د. ليلى نقولا
مهما كانت الإجراءات المرتقبة، ومهما بيّنت التحقيقات حول العمل الارهابي المتوحش الذي حصل في نيس في فرنسا، فإن الاعمال الارهابية لن تتوقف في اوروبا، ولا في الشرق الاوسط، ولا في أي بقعة في العالم. ليس لأن الارهابيين أقوياء، وليس لأن العالم عاجز عن محاربتهم كما يجب، بل ببساطة لأن الآليات المتبعة لمكافحة الارهاب تبقى عاجزة وقاصرة عن معالجة هذا الشر المستطير الذي يحوم فوق البشرية ويغرقها بالحقد والدماء.
في نظرة على الأساليب المتبعة لمكافحة هذه الظاهرة عالميًا، نجد أن المقاربات المعتمدة لا تبدو فقط عاجزة عن التعاطي مع الظاهرة كما يجب، بل إن بعض الدول لا تبدي جديّة في معالجتها إما لأنها عاجزة عن تصور حلول ناجعة، أو لأنها تعتقد أن باستطاعتها الاستثمار في ظاهرة الارهاب لايلام أعدائها وكسب مزيد من النفوذ عالميًا، أو لأنها ترى أن الارهاب "سرطان" لا يمكن القضاء عليه، بل يجب فقط التركيز على الحد من تداعياته واحتوائه.
وفي تقييم لبعض الاستراتيجيات المتبعة لمكافحة الارهاب، يمكن لفت النظر الى ما يلي:
أولاً: المعالجات الاوروبية، التي اعتمدت اساليب عدة، منها التخلص من المتطرفين بارسالهم الى سوريا للموت، ثم العلاج الامني الاستخباري بعد عودتهم، وبعض المعالجات "التصالحية – الادماجية" التي عمدت اليها بروكسل في السنتين المنصرمتين.
وفعليًا، بدت كل هذه المعالجات عاجزة عن مكافحة شاملة للارهاب، لأن المعالجات الاوروبية ما زالت تعتمد "الترقيع" والعنجهية واعتماد سياسة "دفن الرأس بالرمال" كالنعامة.
ما الذي يمنع الاوروبيين مثلاً من الذهاب الى سوريا والتعاون معها في إعادة اللاجئين المرفوضين للجوء؟ ولماذا يذهب الاوروبيون والامم المتحدة لاغراء لبنان بالتوطين مقابل المال؟ ولما تذهب أنجيلا ميركل الى كيرغستان لإغرائهم بفتح مخيم لجوء للسوريين المتواحدين في اوروبا مقابل مساعدات سخية؟ كل هذا، لأن المكابرة والعنجهية هي شيمة "الرجل الابيض" الذي يعتقد أنه يستطيع أن يهندس العالم كما يشاء وان الله خلقه من طينة "أرقى" من البشر الآخرين.
ثانيًا: المعالجات الاسلامية، والتي تعتمد على اطلاق مبادرات للحوار مع الاديان الاخرى، واطلاق شعارات فضفاضة تبريرية بأن الارهاب لا دين له، وأن هؤلاء الارهابيين لا يمثلون الاسلام.
بشكل عام، إن فتح أي مساحة للحوار والتلاقي هو أمر جيد. ولكن، إن إظهار الموضوع الارهابي وكأنه صراع حضاري بين المسلمين وغير المسلمين، يضرّ بالمسلمين بشكل أساسي، لأن أصحاب مقولة أن الارهاب مرتبط بالاسلام، يحتاجون الى مثل هذه المبادرات لاثبات نظريتهم. المشكلة ليس بين المسلمين وغير المسلمين، وليست بين الاسلام والأديان الأخرى، بل هي ببساطة داخل الاسلام نفسه، ومع المسلمين المغرر بهم.
المشكلة اليوم، إن الارهابيين يقتلون من المسلمين أكثر مما يقتلون من الطوائف والاديان الاخرى، والمذبوحون والمقتولون ظلمًا في الشوارع والساحات والاسواق الشعبية هم بغالبيتهم العظمى من المسلمين، فلماذا يتم تصوير المشكلة الارهابية أنها مشكلة بين الاسلام والاديان الأخرى؟
ما يحتاجه العالم الاسلامي اليوم، هو وقفة تقييمية ونقاش داخلي صريح وجاد وهادف حول أسباب الارهاب ونتائجه وطريقة معالجته. تلك المعالجة التي تحتاج شجاعة استثنائية مزدوجة:
1- شجاعة في مقاربة الموضوع في اشكاليته التاريخية والدينية، وخاصة في تحدي الموروثات الثقافية التي خلطت بين أصول الدين التي تدعو الى الإخاء والمساواة والسلام وإحقاق الحق، وبين الموروثات الثقافية والحضارية التي ارتبطت بالاسلام على مرّ العصور بفعل التداخل الحضاري والثقافي والمرتبط بالبيئة التاريخية والاجتماعية التي نما فيها الاسلام وازدهر وبمعظمها تأتي من ثقافة بدوية عنفية.
2- شجاعة أدبية من قبل السياسيين ورجال الدين المسلمين بالخروج علنًا وتفنيد حجج الارهابيين، والتصريح بصوت عالٍ بأن هذا ليس اسلامًا. وللأمانة، تخرج بعض الأصوات الجريئة في العالم العربي في هذا الشأن، ولكنها ليست كافية، لأن العالم يحتاج الى صرخة أكبر وصوت أعلى من أصوات الارهابيين. يحتاج الى صوت الازهر للقول أن داعش والقاعدة تجتزءان وتعتمدان على تفسير حرفي للنص لا يتلاءم مع التفسير الصحيح، ونحتاج الى علماء دين أفغان وباكستانيين ليقولوا أن طالبان لا تمثل الاسلام، وهكذا دواليك.
نعم، بات الارهاب أكبر من أن يتم التخلص منه بسهولة، وهذه حقيقة لا يمكن لأحد نكرانها، ولكن أما آن الأوان لتقوم كل أمة بمسؤوليتها التاريخية، مسؤوليتها أمام نفسها وأبنائها وأمام التاريخ؟.
آن الأوان، لفهم أن الاسلام هو المستهدف في ظاهرة الارهاب أكثر من غيره، والمسلمون يتحملون نتائجه السيئة أكثر من غيرهم، سواء بالقتل الجماعي المجاني، أو بنظرات الحقد والعنصرية ضدهم، أو بعبارات الكراهية التي تطفو في الاعلام وبين الناس في المجتمعات الغربية، أو في ما يمكن أن يحصل في ما لو استمر اليمين بالصعود في اوروبا، فأي مستقبل سيكون للعرب والمسلمين في تلك القارة؟ هل سيكون مصيرهم كمصير اليهود من قبلهم؟ التاريخ يمكن معرفته، لكن المستقبل ينبئ بالكثير من القتامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق