د. ليلى نقولا
تأزمت العلاقات الأميركية - التركية على خلفية قيام السفارة الأميركية فى تركيا بتعليق إصدار التأشيرات للأتراك غير المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأميركية، بعد اعتقال موظف تركي في القنصلية الأميركية لاتهامه أنه من أنصار فتح الله غولن، فردّ الأتراك بالمثل وقاموا بتعليق إصدار التأشيرات التركية للأميركيين.
وسابقاً، أصدر البنتاغون بياناً أعرب فيه عن قلقه من رغبة تركيا شراء صواريخ أس-400 من روسيا، وكان واضحاً أن الاتفاقيات التي وقّعها الرئيس بوتين في تركيا قد سببت الكثير من الغيظ الأميركي، باعتبار أن أهداف الرئيس بوتين الاقتصادية من التقارب مع تركيا قد تحققت، وأهمها مشروع خط أنابيب الطاقة (السيل التركي)، وهدفه تحويل أنابيب الطاقة الروسية عن أوكرانيا، واستمرار احتكار إمداد الغاز إلى أوروبا، وقطع الطريق على أنابيب أخرى كان الأوروبيون والأميركيون يودّون استخدامها لإمدادت الطاقة من آسيا الوسطى.
والجدير بالذكر أن العلاقات الأميركية - التركية كانت قد بدأت بالتوتر خلال الحرب على سورية ودعم الأميركيين للأكراد، ثم تزايدت بعد محاولة الانقلاب الفاشل للإطاحة بأردوغان. وفي وقت سابق، عانت العلاقات الاوروبية - التركية من مآزق عدّة على خلفية ملف الهجرة الجماعية للاجئين إلى أوروبا عبر تركيا، ثم ازدادت بعدما عنّف أردوغان المسؤولين الأوروبيين واتهمهم بدعم الإرهاب (الكردي).
ولعل استطلاعات الرأي في الداخل التركي، والتي قامت بها مراكز دراسات محترمة، تشي بتغيّر هام في نظرة الأتراك إلى الأخطار التي تتهدد بلادهم، وإلى نظرتهم إلى الاتحاد الأوروبي، وهي على الشكل الآتي:
1- الولايات المتحدة هي الخطر الأكبر 66.5%، وتأتي "إسرائيل" بالدرجة الثانية 37.4%، وأوروبا في الدرجة الثالثة 24% (كانت 10.4% سنة 2016)، بينما تناقصت نسبة الخطر الروسي من 34.9% سنة 2016، إلى 18.5% هذه السنة.
2- بالنسبة للموقف من الحرب في سورية: حوالى 50% اعتبروا أن تركيا يجب أن تكون محايدة ولا تتدخل في القضية السورية، وتقريباً 55% اعتبروا أنهم غير راضين عن سياسة استقبال اللاجئين السوريين.
وهكذا يبدو أن أردوغان يعاني من أزمة ثقة، وتوتر مع حلفائه في حلف شمالي الأطلسي، فهل يدفعه هذا الى التخلي عن الحلف لصالح الانضمام إلى حلف المقاومة؟
الأكيد أن هناك مصالح إيرانية - تركية مشتركة، وأن زيارة أردوغان لإيران كانت تاريخية واستثنائية بكافة المقاييس، خصوصاً في ظل الخطر الذي يستشعره الطرفان حيال انفصال كردستان العراق، والأكيد أيضاً أن هناك مصالح اقتصادية هامة تربط بين إيران وتركيا، وبين روسيا وتركيا.
لكن، بالرغم من ذلك، فإن أردوغان ما زال يحاول ممارسة سياسة حافة الهاوية مع حلفائه مع حلف "الناتو"، وإمساك العصا من الوسط مع حلف المقاومة، فهو يعتمد تأنيب حلفائه واستعمال اللغة التهديدية، بينما يقوم بالاتفاق مع كل من إيران وروسيا اقتصادياً ويسايرهم لفظياً، ثم يقوم بمواجهتهم في كل من سورية (خطابات ضد بشار الأسد)، وأوكرانيا التي أثار خطاب أردوغان فيها حول القرم استياءً روسياً كبيراً.
يدرك أردوغان جيداً قيمة بلاده الاستراتيجية، وأنه مهما فعل فإن كلاً من الحلفين يريد خطب ودّه، فبالنسبة لحلف "الناتو" لا حرب في المنطقة بدون أردوغان، وبالنسبة للروس مع حلف المقاومة، لا سلام ولا تسوية في سورية من دونه.
ويدرك كلٌّ من إيران وروسيا أهمية إبعاد تركيا عن أن تكون رأس حربة في السياسات الأميركية في كل من منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، لما لها من نفوذ في كلا المنطقتين، عبر "الإخوان المسلمين" والمجموعات التي تدعمها في الشرق الأوسط، وعبر الشعوب الناطقة باللغة التركية في آسيا الوسطى.
والنتيجة، إن المراهنة على التزام مطلق لأردوغان مع أي من الطرفين تبدو مراهنة سطحية، لأن أردوغان لن يتخلى عن حلف "الناتو" الذي يؤمّن له دعماً استراتيجياً وعسكرياً كبيراً، ولن يتخلى عن موسكو وطهران اللتين تربطه بهما علاقات اقتصادية هامة تحتاجها بلاده في ظل أزماتها الاقتصادية، كما أن مصالحه ضد الأكراد تتقاطع مع طهران التي ستدعمه في إجهاض الحلم الكردي بالاستقلال، وهذا ما لن يقدّمه له الأميركيون أو حلفاؤه في حلف "الناتو"، والأهم ألا يتصور السوريون أن دخول الأتراك إلى إدلب الذي يبدو لمصلحتهم اليوم، أنه قد يكون لمصلحتهم في الغد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق