د. ليلى نقولا الرحباني
بالرغم من حماوة المعارك،
وبروز حدة الاستقطاب منذ ما يزيد على سنوات أربع على الحرب الدائرة في سورية، إلا أنه
أول مرة تبرز هذه الصراحة الروسية والوضوح وعدم المواربة في الدعم العسكري للنظام السوري،
وتتجلى في المناورات العسكرية المرتقبة، والإعلان عن وصول دفعات من الخبراء العسكريين
الروس، وغيرها من الإجراءات الميدانية في الداخل السوري، وأهمها توسيع بعض المطارات
الحربية، يضاف إليها التنسيق العسكري الروسي - الإيراني الذي تجلى في اللقاءات التي
عقدها قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني مع الرئيس فلاديمير بوتين.
هذه الإجراءات الروسية
والإيرانية الميدانية تشير بوضوح إلى أن الأزمة السورية ما زالت مصدر استقطاب دولي
وإقليمي، وأنها مستمرّة وستطول، ولكن، على المقلب الآخر، تكشف الأحداث المتسارعة في
العالم أن "اللعنة السورية" تلاحق كل من أشعل النار فيها:
1- أوروبياً:
منذ سنوات خمس، وعندما
انخرط الأوروبيون بقوة في حرب الإطاحة بالنظام السوري، كان واضحاً - منذ البداية -
أن موجات اللاجئين ستزداد، وأن أوروبا القريبة جغرافياً من الشرق الأوسط لن تسلم من
انتشار الفوضى المفتعَلة فيه، لكن الأوروبيين الطامحين إلى التخلّص من خلاياهم الإرهابية
بأقل الأثمان الإنسانية والقانونية، عمدوا إلى فتح جسر جوي للإرهابيين الذين ترعرعوا
في المجتمعات الأوروبية، ودرسوا في مدارس أوروبا وجامعاتها وتتلمذوا فيها، فقاموا بتسهيل
وصولهم إلى سورية، التي قال عنها وزير الخارجية الأميركي جون كيري يوماً عنها إنها
"مغنطيس جاذب للإرهاب".
منذ سنوات خمس، والفرنسيون
والبريطانيون يقبضون ثمن مواقفهم السورية؛ عقود استثمار وصفقات أسلحة وسواها.. ومنذ
سنوات خمس والأوروبيون يصمّون آذانهم ويغلقون أعينهم عن مآسي اللاجئين المشردين، وعن
إبادة الأقليات الدينية في الشرق، وعن صرخة اللبنانيين بأن عبء النزوح السوري بات يهدد
المجتمع والدولة اللبنانية كيانياً، ليس هذا فحسب، بل كانوا يساهمون - بالتعاون مع
المنظمات الدولية الإنسانية - بتشجيع اللاجئين على التوجّه إلى لبنان، وإغرائهم بالمال
"النقدي" وغير ذلك.
وفجأة، انقلب السحر على
الساحر، إذ تُواجه أوروبا اليوم أسوأ أزمة إنسانية في تاريخها منذ الحرب العالمية الثانية،
وباتوا عاجزين عن التعامل معها، حتى بات التشدد على الحدود ينذر بـ"ثورة"
لاجئين، ستضطر معها أوروبا إلى استعمال نفس الأساليب القمعية التي دانت في السابق استعمالها
مع المتظاهرين في العالم العربي.. وقد ينقلب السحر على الساحر بشكل أكبر، حين يصبح
الجسر الجوي معكوساً برياً، وهكذا قد يعود الإرهاب المصدّر إلى المشرق، مرتجعاً - ومع
الشكر - إلى دول الغرب.
2- إقليمياً:
أ- تسير السعودية بخطى سريعة نحو الغرق في الرمال
اليمنية المتحركة، وتشير التقارير الدولية المالية إلى أن السعودية باتت تستهلك الفائض
المالي لديها، بما يصل إلى الخط الأحمر المسموح به، ناهيك عن المشاكل الداخلية والمؤامرات
والدسائس بين أمراء المملكة أنفسهم.
ب- أما تركيا فيتنبأ لها
الغربيون أنها تسير بخطى حثيثة إلى حرب داخلية وعدم استقرار، خصوصاً إذا لم يستطع أردوغان
أن يحصل على تفويض الشعب بالحكم منفرداً في الانتخابات المقبلة. وبكل الأحوال، هبوط
الليرة بشكل حاد والأزمة الاقتصادية والاجتماعية، والبطالة المتزايدة التي يلقي الاتراك
باللوم بها على سياسة أردوغان في سورية، واستقباله اللاجئين السوريين، يشيرون إلى أن
تركيا تحتاج إلى "معجزة" لتخطّي كل هذه الأزمات السياسية والاقتصادية، والعودة
إلى ما كانت عليه من ازدهار قبل سنوات خمس.
هل هي "لعنة سورية"؟
إنها "لعنة" شعب كان يعيش في حد أدنى من الاستقرار، ولكنه كان ينشد
"الحرية" والعيش في ظل نظام شفاف بدون فساد ولا مخابرات ولا خشية أمنية،
فإذا به يصبح مخيَّراً بين الموت بالحرب، أو الموت في المتوسط، أو الموت ذليلاً في
رحلته إلى المجهول.. لعنة شعوب أصلية من سريان وأشوريين ويزيديين وكلدان.. شعوب تناقصت
حتى أصبحت أقليات، قرر الغرب المستعمر أنّ عليها أن ترحل وتترك أرض أجدادها، وتترك
وراءها تراث آلاف السنوات من الحضارة، ليدمرها برابرة العصر الحديث.. "لعنة"
مسيحيين يقال لهم يومياً: "ما لكم ولهذه الأرض، مكانكم في الغرب"، ولكنهم
يرفضون، ويتشبثون، فكيف لهم أن يتركوا مسيحهم مصلوباً وحده هنا؟ إنها "لعنة"
المشرق التي ستلاحق كل من أوقد ناراً في أرض مقدسة وطأتها أرجل الأنبياء والقديسين
والقديسات على مدى العصور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق