د. ليلى نقولا الرحباني
بالتزامن مع انخراط الروس عسكرياً - بشكل علني - في الحرب
الدائرة في سورية، ينوي الرئيس فلاديمير بوتين طرح مبادرة جديدة خلال اجتماع مجلس الأمن
على المستوى الوزاري الذي تترأسه روسيا في 30 من أيلول الجاري، لتشكيل جبهة موحَّدة
ضد الإرهاب، تضمّ جميع الأطرا ف الدولية والإقليمية، بما فيها تركيا ودول الخليج، إلى
جانب الدولة السورية.
السفير الروسي في لبنان؛ ألكسندر زاسبكين، تحدّث عن بعض
بنود هذه المبادرة، فحدّدها بمراحل ثلاث؛ تنص المرحلة الأولى على ضرورة توحيد جميع
الأطراف لضرب تنظيم "داعش" الإرهابي في سورية، تحضيراً للاتفاق السياسي لحل
الأزمة، بينما تؤمّن المرحلة الثانية دعوة القوى الإقليمية والدولية المؤثّرة للضغط
على المجموعات المسلحة للقبول بالحل السياسي، أما المرحلة الثالثة فتقتضي توحيد الجهود
الإقليمية والدولية لوقف تمويل المجموعات المسلّحة، ومنع عبور المسلحين عبر حدود الدول
المجاورة لسورية.
ومع انطلاق المبادرة الروسية، والحديث الأميركي والفرنسي
المستجد عن التراجع عن بند "ضرورة رحيل الأسد كمقدمة للحل السياسي"، ما هي
مؤشرات نجاح تلك المبادرة؟
بالنسبة للدول الإقليمية: بعد الخسائر التي مُنيت بها
الجبهة الجنوبية، وخوف الملك الأردني من تزايد نفوذ "الإسلاميين" في سورية،
ما قد يغريهم للإطاحة به في المملكة، يبدو أن الأردن لا يمكن أن يشكّل عقبة في وجه
الحل السياسي، ولا يمكن أن تستمر الجبهة الجنوبية في القتال في حال قرر الأميركيون
الذهاب إلى الحل السياسي.
لكن يبقى هناك إمكانية عرقلة الحل من قبل السعودية وتركيا:
السعودية: الغرق المتدحرج للسعودية في الوحول اليمنية،
والخلافات التي تنشب بين أفراد العائلة المالكة، والتقارير المالية التي تشير إلى استنزاف
موارد الخزينة السعودية - في ظل تراجع أسعار النفط - والصفقات والسمسرات والفساد والاختلاس
وكلفة الحرب على اليمن، ستجعل السعودية مجبَرة في وقت من الأوقات على الانخراط في حلف
جدي لمحاربة الإرهاب، وإلا كان الثمن باهظاً في الداخل السعودي، وعلى مستقبل المملكة
ككل.
أما بالنسبة لتركيا، فليست حال تركيا بأفضل من السعودية،
خصوصاً في ظل تنامي الحديث الغربي عن اتجاه تركي لحرب داخلية طويلة، هذا بالإضافة إلى
زيادة البطالة، وتراجع سعر صرف الليرة التركية، كما الأزمة السياسية المرتقَبة في حال
أسفرت الانتخابات عن عدم فوز حزب أردوغان بالغالبية التي تجعله يحكم منفرداً، وهو المرجَّح.
وهكذا، ما هي إلا شهور وستكون السعودية وتركيا مجبَرتان
على الانخراط في التسوية الإقليمية الكبرى، وإلا خسرتا كل شيء، لأنه عندما يحين أوان
التسوية، سيكون ممنوع على أحد عرقلتها.
أما بالنسبة للأوروبيين، وبالرغم من أن موجات اللجوء
السوري إلى أوروبا تشكّل رافداً اقتصادياً هائلاً للمجتمعات الهرمة في أوروبا، وبالرغم
من حاجة الأوروبيين إلى يد عاملة غير مدرّبة، بالإضافة إلى حاجتهم إلى الأطباء ويد
عاملة تدفع الضرائب لتنتشل صناديق الضمان من أزمتها المالية، بسبب زيادة عدد المتقاعدين،
إلا أن اندساس الإرهابيين مع موجات اللجوء إلى أوروبا يشكّل قلقاً أمنياً للأوروبيين،
يحتاجون معه إلى مزيد من المعلومات الاستخبارية والأمنية، وهذه بمعظمها بيد الجيش السوري
ومخابراته.
إذاً، هل آن أوان الحل في سورية؟
بالرغم من المؤشرات الإيجابية، إلا أن تلك المؤشرات لا
توحي بأن الأزمة في مصيرها للحل خلال وقت قصير، فالتطورات الإقليمية تحتاج إلى وقت
لكي تتبلور ضغوطاً داخلية واستراتيجية على الدول الإقليمية لتقبل بقطع الإمداد والتمويل
عن المجموعات الإرهابية، ولغاية الآن، لا يبدو الأميركيون جديّين في الذهاب نحو التسوية
الكبرى في المنطقة، ولا يبدون جديين في محاربة "داعش" التي استطاعت معها
الولايات المتحدة أن تعود إلى الساحة الشرق أوسطية من باب "الحرب على الإرهاب"
مجدداً، وإلى أن يحين الأوان، سيبقى الميدان السوري هو الحكم على التطورات المستقبلية
والموجّه لها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق