تشير المعلومات القادمة من الميدان السوري إلى تقدّم
حثيث للجيش السوري وحلفائه في المناطق التي تسيطر عليها جبهة النصرة ومن يتحالف معها
من المجموعات المسلحة التي رفضت الانخراط في الحل السياسي أو ما يُطلَق عليه إسم مسار
أستانة. وهذا التقدّم والحسم الميداني، في ما لو استمر على هذا المنوال، يدفع إلى الاعتقاد
أن عام 2018 قد يشهد تباشير الحل السياسي السوري.
وبدء مسار الحلّ السياسي الفعلي، يعني أن ملف النازحين
السوريين سيكون على الأرجح موضوع تجاذب لبناني لبناني، أو لبناني دولي، إذ لطالما علت
أصوات من هنا وهناك من المستفيدين من الأزمة السورية سياسياً ومالياً وعسكرياً، تربط
حلّ موضوع النازحين السوريين بالحل النهائي الشامل للأزمة السورية، وكلنا يذكر الطرح
الذي تضمّنه خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأمم المتحدة والذي دعا فيه إلى
توطين اللاجئين السوريين في دول الجوار السوري وفي أماكن لجوئهم، وهذا إن دلّ على شيء،
إنما يدل على أن موضوع عودة اللاجئين المؤجّل اليوم، سيظهر إلى الواجهة من ضمن صراع
المحاور المُتقاتِلة في المنطقة، مع بدء مسار الحل السياسي الفعلي.
إنسانياً وسياسياً وأمنياً، على الدولة اللبنانية الدفع
لبتّ هذا الملف ما أن يتقدّم الحلّ السياسي في سوريا، إذ أن إبقاء اللاجئين مادة للسِجال
والابتزاز السياسي، سيدفع إلى مزيد من المشاكل بين هؤلاء والمجتمعات المُضيفة، إذ يتمركز
معظم النازحين في المناطق اللبنانية الأكثر فقراً كالبقاع وعكار، والتي تعاني أساساً
من الفقر وندرة الموارد والبطالة وغياب الخدمات التنموية الأساسية.
ومؤخراً، نشرت الأمم المتحدة تقريراً يفيد بتردّي حال
اللاجئين السوريين في لبنان الاقتصادية والاجتماعية، وأن أكثر من نصفهم (58%) يعيشون
في فقر مُدقع، بينما يعيش أكثر من ثلاثة أرباعهم (75%) تحت خط الفقر، بزيادة 5% عن
السنة السابقة. وهذه المؤشّرات بالإضافة إلى انعدام الأمن الغذائي والبطالة والظروف
المعيشية الصعبة التي يعيشها اللاجئون منذ سنوات، والتي ساهمت في تفشّي ظواهر الاتّجار
بالبشر، وشبكات الجريمة والالتحاق بالإرهابيين وغيرها، تجعل من عودتهم الى بلادهم أمراً
واجباً للحفاظ على كرامتهم ومستقبل أطفالهم.
وبحسب الصليب الأحمر الدولي، أعرب 80% من اللاجئين السوريين
عن رغبتهم بالعودة إلى بلادهم إذا ما توافرت الظروف لذلك، ما يعني أن هناك أهدافاً
تُرتجى من الضغوط السياسية والدولية التي تريد بقاءهم في لبنان ودول الجوار، ولعلّ
أبرزها وأخطرها ما يلي:
- تفكيك
وحدة نسيج المجتمع السوري، وإبقاء خطاب العنصرية والكراهية قائماً، وإبقاء الشرخ المجتمعي
إلى ما لا نهاية لكي لا تستطيع سوريا استخدام خزّانها البشري الأساسي في النهوض مجدّداً.
- محاولة
إبقاء النازحين في مواقعهم خارج سوريا للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية
التي ستجرى كنتيجة للاتفاق على الدستور والانتخابات التي سيفرزها الحل السياسي، وذلك
من خلال الضغط عليهم سواء بالمساعدات أو بالإقامات أو غيرها.
- محاولة
الضغط على لبنان وعلى حزب الله لتقديم تنازلات، وفي هذا الإطار نذكر ما قاله أحد الكوادر
في أحد الأحزاب التابعة لقوى 14 آذار، من أن النازحين السوريين يجب أن يبقوا في لبنان
إلى أن تتم المُقايضة: السماح بعودتهم مقابل عودة حزب الله إلى لبنان.
- إعادة
إنتاج أكثريات وأقليات طائفية معبّأة ومجيّشة طائفياً تنتشر على مساحة الوطن العربي،
وتعاني من الفقر والتهميش، لكي تكون أرضاً خصبة للتطرّف والتجنيد من قِبَل جهات خارجية.
- إبقاء
المخيمات العشوائية المنتشرة في لبنان بحيث يسهل الضغط على لبنان أمنياً واقتصادياً
كلما احتاجت بعض الدول لذلك.
في المحصّلة، إن عام 2018 سيشهد بدء مسار الحل السياسي
السوري، لكن لا حلّ يُرتجى ولا إعادة إعمار ونهوض حقيقية في ظل وجود خُمس السكان السوريين
خارج منازلهم وأراضيهم، يعيشون ظروفاً معيشية صعبة، لذا على الدولة السورية، وما أن
تنتهي من الملف العسكري ومكافحة الإرهاب، أن تجعل هذا الموضوع أولى أولوياتها، فتعقد
المُصالحات وتعطي الضمانات وتقدّم المساعدات لعودة كريمة لمواطنيها إلى أراضيهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق