للمكون الكردي. ولقد كان واضحًا وجود خطة تهجيرية متعمدة تهدف الى تغيير ديمغرافي وإفراغ الأرض من خلال قيام التحالف بتدمير جميع الجسور على نهر الفرات بحجة قتال داعش، ثم إغراق الجسر العائم الذي أقامه الروس والذي سمح بعودة سريعة للنازحين الى دير الزور وانتقال المساعدات الانسانية عبره. وقد اتهمت وزارة الدفاع الروسية الاميركيين بإغراق الجسر، إذ ارتفعت مياه نهر الفرات بشكل حاد في 6 شباط 2018، على الرغم من عدم وجود أمطار غزيرة في المنطقة، وارتفع منسوب المياه على طول النهر فجأة إلى عدة أمتار، وزادت سرعة جريان مياه النهر بمقدار الضعفين، وفي اليوم التالي انهار الجسر المركب.
وهذا يخدم بالأساس، خطة السيطرة على حقول النفط الكبرى، فيتم تبادل المنافع بين الكرد والأميركيين؛ اعلان دويلة وحماية عسكرية مقابل سيطرة نفطية وتحكّم بمياه الفرات، وذلك لأن المنطقة تحتوي على أهم مصادر الغاز والنفط السوريين، بالاضافة الى أكبر السدود السورية "سد الطبقة"، والذي يؤمن الطاقة الكهربائية للعديد من المناطق.
وفي الشمال أيضًا، فإن الأراضي التي يسيطر عليها الأتراك وتلك التي يعدون بـ "تحريرها من المجموعات الكردية، لإعادتها الى سكانها الأصليين"، يُخشى أن تتعرض للتتريك، خاصة وأن عبارة "السكان الأصليين" بالنسبة لأردوغان قد لا تعني السوريين بل الأتراك العثمانيين، وذلك انطلاقًا من ايمانه أن كل البلاد العربية وصولاً حتى اليمن وليبيا هي أراضٍ خسرتها تركيا منذ مئة عام فقط. ولعل رفع العلم التركي على المؤسسات الرسمية في تلك المناطق وتعليم اللغة التركية، يؤشر الى نوايا أردوغان الحقيقية في الشمال السوري.
أما في الجنوب، فيكمن الخطر في الطمع الاسرائيلي في حوض اليرموك من ضمن طمعه الدائم بالمياه العذبة، فبعدما تعذّر قضم المناطق اللبنانية حتى الليطاني، تطمح اسرائيل الى استغلال وجود داعش في تلك المنطقة، للسيطرة على الحوض، وذلك من ضمن الخطط الاسرائيلية لتحقيق الأمن المائي والذي يعتبر جزءًأ لا يتجزأ من الأمن القومي الاسرائيلي.
وهكذا، نستنتج أنه بالرغم من التقدم الميداني الواسع الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه، إلا أن ثروات سورية الطبيعية ما زالت تحت خطر المشاريع الدولية للسيطرة والتحكم، باعتبار أن من يتحكم بمصادر الطاقة والمياه، سيمتلك أرجحية تفاوضية في أي مفاوضات حول مستقبل سوريا، وقد تكون الخطة السورية الحالية هي الانتهاء من تهديد العاصمة والمدن الرئيسية وترك تلك المناطق لمرحلة لاحقة وخاصة أن التجارب التاريخية تشير الى عدم تشبث الأميركيين في أي أرض تشهد مقاومة ضد وجودهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق