د. ليلى نقولا
مرّ الاستفتاء
التركي بنجاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتمرير التعديلات الدستورية، وبموجبها
يمكن انتخاب أردوغان رئيسا للبلاد فترتين جديدتين كل منها خمس سنوات، من دون أخذ
الفترة الحالية بالاعتبار، أي أنه سيبقى حاكمًا لغاية 2029.
داخليًا، سيقوم أردوغان من اليوم
فصاعدًا، باضعاف المجتمع المدني، تحويل دفة الحكم نحو ازالة التوجهات العلمانية
للدولة، واضعاف الجيش، وفرض سيطرته المطلقة على الدولة وحزب العدالة والتنمية، ما
يعني التخلص من معارضيه وأهمهم عبدالله غول وأحمد داود أوغلو.
- أما على صعيد السياسة الخارجية، فتعيش
تركيا وضعًا مأزومًا خارجيًا، فعلاقة أردوغان بالاتحاد الاوروبي هي في أسوأ
حالاتها منذ قرن، وفي خطابه بعد الاستفتاء قال أردوغان إن حملة "نعم"
فازت على الرغم من تعرضها لهجمات "العقلية الصليبية" في الغرب و"عبيد
هذه العقلية داخل تركيا"، وهو يلجأ الى تصعيد العلاقة مع العلاقة مع
الأوروبيين لإدراكه أن هذا يمنحه قدرة على زيادة قبضته على الداخل، ولعلمه الأكيد
أن أي احتمال للدخول التركي الى الاتحاد الاوروبي قد بات من الماضي.
- بالنسبة لحلف شمالي الاطلسي، لن يعمد
أردوغان الى الخروج من الحلف، باعتبار أن الولايات المتحدة غير مستعدة بعد للتخلص
من هذا الحلف بعد، ولأنه يعطي تركيا قيمة استراتيجية وميزان قوى عسكري لن يفرط به
أردوغان بسهولة.
- أما بالنسبة للعلاقة مع الولايات
المتحدة، فبالرغم من اتصال ترامب بأردوغان وتهنئته، إلا أن العلاقة بين الاثنين
ليس على أفضل ما يرام:
قام الرئيس الأميركي باراك اوباما،
باعتماد استراتيجية الاستنزاف وأطلق على سياسته اشرق أوسطية عنوان "القيادة
من الخلف"، ولم يحسم موقفه بشكل واضح من الصراع بين حليفيه التركي والكردي،
فاستمر في دعمهما، وحاول قدر الامكان عدم استثارة أردوغان بدون أن يتخلى عن
الأكراد في سوريا. أما في عهد ترامب، فلقد حسم ترامب بشكل واضح خياره في سوريا
بأنه يفضّل التعامل مع الأكراد بوصفهم الحليف الذي يستطيع أن يقدم مقاتلين موثوق
بولائهم، بعكس الجماعات الموالية لتركيا.
- بالنسبة لروسيا:
بالرغم من كل المشاكل وعدم الثقة بين
الاثنين، يعرف أردوغان أن التصعيد الذي يواجه به الاوروبيين والاذلال اللفظي
والتعنيف الذي يقوم به مع الاوروبيين، لا يمكن استخدامه مع الروس ولا الأميركيين. يحتاج
الروس الى أردوغان لتمرير خط أنابيب الغاز الرديف والبديل عن خط أوكرانيا Turkish stream
لبيع الغاز الروسي الى الاتحاد
الاوروبي، كما يحتاجونه للحل في سوريا باعتباره راعي العديد من المجموعات المسلحة.
لكن الروس غير مستعدين لإعطاء أردوغان ما يريد في سوريا أو السماح له باستكمال قضم
الأراضي السورية، وهو بات يعرف جيدًا حدود الخطوط الحمراء التي يمكن لبوتين القبول
وما لا يمكن القبول به.
أمام جميع هذه المعضلات يحتاج أردوغان
الى عمل عسكري في الخارج( سوريا أو العراق) يعيده لاعبًا رئيسيًا ويصرف النظر عن
سياساته الداخلية، لكن أمام هذا التدخل خطوط حمراء لا يستطيع أردوغان تجاورها:
استمرار كل من الولايات المتحدة وروسيا بدعم
الجماعات الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني في الحرب ضد تنظيم داعش في
سوريا، وانسداد أي أفق للتوسع بريًا في سوريا من خلال درع الفرات، إذ أن المجال
مغلق أمام أردوغان في التوسع بريًا في سوريا، فالمنطقة الواقعة غرب نهر الفرات تقع
تحت السيطرة الروسية، ولن تسمح لأردوغان بالتقدم، والمنطقة الواقعة شرق نهر الفرات
تسيطر عليها الولايات المتحدة والتي تتوجه للسيطرة على العديد من المناطق السورية
بعد طرد داعش منها، لذا لن تسمح له بالاخلال بالتوازن وعرقلة مخططاتها.
أمام إنسداد الأفق في سوريا، والمحاذير
العراقية المرتبطة بنفوذ الاميركيين هناك، سيحاول أردوغان القيام بتدخل عسكري (قد
يكون بريًا) ضد المناطق التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني في شمال العراق قرب
سنجار، آملاً أن يستطيع قلب موازين القوى لصالحه، وأن يفرض نفسه لاعبًا اقليميًا
يحسب له حساب بعدما تخلى الاميركيون عن فكرة استخدام الورقة التركية العسكرية
لصالح التدخل العسكري الاميركي المباشر في سوريا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق