2015/12/25
2015/12/11
الارباك التركي: من سوريا الى العراق
د. ليلى
نقولا
بالرغم من التشنج الذي سببه إسقاط
الطائرة الروسية من قبل الأتراك فوق الأراضي السورية وما نجم عنه من توتر شديد في المنطقة
التي باتت تعجّ بالاساطيل والتي لا تحتاج إلا لخطأ غير مقصود أو خطوة غير عقلانية من
قبل أحد المتهورين حتى تنفجر حرب عالمية ثالثة تطيح بما تبقى من أمل بتسوية أو حل،
قام الأتراك بخطوة تصعيدية أخرى في العراق، حيث عمدوا الى نشر قوات تركية في محافظة
نينوى بدون تنسيق مع الحكومة العراقية، وأعلنوا أنهم لن يسحبوها بالرغم من مطالبات
العراقيين المستمرة بسحبها واعتبارها "عدوانًا" وانتهاكًا لسيادة العراق.
فماذا في التصعيد التركي الجديد؟
يبدو أن التصعيد التركي المزدوج
على جبهتي العراق وسورية، يشير الى أن الأتراك يخشون التسوية المقبلة الى المنطقة،
ويحاولون قدر المستطاع أن يحققوا أكبر قدر من المكاسب من تلك التسوية من خلال التصعيد،
بالاضافة الى منع الأكراد من تحقيق حلمهم بدولة كردية مستقلة تبدو أقرب الى التحقق
لأول مرة في تاريخهم، وهو ما يجعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مصرًا على إطلاق مواقف
تؤكد على السير بمشروع إقامة "مناطق آمنة" في شمال سوريا، بالاضافة الى دعوته
الى التنفيذ السريع لمشاريع تدريب وتجهيز المعارضة السورية "المعتدلة" التي
كانت قد أعلنت عنها واشنطن من قبل.
وبالرغم من نجاح الأتراك في ابتزاز
الإتحاد الاوروبي في قضية اللاجئين، والحصول على مبلغ 3 مليار يورو من الاتحاد الاوروبي
كثمن لإعادة استضافة اللاجئين الذين يتم إعادة ترحيلهم من الاتحاد؛ لا شكّ أن الحكومة
التركية تعيش إرباكًا اقليميًا لم تشهد مثله
منذ بدء الأحداث في المنطقة ولغاية الآن، ويتجلى في:
- عقوبات اقتصادية وتهديدات
يومية من موسكو بعد إسقاط الطائرة الروسية، ولا يبدو أن أحدًا من الحلفاء مستعد لدعمهم
او تخفيف الضغط عنهم.
- انكماش الاقتصاد التركي الى حد غير مسبوق، بالاضافة الى قلق المستثمرين
من عدم الاستقرار وهو ما قد يدفعهم للرحيل عن تركيا بعدما شكّلت تركيا البديل والمكان
الأفضل لكل مستثمر في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعد الحرب في سورية وعدم الاستقرار
في كل أنحاء المشرق.
- خسائر كبرى للمسلحين التابعين لأنقرة في شمال سورية، وتقدم للجيش
السوري مدعومًا بقصف جوّي روسي، وعدم قدرة الأتراك على تأمين الإمداد لإعادة التوازن
الميداني كما حصل في جسر الشغور سابقًا، بسبب دخول العامل الروسي الذي فرض واقعًا جديدًا
على الأرض.
- تخوّف تركي من تمدد "حزب العمال الكردستاني"، الذي كان
له المساهمة الأكبر في معركة تحرير سنجار في تشرين الثاني المنصرم، ما جعله يسيطر على
البلدة ذات الاغلبية اليزيدية، وهو ما دفع الأتراك الى استباق تمدده ومحاولته ربط أقاليمه
السورية بمناطق عراقية تمهيدًا لإعلان الدولة، خصوصاً في ظل قلق مسعود البرزاني ( حليف
الأتراك) من توسّع سيطرة حزب العمال الكردستاني على حساب نفوذه في المناطق الكردية
التي شهدت مظاهرات تدعو الى رحيله والى إصلاحات اقتصادية ومكافحة الفساد للخروج من
الازمة الاقتصادية التي تفاقمت بعد انخفاض أسعار النفط.
