د. ليلى نقولا
لم تكن المجموعات المسلحة الحاضرة في مؤتمر آستانة وراعيها الاقليمي - أي التركي- في موقف تحسد عليه في المفاوضات غير المباشرة التي جرت بين وفد الدولة السورية ووفد المجموعات المسلحة، إذ إن النتائج عكست فعلاً موازين القوى على الساحة السورية. وبالرغم من كل العراضات الاعلامية المعارِضة، لم يؤخذ بتحفظات المعارضة على البيان الختامي ولا تمّ استبعاد الايرانيين كما طالبوا، ولم يتمّ التطرق لا من قريب ولا بعيد الى مرجعية جنيف 2012، التي تعكس موازين قوى ميدانية عفا عليها الزمن ولم يعد من الممكن مجرد التفكير بطرحها.
ولعل وجود ترامب في البيت الأبيض، بالاضافة الى الواقع الميداني المتبدل على الساحة السورية هو الذي فرض ايقاع البيان الختامي لمحادثات آستانة، وقبول الأتراك بفقرة واضحة وصريحة تنص على أن " الوفود المشاركة تعيد التأكيد على إصرارها على القتال مجتمعين ضد تنظيمي “داعش” و”النصرة” الإرهابيين وعلى فصلهم عن التنظيمات المسلحة المعارضة"، وهو أمر إن تحقق فعلاً، ولم يكن مجرد مناورة تركية أخرى، فسيكون له تأثير كبير على مجريات الحرب الدائرة في سوريا منذ ستة أعوام.
وقد يكون ترامب لم يفصح لغاية الآن، عن رؤيته للعلاقات الأميركية - التركية، وعن موقفه من الأكراد في سوريا والذين شكّلوا حليفًا استراتيجيًا للإدارة الأميركية السابقة، ولكن ما قام به الرئيس المنتخب وفريقه لغاية الآن يوضح معالم تلك السياسة والتي قد لا تريح الأتراك وتزيد من قلقهم:
- اعلان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون خلال جلسة الاستماع في الكونغرس، أن الإدارة الأميركية الجديدة تعتبر جماعة "الأخوان المسلمين" من المجموعات الارهابية مثل داعش والقاعدة، مرتبًا الأولويات بحيث تكون الاولوية للقضاء على تنظيم داعش، ما يمنح الأميركيين الفرصة للقضاء على التنظيمات الإرهابية الأخرى مثل "القاعدة" و "الإخوان المسلمين".
وتشير التقارير الى أن هذه الفكرة تجد تأييدًا من العديد من الشخصيات في فريق الرئيس المنتخب ومنهم مايك بومبيو (وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) وجيمس ماتيس، المرشح لتولي وزارة الدفاع. وقد أعد السيناتور الجمهوري تيد كروز مشروع قرار يقترح إدراج "الإخوان المسلمين" على لائحة المنظمات الإرهابية لعام 2017، لرفعه إلى مجلسي الكونغرس لمناقشته والتصديق عليه.
- الاتصال الذي أجراه الرئيس ترامب بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، وأكد فيه على دعمه في مجال مكافحة الارهاب والتطرف، وأكد "التزامه مواصلة تقديم المساعدات العسكرية إلى مصر والعمل معها للتأكد من أن هذه المساعدات تدعم المعركة العسكرية ضد الإرهاب"، مع ما يشكّله هذا الاتصال من إحراج لأردوغان وللأتراك الذين دعموا جماعة الاخوان المسلمين ضد ما سموه "انقلاب" الجيش المصري.
ولعل تخصيص الرئيس المصري بالاتصال الأول من قبل الرئيس المنتخب وتقديم الدعم له، يعدّ رسالة واضحة من الرئيس الأميركي الجديد، بالقطيعة مع سياسات أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون التي كانت عرابة مشروع "أخونة العالم العربي" وتقديم النموذج التركي الإخواني باعتباره "نموذجًا اسلاميًا معتدلاً" على الدول العربية والاسلامية أن تقلده وتسير في ركابه وهو ما اشعل الحرائق في كافة أنحاء العالم العربي تحت مسمى "الربيع". علمًا أن أوباما دشن سياسته الشرق أوسطية بخطاب شهير في مصر عام 2009، أعلن فيه تصالح الإدارة مع الاسلام، ونمقه بخطابات الانفتاح والاعتدال والحضارة المشتركة، لكنها سرعان ما تحوّلت تدخلاً أميركيًا في شؤون العالم الاسلامي ورغبة بتنصيب الاخوان المسلمين بقيادة تركيا حكامًا للعالم العربي.
لهذه الأسباب وغيرها، دأب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأعضاء حكومته في الفترة الأخيرة على إطلاق التصريح وعكسه في ما خص القضية السورية. وبالرغم من البيان الختامي الايجابي الذي صدر عن مؤتمر آستانة، لكن الأكيد أن الأتراك لن يلتزموا بتعهداتهم وسيحاولون الاحتفاظ بالقدر الأكبر من أوراق القوة للتفاوض لبيعها للأميركيين فيما بعد.
لقد وصلت الرسالة الأميركية الى الأتراك في وقت سابق، فمستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي مايكل فلين، وفي مقال مكتوب، اعتبر أنه يجب إعادة الاعتبار للعلاقات التركية الأميركية، لكنه كان واضحًا بتحديد "أهمية" تركيا بكونها حليف مهم في محاربة داعش في سوريا والعراق، لكن لم يتطرق أحد من الإدارة الأميركية الجديدة، الى موضوع الأكراد في الشمال السوري، لذا لن يتنازل أردوغان عن دعم النصرة ولن يسمح بفصلها عن المجموعات المسلحة الأخرى- ولو تعهد بذلك في آستانة- قبل أن ينجلي الموقف الأميركي. عندها فقط، من الممكن أن يبيع أردوغان رأس النصرة وداعش الى الأميركيين مقابل إسقاط حلم الأكراد بدولة مستقلة.