2017/11/30

التسوية السورية: هل يسلّم الأميركيون لثلاثي أستانة؟

ليلى نقولا
تقترب نهاية "داعش" في سورية والعراق، وباتت المعركة على الكيلومترات المتبقية من مساحة الجغرافية السورية والعراقية، خصوصاً في المناطق الممتدّة على الحدود الموازية للمنطقة التي يسيطر عليها الأكراد.

وتشير التقارير من الشمال الشرقي السوري أن قوات سورية الديمقراطية  "قسد" تقدّمت بسرعة نحو الحدود العراقية- السورية قرب البوكمال، وشكّلت نوعاً من الحزام العسكري الذي يقطع بين الجيش السوري و"داعش" في الصحراء الممتدة قرب الحدود العراقية، فيما يبدو أنه نتيجة تفاهمات أدّت إلى انسحاب"داعش"وتسليم مناطقها للقوات الكردية.

وبعد انتهاء "داعش"، هل فعلاً ستسلك التسوية مسارها الطبيعي في سورية؟ وهل سيستطيع لقاء القمة في سوتشي (روسيا وإيران وتركيا) فرض تصوُّرهم للحل على الولايات المتحدة؟

يبدو أن الولايات المتحدة ليست بوارد التسليم بسهولة في سورية، بل يبدو من مسار المعارك في البوكمال والتشويش الأميركي على اتصالات الجيش السوري وحلفائه المقاتلة على جبهة البوكمال ضد"داعش"، كما التحشيد الذي يقوم به الأميركيون وتوسيع قواعدهم العسكرية مؤخراً في الشمال السوري، وزيادة أعداد الجنود الأميركيين في المناطق السورية .. كل ذلك يشير إلى أن الاستراتيجية الأميركية المستقبلية في سورية ستكون سياسة وضع خطوط حمراء أمام تقدُّم الجيش السوري لتحرير المناطق التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية.

منذ بداية الهجوم السوري والزحف نحو البوكمال، تحسّست الولايات المتحدة الأميركية خطورة إعادة فتح معبر القائم –البوكمال على استراتيجتها لاحتواء نفوذ إيران الإقليمي، وقطع التواصل الجغرافي بين العراق وسورية، وتتابُعاً قطع الخط الذي يصل طهران ببيروت.

وفعلياً تسيطر الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها على    الحصة الأكبر من معابر الحدود بين سورية والعراق؛ فمعبر اليعربية (سورية) - الربيعة (العراق) يسيطر عليه المقاتلون الأكراد، كذلك معبر سيملكا – فيشخابور الاستراتيجي، والذي يقع على مثلّث بين سورية والعراق وتركيا، وقد حاولت القوات العراقية السيطرة عليه بعد الاستفتاء الكردي واستردادها للمناطق التي كان الأكراد قد استغلوا انفلات الوضع الأمني للتوسع فيها، لكنّ الأميركيين دعموا موقف الأكراد في منع القوات العراقية من استعادة السيطرة عليه، وهذا ماحصل، فبقي الأكراد يسيطرون على هذا المعبر من الجهتين العراقية والسورية.

كما يسيطر الأميركيون على معبر التنف-الوليد، ويقيمون قاعدة عسكرية هامة، ويبقى المعبر الرسمي الوحيد الذي يسيطر عليه الجيش السوري هو معبر القائم –البوكمال الذي تمّ تحريره من "داعش"مؤخراً.

وهكذا، يبدو أن الأميركيين ليسوا بوارد الانسحاب، بل هم بصدد التحضير للقتال ومنع الجيش السوري وحلفائه من الاقتراب وتحقيق مزيد من المكاسب الميدانية، وقدي تجلى الهدف الأميركي في أحدأمرين: إما إبقاء الوجود العسكري الأميركي إلى مالا نهاية في سورية، أو استعمال المناطق الكردية كورقة تفاوضية تستطيع من خلالها الولايات المتحدة فرض مسار تسوية سياسية سورية ترضيها وتحقق لها مصالحها على المدنيين المتوسط والطويل.

لتحقيق الهدف الأول، يحتاج الأميركيون إلى إبقاء جزء من الجغرافية السورية خارج سيادة الدولة السورية أي إنشاء كونتون كردي مستقل يوقّع معه  اتفاقية عسكرية تسمح ببقاء قواتهم وقواعدهم فيه، وهذا أمر يصعب تحقيقه، خصوصاً في ظل الرفض التركي والإيراني والعراقي والسوري لهذا الخيار، وعدم استعداد الأميركيين للتضحية بالحليف التركي ودفعه إلى أحضان روسيا،لما في ذلك من إضرار بمصالح الولايات المتحدة في كل من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

ويبقى الهدف الثاني الأقرب للواقع،إذ يمكن للأميركيين منع أي جهة عسكرية من الاقتراب من الحدود التي يسيطرعليها حلفاؤها،من خلال التهديد باستعمال القوة،وتحقيق الردع من خلال استعراض يومي للقوة، خصوصاً بعدما كان الإيرانيون قد أعلنوا أن المعركة المقبلة بعد الانتهاء من "داعش" ستكون التوجُّه لتحرير الرقة، وهكذا فإن إبقاء جزء من الجغرافية السورية بيد الأميركيين – أقلّه في الوقت الراهن – سيعرقل قدرة الدول الراعية لأستانة (روسيا وتركيا وإيران) من الانفراد بصياغة الحل السياسي، وسيعطي الأميركيين قوة تفاوضية هامة للمشاركة في رسم مستقبل سورية والمنطقة.

وما يعزز الخيار الثاني، أن الأكراد السوريين يُدركون أنهم محكومون بالجغرافيا؛ تماماً كما أكراد العراق، الذين دفعوا غالياً ثمن الاستفتاء ومحاولة الانفصال، كما هم محكومون بعدم قدرة الولايات المتحدة على إغضاب الحليف التركي، مايعني عدم قدرتهم على استعداء الروس، إذ جلّ مايمكنهم الوصول له بعد انبلاج الأزمة في سورية هوالحصول على بعض الاستقلالية عبر اللامركزية الإدارية الموسَّعة التي يطرحها الروس في الدستور السوري الجديد.

2017/11/29

مقابلة حول نجاح أو فشل التسوية السورية في جنيف

التعامل مع اسرائيل: كيف سقطت المحرمات؟



ليلى نقولا
جاء اعتقال القوى الأمنية اللبنانية لناشطة فلسطينية وممثل لبناني بتهمة التعامل مع اسرائيل، لتلقي الضوء والتساؤلات على مدى وحجم الاختراق الاسرائيلي للمجتمعات العربية خاصة تلك المحيطة بها أو ما يسمى دول الطوق، ولعل التفاعل مع قضيتهما وقبلهما المخرج زياد الدويري الذي عاش في اسائيل وتواصل مع السلطات الاسرائيلية لتصوير فيلمه؛ لتكشف عمق انقسام مجتمعاتنا على ذاتها ومدى كره الذات الذي نعيشه في موضوع التعامل مع اسرائيل بدليل خروج بعض الشخصيات السياسية والاعلامية للدفاع والتشكيك، واعتبار الأمر يستحق جائزة كما في حالة زياد الدويري.
الأكيد أن التجسس وتجنيد العملاء ظاهرة قديمة جدًا لطالما استخدمتها الدول لاختراق أسرار الدول والمجتمعات الأخرى، فلا يقتصر عمل الجواسيس على اختراق الأسرار العسكرية والأمنية بل أيضًا يطال المجالات الدبلوماسية وكافة مجالات العلوم والتكنولوجيا والاختراعات وغيرها من دعائم اقتصاديات الدول. وهذا يعني أن مهمة الجاسوسية لا تقتصر على أوقات الحرب فقط بل تكتسب أهميتها أيضًا في أوقات السلم، ولا تكون موجهة الى الإعداء فحسب بل تطال الأصدقاء أيضًا، وهذا ما كشفته قضية الجاسوس الاسرائيلي جوناثان بولارد الذي كان عاملاً في البحرية الأميركية وتمّ اتهامه بتسريب المعلومات لإسرائيل عام 1985، وصدر بحقه حكم بالسجن لمدى الحياة عام 1987، كما فضيحة التنصت الأميركي على المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل خلال عهد أوباما وغيرها.
أما بالنسبة لاسرائيل، فتشير الدراسات أن نشأة الإستخبارات الإسرائيليّة سبقت نشوء الكيان الإسرائيلي بكثير، ففي عام 1914، أنشئت أول منظمة استخبارية اسرائيلية باسم "يلي" لجمع المعلومات عن القوات التركيّة والألمانية، وقد نجحت في سرقة أسرار غـاز "الخردل" وبعض الأسلحة الألمانيَّة الحديثة ونقلها إلى بريطانيا.
ومع تأسيس الدولة، أنشأت اسرائيل مجموعة من الأجهزة الاستخبارية كان أشهرها عالميًا جهاز الموساد الذي أنشئ عام 1951 بقرار من دايفد بن غوريون.

إذًا لقد حاولت دائمًا اسرائيل اختراق الدول العربية وتجنيد العملاء، وتطورت وسائلها بعد اجتياح لبنان الى تأسيس جيش من العملاء (جيش لحد) يعمل لصالحها وينفذ الاعمال القذرة والتعذيب وملاحقة الوطنيين والمقاومين.
لطالما إعتُبر التعامل مع اسرائيل عملاً مشينًا ملاصقًا للخيانة العظمى، وكانت النظرة الاجتماعية تنظر للعلاقة مع اسرائيل باعتبارها عملاً منبوذًا ومدانًا حتى لو لم تكن علاقة تجسسية الطابع، الى أن بدأت الحرب في سوريا، وتوالى سقوط المحرمات وباتت المجاهرة بالصداقة مع الاسرائيليين وطلب ودّهم لا تثير أي نوعٍ من عقدة الذنب أو الشعور بالخطيئة.
ويمكن لنا أن نذكر في هذا الإطار العديد من الشواهد على سبيل المثال لا الحصر:

- مجاهرة العديد من رموز المعارضة السورية بزيارة اسرائيل والمشاركة في مؤتمر هرتسيليا، والظهور على وسائل الاعلام الاسرائيلية، ومحاولات إغراء الاسرائيليين بمبادرات تُسقط حق السوريين في الجولان المحتل، كمبادرة "الجولان المحتل" التي أطلقها بعض المعارضين في المانيا، أو الدعوات التي أطلقت من البعض الآخر لإقامة  "منطقة آمنة في الجنوب السوري" تسيطر عليها اسرائيل وتحظّر الطيران فيها.

- الاختراق الذي حصل في حاسوب مدير في مكتب نتنياهو، والذي كشف عن علاقات واسعة مع سوريين ولبنانيين قدموا معلومات سرية في الملف السوري وغيره.

- بعد انقلاب موازين القوى الميدانية لصالح الجيش السوري، أطلقت بعض المجموعات المعارضة على الانترنت وبكل جرأة، دعوات لاسرائيل "لمساعدتهم في إسقاط النظام" وانقاذ المعارضة من الهزيمة.

- اللقاءات الاسرائيلية مع السعوديين في واشنطن والتي جاهر بها الطرف السعودي واعتبرها أمرًا طبيعيًا في ظل عداء الطرفان لايران. ثم زيارة أنور عشقي لإسرائيل على رأس وفد من الأكاديميين ورجال الأعمال السعوديين والذي اعتبرت من قبل الصحافة الاسرائيلية "إنجازًا كبيرًا” لنتنياهو.

- أثبتت قضية المخرج اللبناني زياد الدويري - والذي زار تل أبيب لتصوير فيلم - أن هناك جمهورًا لبنانيًا وشخصيات سياسية وعامة - من خارج فئة المتعاملين السابقين مع اسرائيل خلال الحرب الاهلية - لم يعد يعتبر التواصل مع اسرائيل أو إقامة علاقات مع الاسرائيليين أمرًا مثيرًا للاستغراب أو الاستهجان بل أمرًا طبيعيًا بحجة الانفتاح والثقافة علمًا أن القانون اللبناني كان واضحًا في تجريم "أي اتصال بالعدو أو دخول أراضيه".

وهكذا، سقطت المحرمات في الوعي العربي، واستطاعت اسرائيل التسلل من بوابة الخراب الذي حلّ في العالم العربي بعد العام 2011 لكيّ الوعي العربي، والتأسيس لخلق قناعات جديدة تنحرف عن الهدف الأصلي باسترداد الحقوق المسلوبة وتقزّيم القضية المركزية لتصبح كل مطالبة بعدم التطبيع نوعًا من اللغة الخشبية المنبوذة، وقد بدأ ذلك بعدما نجح الاسرائيليون بتحويل وجهة الصراع من عربي اسرائيلي الى صراع عربي فارسي  وسنّي شيعي، حتى اختلطت في وعي بعض الفئات مفاهيم العدو والصديق والمقاومة والارهاب.



2017/11/20

تركيا والناتو: هل حان أوان الطلاق؟


ليلى نقولا
في سابقة هي الأولى من نوعها مع دولة حليفة وعضو في حلف الناتو، وجّه الحلف إهانة الى تركيا بوضع صورة مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك من ضمن لوائح التصويب الناري، بالاضافة الى خلق حساب وهمي باسم اردوغان في برنامج محادثة ضمن دروس المحاكاة، وذلك للتدريب على "إقامة علاقات مع قادة دول عدوة والتعاون معها". وبالرغم من إعتذار الناتو عن الحادثتين، قرر أردوغان سحب مشاركة الاتراك في تلك المناورات التي عقدت في النرويج.
لطالما اعتبرت تركيا من الركائز الهامة في استراتيجيات حلف الناتو منذ تأسيسه، فقد انضمت تركيا الى الحلف في 18 شباط 1952 ولعبت خلال الحرب الباردة دورًا هامًا في سياسة "الإحتواء" التي قررتها الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفياتي. وبعد أحداث 11 أيلول 2001، ساعدت الجغرافية التركية المشرفة على آسيا الوسطى، والروابط التي تربط تركيا مع مجموعة الناطقين باللغة التركية في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، بزيادة أهمية تركيا في ميزان استراتيجيات الحلف الاطلسي، واستمر الحال على ما هو عليه الى أن حصلت الحرب في سوريا، فاعتمد الأميركيون والاوروبيون على تركيا في بادئ الأمر لتطبيق سياساتهم الرامية الى الاطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، الى أن تبدلت الظروف الميدانية بدخول الروس الى الساحة السورية وفشل الأتراك في إسقاط الأسد، وظهور التباينات في الاستراتيجيات الأميركية والتركية في المنطقة.
يومًا بعد يوم، تكبر الفجوة في علاقات حلف الناتو وتركيا، ولعل أبرز الأمور التي تجعل العلاقات بين الطرفين في أسوأ ظروفها اليوم هي ما يلي:
- اعلان تركيا نيتها شراء منظومة دفاع "أس 400" من الروس، ولقد برر الأتراك هذا الأمر بحاجتهم الى سدّ "الفجوة العسكرية" وتعزيز قدراتهم الدفاعية في ظل تقاعس الناتو عن منحهم منظومة دفاع جوي، وخاصة بعد إقدام كل من ألمانيا وواشنطن على سحب بطاريات صواريخ الباتريوت من الأراضي التركية في ظل أزمة إسقاط الطائرة الروسية في الأراضي السورية. ولقد أعلنت تركيا عن هدف استراتيجي عسكري يتجلى في تصنيع منظومة خاصة للدفاع الصاروخي بحلول عام 2025.
وتشير التقارير تراجع استخدام دول حلف الناتو لقاعدة إنجرليك في تركيا إلى ما يتجاوز 75 في المائة، بالمقارنة بفترات سابقة، سواء في العمليات القتالية أو فيما يخص عمليات الإمداد والتموين للمقاتلات الغربية العاملة ضمن التحالف الدولي ضد داعش.
-  إعلان الأتراك رغبتهم بالانضمام الى منظمة شنغهاي للتعاون، مع العلم أنه من الصعب على أي دولة توفق في سياساتها السياسية والعسكرية بين "الناتو" و"شنغهاي" في الوقت نفسه، كون "شنغهاي" تمثل نظاماً أمنياً بديلاً للدول الأعضاء يتضمن توثيق التعاون الأمني والعسكري بين دول المنظمة في مواجهة التهديدات المشتركة.
- الموقف من أكراد سوريا، فقد أعلن الرئيس التركي بعد مباحثاته مع الرئيس بوتين في سوتشي مؤخرًا "أن الروس باتوا يتبنون الموقف التركي بخصوص الشمال السوري"، وذلك يعني أن لدى هامشًا أكبر من الأميركيين يسمح لهم بتقديم التنازلات في الموضوع الكردي وتفهّم هواجس الأتراك في هذا الإطار، في حين يدرك الجميع أنه لم يعد ياستطاعة الأميركيين التخلي عن أكراد سوريا بسهولة في ظل ندرة الخيارات المتوافرة لديهم للتعويل على حليف مقاتل يحفظ لهم نفوذهم في سوريا.
ولعل ما يقلق الأتراك هو التسابق الروسي الأميركي على حفظ موقع الأكراد في مستقبل سوريا، فروسيا كانت قد أعلنت نيتها اشراك الأكراد في مؤتمرات الحل السلمي المرتقبة، قبل ان تتراجع نزولاً عند رغبة أنقرة، ولقد أظهرت مسودة الدستور المسربة سابقًا والتي أعدتها موسكو للنقاش، أن الروس يتصورون إعطاء حكم ذاتي لامركزي للأكراد ضمن سوريا الموحدة. وإن كان على تركيا الاختيار بين أهون الشرّين، فقد يكون الموقف الروسي من الأكراد قابلاً للتفاوض بعكس الموقف الأميركي الذي أعلنه نائب الرئيس الأميركي صراحة عقب لقائه رئيس الوزراء التركي، بأن الأميركيين سيستمرون بالعمل مع أكراد سوريا ودعمهم حتى بعد انتهاء ظاهرة داعش.
وهكذا، تبدو كل المؤشرات متجهة الى زيادة التوتر بين الناتو وتركيا، ولكن لا يمكن التصور ان أردوغان سيعمد الى الانسحاب من حلف الناتو بنفسه، فاستمرار وجوده في الناتو يمنحه قدرة تفاوضية أكبر مع الروس، كما أن تأرجحه بين المحورين يكسبه هامشًا من المناورة والقدرة على استجلاب التنازلات من كلا الطرفين. أما بالنسبة لدول حلف شمالي الأطلسي، فلن يتخلوا بسهولة عن دولة محورية كتركيا بالرغم من كل الابتزاز والتوتر الذي يخلقه اردوغان، إذ لا يمكن أن يدفعوا الأتراك الى الارتماء في أحضان الروس وتحوّل البحر الأسود الى بحيرة روسية. لذا يبدو من المبكر الحديث عن قطيعة أو طلاق بين الناتو وتركيا، أقلّه في المدى المنظور.

Attachments area

2017/11/15

الاميركيون في سوريا: تراجع أو تثبيت انتصار؟

ليلى نقولا
يشير البيان المشترك حول سوريا الذي أعلنه الرئيسان ترامب وبوتين على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي "إبيك" في فيتنام، إلى اقتناع دولي بأن الخيار العسكري لم يعد يجدي في سوريا، وأن الحلّ السياسي هو الأنسب لسوريا وللمنطقة.

وكانت لافتة العبارة التي تضمنها البيان والتي أشارت إلى أن "الأطراف أخذوا علماً بالالتزام الحديث للرئيس الأسد بإجراء الإصلاحات الدستورية وإقامة الانتخابات..."، وهذه العبارة إن دلّت على شيء فهي تدل على اعتراف أميركي وواضح بشرعية الرئيس السوري، والتعويل الدولي عليه للقيام بمسار الإصلاحات الدستورية وإجراء الانتخابات، وهو يدحض كل ما قاله وزير الخارجية الأميركي تيلرسون منذ مدة وجيزة إن الأميركيين لا يرون مستقبلاً للرئيس السوري بشّار الأسد في مستقبل سوريا وإنه سيضطر إلى التخلّي عن منصبه في إطار عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة.

بالتأكيد، إن الانتصارات العسكرية التي حقّقها الجيش السوري وحلفاؤه في الميدان السوري هي التي فرضت نوعاً من التراجع الأميركي المُتدرّج حول رؤيتهم لمستقبل سوريا والآليات التي ستحكم هذا المستقبل، ولكن عوامل القلق من المستقبل لا تزال تحوم فوق سوريا، خاصة في ظلّ الإنجازات التي حقّقها الأميركيون من خلال حلفائهم في سوريا.

وتتجلّى عوامل القلق من الاستراتيجية الأميركية على مستقبل سوريا، مما يظهر في الميدان السوري من سباق محموم للقوات المدعومة أميركياً لاقتطاع أراضٍ قبل وصول القوات السورية إليها، فقد قامت "قوات سوريا الديمقراطية" بالسيطرة على جغرافية سورية شاسعة، ورتّب الأميركيون انسحاب داعش لصالح تلك القوات في حقل عمر النفطي ما سمح للمقاتلين الأكراد بالسيطرة عليه والتوجّه نحو دير الزور والسيطرة على أكبر مساحة جغرافية ممكنة قبل وصول النظام إليها لتحريرها.

وفي الطريق إلى البوكمال، حاول الأميركيون استباق وصول الجيش السوري وحلفائه إلى المعبر الاستراتيجي الذي يربط العراق بسوريا، إلا أنهم لم يستطيعوا تجنيد مقاتلين من المعارضة المسلحة أو العشائر للقيام بهذه المهمة، وإلا لكانوا أقاموا الترتيبات اللازمة لمقايضة تلك الجغرافيا بين داعش والعشائر السورية.

وقد يكون ما تقوم به حركة "نور الدين الزنكي" المدعومة أميركياً من قتال مع "هيئة تحرير الشام - النصرة سابقاً" في ريف حلب الغربي، هو استباق للمعركة التي سيقوم بها الجيش السوري ضد جبهة النصرة بعد الانتهاء من داعش على الحدود السورية العراقية والتفرغ لقتالها.

ما سبق، يشير إلى رغبة أميركية واضحة بإبقاء السيطرة على مناطق سورية، وتثبيتها بوجود 11 أو 12 قاعدة عسكرية أميركية ( تتضارب التقارير حول عددها)، وهو ما أشار إليه بعض المسؤولين العسكريين الذين قالوا إن الأميركيين لا يمتلكون استراتيجية للخروج من سوريا بعد الانتهاء من داعش.

والمشكلة التي ستبرز في المستقبل حول مستقبل هذه المناطق هي الموقف الروسي، خاصة في ظل توجّه الروس في مسارهم الدولي الحديث بعد أوكرانيا، لتشجيع اللامركزيات وإعطاء هامش من الحرية الموسّعة للأقليات في الدول السيّدة.

وفي هذا الإطار بالذات، نجد أن الموقف الروسي من الاستفتاء الكردي في العراق بقي غامضاً، وقد يُفهم موقفهم هذا بالرغبة بعدم إعطاء فرصة لاتهامهم بازدواجية المعايير كون إية إدانة أو رفض للاستفتاء الكردي باعتباره عملاً غير قانوني، سيضعف موقفهم من قضية ضمّ القرم حيث يتذرّع الروس بأن الاستفتاء الذي أجريَ هناك وضمّ القرم إلى روسيا الاتحادية هو قانوني وشرعي، مستندين بذلك إلى السابقة التي أرساها الأوروبيون في كوسوفو، والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول استفتاء كوسوفو، والذي اعتبرت فيه المحكمة أن الاستفتاء لا يخلّ بمبادئ القانون الدولي.

وبالرغم من أن الوضع الكردي في سوريا يبقى مختلفاً عن وضع أكراد العراق، ولكن التسريبات التي تحدّثت عن تفاهمات أميركية روسية غير معلنة حول تقاسم مناطق النفوذ حول الفرات، تؤكّد أنه ما زال أمام السوريين مسار طويل من المعارك لاستعادة كامل التراب السوري، وقد تكون المعارك في إدلب والجنوب السوري سهلة نسبياً مقارنة بتحرير مناطق الشرق والشمال السوري من سيطرة الأميركيين الذين لن يتخلّوا بسهولة عما كسبوه من الجغرافيا السورية.

2017/11/02

سقوط مشروع البرزاني.. هل يُفشل التقسيم في سوريا؟


فرضت التطورات في الشمال السوري نفسها على كل التحاليل السياسية والأكاديمية، وتخوّف البعض من أن تكون الترتيبات التي حصلت ومسار التسوية في آستانة ستؤدي إلى التقسيم في سورية. لعل هواجس التقسيم تتبدى في الهجوم الذي شنّه الأكراد صوب دير الزور مسابقين الجيش السوري للوصول إلى الحدود العراقية - السورية، كما الترتيبات والتسوية التي عقدوها مع "داعش" للسيطرة على حقل عمر النفطي، وهو من أكبر الحقول النفطية في سورية، بالإضافة إلى تحرير الرقة وإطلاق اسم كردي عليها؛ "مدينة اوجلان". كما يشار إلى التقسيم باعتباره واقعاً انطلاقاً من دخول الجيش التركي إلى إدلب، ومحاولة توسيع مناطق نفوذه إلى أقصى حد ممكن.

بالتأكيد، يمكن استشعار الخطر على وحدة سورية وأراضيها من التوسُّع الكردي والتركي واحتلال الأراضي السورية، بالإضافة إلى الدعم الذي يتلقاه الأكراد من الأميركيين، خصوصاً القواعد العسكرية الأميركية التي تنتشر في مناطق الأكراد، لكن التطورات التي حصلت في العراق بعد حصول الاستفتاء ومبالغة أكراد العراق في وهم فائض القوة لتحدي الحكومة المركزية في بغداد، في ظل نظام إقليمي معادٍ، ستدفع أكراد سورية إلى الاتعاظ من تجربة إخوانهم أكراد العراق.

لعل وضع الأكراد في العراق كان الأفضل على الإطلاق في المنطقة، إذ إنهم يتمتعون بالحكم الذاتي منذ عام 1991، وقد حظوا بحماية أممية من خلال قرار مجلس الأمن الدولي رقم 688، والذي حظّر على الطيران العراقي (خلال عهد صدام حسين) التحليق فوقها، كما تمّ تحديد ما سمي "الخط الأزرق" على الحدود بين كردستان والمناطق العراقية، وقد مُنع الجيش العراقي من تجاوزه، وبعد احتلال الأميركيين للعراق عام 2003، بدأ الأكراد بقضم المناطق العراقية، وكانت اللحظة المؤاتية لهم هي انخراطهم في الحرب على "داعش"، فتوسّعوا وسيطروا على محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى، بالإضافة إلى سيطرتهم على الحدود والمنافذ الدولية، كالمطارات والمعابر البرية مع تركيا وإيران، وقاموا ببيع النفط العراقي والاستفادة المادية من تصديره بدون العودة إلى الحكومة المركزية في بغداد.

ومؤخراً، مع بدء العمليات العسكرية العراقية ضد الأكراد، كردٍّ على الاستفتاء الذي أجراه مسعود البرزاني بدون موافقة السلطة المركزية العراقية، بدأت تتهاوى مكاسب الأكراد التي حصلّوها على مدى 14 عاماً، أي منذ قدوم الأميركيين في العام 2003 ولغاية اليوم؛ فقد طردت القوات العراقية البشمركة من معظم المناطق المتنازع عليها، خصوصاً من كركوك الغنية بالنفط، والتي تشكّل ما يقارب 85% من الطاقة الإنتاجية النفطية في إقليم كردستان العراق، كما سيطرت القوات العراقية على المعابر التي تربط الإقليم بالخارج، ومنها معبر فيشخابور (سيمالكا من الجهة السورية)، والذي يقع على مثلث هام بين العراق وسورية وتركيا، وهو المعبر الذي يربط أكراد العراق بأكراد سورية، والممر الوحيد لأكراد سورية إلى الخارج (من خلاله كان يتم تزويدهم بالسلاح منذ 2011).

إذًا، بالرغم من كل القوة التي تمتع بها أكراد العراق، لم يستطيعوا الصمود في وجه السلطة المركزية في بغداد، خصوصاً في ظل خط أحمر إيراني - تركي يمنع تشجيع أي نزعة انفصالية كردية في المنطقة، فكيف بأكراد سورية الذين يسيطرون على أراضٍ عربية سورية، ويطالبون بدولة في الشمال السوري (يسمونها كردستان الغربية)، والتي ليس لها أي ذكر في مستندات ووثائق القومية الكردية.

ثم من المعروف أن البرزاني كان حليفًا لرجب طيب أردوغان، وبالرغم من ذلك وقف الأتراك سداً منيعاً أمام الاستقلال الكردي العراقي، فكيف بالأكراد السوريين الموالين لأوجلان، والذين يُعتبرون من الأجنحة الكردية المعادية للدولة التركية، ناهيك عن أن الكرد السوريين لا يملكون رؤية سياسية واحدة، فمنهم من هو حليف النظام ومنهم من يؤيد المعارضة، وبمعظمهم يسيرون في الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، والتي لن تضحي بحليفها التركي لتعزيز حلم دويلة كردية غير قابلة للحياة أصلاً، لانها دولة داخلية ومحاطة بأعداء من كل حدب وصوب.

في النتيجة، لن يكون أمام الكرد السوريين سوى المطالبة بنوع من اللامركزية ضمن سورية الموحَّدة، وهو الحل الذي يدعمه الروس، لكن الخطورة تبقى في نوايا أردوغان في الشمال السوري، والتي لا تبشّر بالخير انطلاقاً من تاريخ أردوغان نفسه، ومن تاريخ الأتراك مع سورية، فتجربة الاسكندرون ما زالت ماثلة للعيان، والخوف كل الخوف أن تتحول المناطق التي سيطر عليها الجيش التركي في الجغرافيا السورية إلى جزء من الجغرافيا التركية بحكم الأمر الواقع.

د. ليلى نقولا