ليلى نقولا
تقترب نهاية "داعش"
في سورية والعراق، وباتت المعركة على الكيلومترات المتبقية من مساحة الجغرافية السورية
والعراقية، خصوصاً في المناطق الممتدّة على الحدود الموازية للمنطقة التي يسيطر عليها
الأكراد.
وتشير التقارير من الشمال الشرقي
السوري أن قوات سورية الديمقراطية "قسد"
تقدّمت بسرعة نحو الحدود العراقية- السورية قرب البوكمال، وشكّلت نوعاً من الحزام العسكري
الذي يقطع بين الجيش السوري و"داعش" في الصحراء الممتدة قرب الحدود العراقية،
فيما يبدو أنه نتيجة تفاهمات أدّت إلى انسحاب"داعش"وتسليم مناطقها للقوات
الكردية.
وبعد انتهاء "داعش"،
هل فعلاً ستسلك التسوية مسارها الطبيعي في سورية؟ وهل سيستطيع لقاء القمة في سوتشي
(روسيا وإيران وتركيا) فرض تصوُّرهم للحل على الولايات المتحدة؟
يبدو أن الولايات المتحدة ليست
بوارد التسليم بسهولة في سورية، بل يبدو من مسار المعارك في البوكمال والتشويش الأميركي
على اتصالات الجيش السوري وحلفائه المقاتلة على جبهة البوكمال ضد"داعش"،
كما التحشيد الذي يقوم به الأميركيون وتوسيع قواعدهم العسكرية مؤخراً في الشمال السوري،
وزيادة أعداد الجنود الأميركيين في المناطق السورية .. كل ذلك يشير إلى أن الاستراتيجية
الأميركية المستقبلية في سورية ستكون سياسة وضع خطوط حمراء أمام تقدُّم الجيش السوري
لتحرير المناطق التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية.
منذ بداية الهجوم السوري والزحف
نحو البوكمال، تحسّست الولايات المتحدة الأميركية خطورة إعادة فتح معبر القائم –البوكمال
على استراتيجتها لاحتواء نفوذ إيران الإقليمي، وقطع التواصل الجغرافي بين العراق وسورية،
وتتابُعاً قطع الخط الذي يصل طهران ببيروت.
وفعلياً تسيطر الولايات المتحدة
الأميركية وحلفاؤها على الحصة الأكبر من
معابر الحدود بين سورية والعراق؛ فمعبر اليعربية (سورية) - الربيعة (العراق) يسيطر
عليه المقاتلون الأكراد، كذلك معبر سيملكا – فيشخابور الاستراتيجي، والذي يقع على مثلّث
بين سورية والعراق وتركيا، وقد حاولت القوات العراقية السيطرة عليه بعد الاستفتاء الكردي
واستردادها للمناطق التي كان الأكراد قد استغلوا انفلات الوضع الأمني للتوسع فيها،
لكنّ الأميركيين دعموا موقف الأكراد في منع القوات العراقية من استعادة السيطرة عليه،
وهذا ماحصل، فبقي الأكراد يسيطرون على هذا المعبر من الجهتين العراقية والسورية.
كما يسيطر الأميركيون على معبر
التنف-الوليد، ويقيمون قاعدة عسكرية هامة، ويبقى المعبر الرسمي الوحيد الذي يسيطر عليه
الجيش السوري هو معبر القائم –البوكمال الذي تمّ تحريره من "داعش"مؤخراً.
وهكذا، يبدو أن الأميركيين ليسوا
بوارد الانسحاب، بل هم بصدد التحضير للقتال ومنع الجيش السوري وحلفائه من الاقتراب
وتحقيق مزيد من المكاسب الميدانية، وقدي تجلى الهدف الأميركي في أحدأمرين: إما إبقاء
الوجود العسكري الأميركي إلى مالا نهاية في سورية، أو استعمال المناطق الكردية كورقة
تفاوضية تستطيع من خلالها الولايات المتحدة فرض مسار تسوية سياسية سورية ترضيها وتحقق
لها مصالحها على المدنيين المتوسط والطويل.
لتحقيق الهدف الأول، يحتاج الأميركيون
إلى إبقاء جزء من الجغرافية السورية خارج سيادة الدولة السورية أي إنشاء كونتون كردي
مستقل يوقّع معه اتفاقية عسكرية تسمح ببقاء
قواتهم وقواعدهم فيه، وهذا أمر يصعب تحقيقه، خصوصاً في ظل الرفض التركي والإيراني والعراقي
والسوري لهذا الخيار، وعدم استعداد الأميركيين للتضحية بالحليف التركي ودفعه إلى أحضان
روسيا،لما في ذلك من إضرار بمصالح الولايات المتحدة في كل من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
ويبقى الهدف الثاني الأقرب للواقع،إذ
يمكن للأميركيين منع أي جهة عسكرية من الاقتراب من الحدود التي يسيطرعليها حلفاؤها،من
خلال التهديد باستعمال القوة،وتحقيق الردع من خلال استعراض يومي للقوة، خصوصاً بعدما
كان الإيرانيون قد أعلنوا أن المعركة المقبلة بعد الانتهاء من "داعش" ستكون
التوجُّه لتحرير الرقة، وهكذا فإن إبقاء جزء من الجغرافية السورية بيد الأميركيين
– أقلّه في الوقت الراهن – سيعرقل قدرة الدول الراعية لأستانة (روسيا وتركيا وإيران)
من الانفراد بصياغة الحل السياسي، وسيعطي الأميركيين قوة تفاوضية هامة للمشاركة في
رسم مستقبل سورية والمنطقة.
وما يعزز الخيار الثاني، أن
الأكراد السوريين يُدركون أنهم محكومون بالجغرافيا؛ تماماً كما أكراد العراق، الذين
دفعوا غالياً ثمن الاستفتاء ومحاولة الانفصال، كما هم محكومون بعدم قدرة الولايات المتحدة
على إغضاب الحليف التركي، مايعني عدم قدرتهم على استعداء الروس، إذ جلّ مايمكنهم الوصول
له بعد انبلاج الأزمة في سورية هوالحصول على بعض الاستقلالية عبر اللامركزية الإدارية
الموسَّعة التي يطرحها الروس في الدستور السوري الجديد.