- عدم قدرة الأتراك على إقناع الحلفاء بالسير بمشروع المنطقة
"الآمنة" وهي فعليًا ترجمة للطموح التركي باحتلال كامل المنطقة الممتدة من
ريف اللاذقية في سوريا، أو ما يطلق عليه الأتراك "جبل التركمان" وصولاً الى
تلعفر في شمال العراق، وهي منطقة قريبة من المواقع التي يتمركز فيها الجنود الأتراك
داخل العراق اليوم.
- قلق تركي من التسوية
المقبلة في سورية، وخصوصاً بعدما صدرت مواقف أميركية واوروبية تدعو الى التعاون مع
الجيش السوري، وتعيد النظر بمواقفها من الرئيس السوري بشار الاسد، بالاضافة الى أن
التصعيد الروسي ضد الأتراك قد يدفع موسكو الى دعم الأكراد في مطالبهم، كما سؤدي بالضرورة
الى التضييق على حلفاء أنقرة من المعارضين السوريين بحيث قد يواجهون بفيتو روسي على
مشاركتهم في السلطة أو في الحكومة السورية المزمع تشكيلها كمسار من مسارات الحل السياسي.
2015/12/03
كيف قَلَبَ الروس "الطعنة" التركية لمصلحتهم؟
د. ليلى نقولا
ما زالت تداعيات إسقاط الأتراك للطائرة الروسية تتفاعل يوماً بعد يوم، وتكشف عن درجة الحماقة التي ارتكبها الأتراك في التصعيد العسكري في منطقة تضج بالطائرات المقاتلة والأساطيل الحربية، والتي لا تحتاج إلى أكثر من تصعيد أو إهانة لكبرياء أحد الدول المشاركة لكي تندلع حرب عالمية لن يُعرف مداها وتطورها وكيفية انتهائها.
يراقب حلف شمالي الأطلسي بقلق وحذر التحرك الروسي في سورية، خصوصاً الانتقال من مرحلة عروض التعاون والتنسيق مع دول التحالف الأميركي ضد الإرهاب قبل إسقاط الطائرة، إلى سياسة الهجوم ومحاولة فرض نفوذ أحادي فوق سورية يصل مداه إلى 600 كلم، هو المدى الذي تصله صواريخ "أس 400"، بعد إسقاطها.
واقعياً، منذ قرارهم بالانخراط العسكري المباشر في سورية، بدأ الروس بإرسال القدرات الدفاعية الجوية المتطورة جداً، وكان أعضاء من حلف "الناتو" قد حذّروا في وقت سابق من أن قبة "A2/AD" يتمّ إنشاؤها في شرق المتوسط، وهذا يعني أن الروس يبنون ثالث قبة لهم في العالم، بعد كاليننغراد في بحر البلطيق، وسيفاستوبول (في شبه جزيرة القرم) في البحر الأسود، والتي تمّ إنشاؤها بعد ضم القرم، وأقام فيها الروس منظومة صواريخ "كروز" تغطّي كامل البحر الأسود، والآن يتم إقامة الثالثة في اللاذقية على الشاطئ السوري في البحر المتوسط، والتي أنشأ فيها الروس قاعدة جوية روسية في مطار "حميميم"، وأرسلوا الطراد الروسي "موسكو"، الذي يُلقَّب بقاتل الغواصات، ما يعني إقامة قبة روسية في المتوسط لأول مرة في التاريخ الحديث.
ويشير الخبراء العسكريون إلى أن القبة التي يبنيها الروس في المتوسط، كما القبتان السابقتان؛ تعمل على تحقيق أهداف عسكرية عدّة، أهمها اثنان:
1- السيطرة على منطقة ومنع الوصول إليها، أي أنه منذ الآن فصاعداً على حلف "الناتو" أن يحتسب أي خطوة أو تدخل عسكري له في منطقة النفوذ الروسي في سورية، بسبب "الكلفة العالية جداً"، و"المخاطر غير المقبولة" لأي تدخل أحادي لا يأخذ بعين الاعتبار التنسيق مع الروس، وهو ما تحاول أن تتحداه ألمانيا، حيث أعلنت وزارة الدفاع الألمانية أنها لن تقدّم معلومات لروسيا عن مسار تحليق مقاتلاتها التي سترسلها إلى سورية، لكن الكلام الحقيقي سيكون للميدان وليس للتصريحات غير الواقعية.
2- الحرمان من القدرة على احتلال المنطقة المشمولة بالقبة الدفاعية، وهذا يعني أن أي وجود عسكري في سورية خارج الإرادة الروسية سيكون غير ذي جدوى، ويمكن للروس تعطيله وإفشاله، ومنعه من أي تحقيق أي نتيجة فعّالة على الأرض.
وانطلاقًاً من كل هذا، يمكن فهم التحرك العسكري الأميركي في المنطقة، والذي يركّز على المنطقة التي ينشط فيها "داعش"، خصوصاً في الرقة ودير الزور، والإعلان الأميركي الأخير بأن قوةً أميركية مكلفة بمهمات استشارية ميدانية واستخباراتية، قد تصل في الأيام المقبلة إلى العراق، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدّل على أن الأميركيين يتحاشون الاصطدام بالروس في سورية، ما يعني أنه عندما تنضج مرحلة التسويات في المشرق العربي، ويقتنع "الناتو" بعدم قدرته على إزاحة النفوذ الروسي في سورية أو تحدّيه بعد اليوم، فإن المنطقة ستشهد تقاسم نفوذ أميركي - روسي مشترك.
وبناء على هذا التصور المستقبلي (والذي يحتاج إلى وقت لتبلوره)، وفي حال لم يفرض الميدان واقعاً مغايراً، نرى أن المنطقة تسير نحو تقاسم نفوذ واقعي بين الروس والأميركيين، حيث تكون سورية ساحة النفوذ الروسي في المنطقة، بينما يكون العراق ساحة النفوذ الأميركية، وتشكّل إيران "عامل التوازن" بين النفوذين، كونها اللاعب الإقليمي الأقوى في الساحتين، علماً أن المخاطر تبقى متعلقة بما يلي:
1- في حال تمّ رسم مناطق النفوذ نتيجة تفاهم أميركي - روسي، فإن المنطقة ستشهد ازدهاراً غير مسبوق، ونهضة إعمارية، وسيتخلص المشرق العربي من الإرهاب وتوابعه، وسيتمّ إضعاف الفكر المولّد له.
2- في حال فرض الميدان واقع النفوذ بدون التفاهم السياسي الأميركي - الروسي، أي في حال لم يقبل الأميركيون بما فرضه الروس من واقع ميداني لمصلحتهم في سورية، واستمروا بمقاومته، فإن منطقة لا بأس بها على جانبي الحدود بين العراق وسورية، ستكون أشبه بقندهار، حيث تتداخل فيها كل تعقيدات الصراع الإقليمي والدولي، وينتشر فيها الإرهاب، ويتعذر إنهاء الصراع فيها، كونها المتنفس الذي ستتنفس فيه كل تلك الصراعات المتفجرة في المنطقة.
لكن، إلى أن يحين أوان التسوية، وهي ليست في المدى المنظور بأي حال، فإن لسان حال الروس وحلفائهم يتعامل مع حادثة إسقاط الطائرة ضمن عنوان "ربّ ضارة نافعة".
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)