د. ليلى نقولا
تباينت المواقف في واشنطن حول التحذير الذي أطلقه
البيت الأبيض من أن النظام السوري يستعد لشنّ هجمات كيميائية محتملة، محذرًا الرئيس
الأسد من أن هذا الفعل سوف يكلفه غاليًا.
ولقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز أن الاستخبارات الأميركية
ووزارتا الدفاع والخارجية، تشكك في صدقية بيان البيت الأبيض بشأن ما سمّاه احتمال استخدام
السلاح الكيميائي في سوريا، بل على العكس من ذلك، تبيّن أن الجهات المكلفة بعمليات
جمع المعلومات الاستخبارية في سوريا وحتى بالتحضير للردّ العسكري، ليست على علم بما
أثاره البيت الأبيض!.
وبعد تراجع البيت الأبيض عن التهديد، وإعلان الأميركيين
أن الرئيس السوري قد فهم الرسالة الأميركية جيدًا وتراجع عن استخدام الكيميائي، تطرح
على بساط البحث، أسئلة حول الأهداف الحقيقية للرسالة الأميركية والتهديد بتدخل عسكري.
وقد تكون من جملة الأهداف، ما يلي:
- الردّ على انتصارات
الجيش السوري وحلفائه في الميدان، إذ تذكر التقارير الواردة من الميدان السوري تقدم
القوات السورية على جميع الأصعدة ووصوله الى الحدود العراقية السورية، وسعيه الحثيث
للوصول وتثبيت تمركزه على الحدود الأردنية ومع فلسطين المحتلة كما تقدمه باتجاه تحرير
دير الزور.
وتمامًا كما في حادثة كيماوي خان شيخون وما تلاها
من قصف لمطار الشعيرات، كان الجيش السوري متقدمًا ميدانيًا، ما يعني عدم حاجته لاستعمال
أي سلاح كيميائي وهو القادر على تكبيد المسلحين خسائر كبيرة بالقصف العادي لذا لا حاجة
لاستعمال سلاح قد يستخدم كذريعة للغرب للرد العسكري ضده.
- حاجة ترامب لإظهار
القوة أمام حلفائه الغربيين، خاصة قبل ذهابه الى باريس في حال قرر تلبية دعوة الرئيس
الفرنسي. ولم يتأخر الفرنسيون والبريطانيون، فقد سارعوا الى التعبير عن استعدادهم للتدخل
العسكري، ولعل الرئيس الفرنسي الشاب الذي يحتاج كما ترامب لإظهار قوته كان الأسرع فلقد
زايد على ترامب معلنًا استعداده لقصف من جانب آحادي فرنسي في حال استخدام السلاح الكيميائي.
- حاجة ترامب لعمل
ما يخفف عنه الضغوطات الداخلية خاصة في ظل التحقيقات المستمرة بعرقلته للعدالة، والتحقيقات
حول تورط من حوله ومنهم صهره، بالتخابر مع الروس. لم ينسَ ترامب كيف حصد تشجيعًا وتصفيقًا
من قبل معارضيه حين قام بقصف مطار الشعيرات في سوريا، فقد يكون بحاجة لعمل شيء ما،
يخفف عنه وطأة الضغوط الداخلية التي تكبله وتقلقه بشكل أكيد.
لكن، لم تطابق حسابات البيدر مع حسابات حقل ترامب،
فالرسائل الروسية والايرانية والسورية أتت واضحة غير ملتبسة، بأن حلفاء سوريا لن يسكتوا
عن أي عدوان يقوم به ترامب أو مغامرة يريد أن يفكّ فيها أزمته الداخلية.
فالايرانيون حذروا من اللعب بالنار، ولكن الردّ
الروسي أتى بشكل أكثر وضوحًا وقوة وذلك على مستويات متعددة، من وزارة الخارجية الى
الكرملين، وحتى من قبل رئيس الأركان الروسي الذي اصطحب الرئيس السوري بشار الأسد معه
في طائرة عسكرية، لزيارة قاعدة حميميم الخ.. وفي ذلك رسالة واضحة وجليّة حول طبيعة
الردّ الروسي على أي عدوان أميركي على سوريا، واستعداد الروس للقتال للحفاظ على مصالحهم
في سوريا، وحتى للدفاع عن الرئيس السوري بشار الأسد.
ثانيًا، كان التسريب الذي قامت به نيويورك تايمز
واضحًا لجهة عدم قبول الجنرالات الأميركيين بأي مغامرة متهورة غير محسوبة النتائج في
الميدان السوري، وخاصة أنهم سارعوا الى إفراغ بيان البيت الأبيض من الصدقية وشككوا
فيه، ما يعني نزع الشرعية الداخلية عن أي عمل عسكري يريد ترامب القيام به في سوريا.
ثالثًا، في التاريخ الحديث ما زالت ذاكرة الدول
والشعوب حافلة بالأكاذيب التي أطلقها جورج بوش الأبن ووزير خارجيته حول امتلاك العراق
لإسلحة الدمار الشامل وشنّ حرب مدمرة ما زالت المنطقة تنوء تحت ثقل نتائجها لغاية الآن.
لذا، فإن التذكير الروسي بذلك وإعلان وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون استعداد بلاده
للمشاركة العسكرية "بشرط أن يكون التدخل مبررًا وقانونيًا"، يشير الى أن
زمن تخطي القانون الدولي والعدوان على الدول السيدة، بذرائع وأكاذيب مفبركة صار من
الماضي.