د. ليلى نقولا الرحباني
يعيش اللبنانيون اليوم على وقع
صوت المعارك التي لا تكاد تصل أسماعهم من القلمون السوري، والتي يبدو واضحاً أن الجيش
السوري وحزب الله يحققان نجاحات هامة عسكرياً، بالإضافة إلى الانهيار المعنوي والعسكري
في صفوف المسلحين، ناهيك عن قتال الإرهابيين بعضهم بعضاً، خصوصاً بعد البيان
"رقم واحد" الذي أعلنته "جبهة النصرة" الإرهابية باسم "جيش
الفتح"، وأعلنت فيه قتال "داعش"، بالإضافة إلى أخبار صحفية تتحدث عن
هروب المسلحين إلى جرود عرسال.
وتزامناً مع المعركة الحاصلة
في القلمون، ترتفع أصوات لبنانية داخلية للحديث عن المعركة وإدانة حزب الله، كما برز
تصريح جديد للسفير الأميركي ديفيد هيل، قال فيه إن "داعش" لم تهدد لبنان
لولا تدخّل حزب الله في سورية.
التصريحات والتطورات الحاصلة
على السلسلة الشرقية للحدود اللبنانية تفرض بعض الملاحظات الأساسية، أهمها:
1- بخصوص
التهديد "الداعشي" للبنان، يجدر التذكير بأن "داعش" التي نشأت
في العراق تحت شعار «جماعة التوحيد والجهاد» لتتحول لاحقاً إلى تنظيم «القاعدة في بلاد
الرافدين» بعد تولي "أبي مصعب الزرقاوي" قيادته في 2004 ومبايعته زعيم «القاعدة»
السابق أسامة بن لادن، ثم بعد مقتل "أبي مصعب الزرقاوي" عام 2006 في ديالي
بالعراق، تأسّس تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" في تشرين الأول 2006
بقيادة "أبي عمر البغدادي"، حتى مقتله عام 2010. ولغاية نيسان 2013 لم يكن
التنظيم يعمل علناً في سورية، ولم يكن لـ"القاعدة" في سورية سوى فرع واحد
هو "جبهة النصرة"، إلى أن أعلن "أبو بكر البغدادي" قائد تنظيم
"الدولة الإسلامية في العراق" عن دمج تنظيمه مع "جبهة النصرة"،
ليصبح "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، أو ما يطلَق عليه
"داعش"، الأمر الذي رفضته "جبهة النصرة"، وأبقت على استقلالها
تحت راية "القاعدة".
انطلاقاً من هذا السرد التاريخي
الموجز، يتبين أن "داعش" لم يكن ليستطيع تهديد لبنان أو تحييده قبل نيسان
2013، بسبب بُعده الجغرافي عنه، علماً أن انخراط حزب الله العلني في المعارك في سورية
كان في شباط 2013، وهذا إن دلّ على شيء فيدلّ على أن الحديث عن "داعش" كتنظيم
إرهابي هدّد لبنان كـ"نتيجة" لتدخل حزب الله في سورية هو أمر مشكوك فيه.
2- ويبرز
بقوة بيان "تيار المستقبل" في التصريح الأسبوعي لكتلته، لناحية أن
"مهمة حماية الحدود الشرقية والشمالية للبنان مع سورية في مواجهة المسلحين، كما
هو الحال بالنسبة لكل الحدود اللبنانية، هي مهمة الجيش اللبناني، وليست مهمة أي فريق
آخر". كلام "المستقبل" هذا هو كلام حق، ويكون منطقياً وواقعياً لو لم
تكن كتلة "المستقبل" ورئيسها فؤاد السنيورة بالذات قد منعوا التسليح عن الجيش
اللبناني، واقتطعوا من موازناته على مدى العقود المنصرمة، وحاولوا تحجيم دور الجيش
اللبناني على الحدود منذ بدء ما سُمّي "الثورة السورية"، وكان نواب
"تيار المستقبل" أنفسهم يحرّضون على الجيش ويغرقونه في حروب عبثية في الداخل،
ويحاولون إخراجه من عكار وعرسال والمناطق التي لجأ إليها الإرهابيون من سورية.
لكن الخشية أن يكون كلام
"المستقبل" هذا مقدّمة لتوريط الجيش اللبناني في معركة مقبلة في عرسال، إذ
إن هروب المسلحين الفارّين من القلمون إلى عرسال يجعل المعركة القادمة مع الجيش شبه
حتمية، مع العلم أن المعركة ستكون أصعب على الجيش اللبناني؛ بعد تجمّع أعداد كبيرة
من المسلحين في جرود عرسال من كافة المناطق المحررة من قبَل الجيش السوري وحزب الله.
والخشية الأكبر أن تكون المعركة
المؤجَّلة مع الجيش مطلوبة داخلياً إلى أن يحين أوانها بالتزامن مع معركة التمديد لقادة
الأجهزة الأمنية، لإحراج الجميع، خصوصاً التيار الوطني الحر وتكتل التغيير والإصلاح؛
بأن الوقت الآن ليس مناسباً لتغيير قادة الأجهزة في ظل الحرب المستعرة بين الجيش والإرهابيين
في عرسال.
في النهاية، لا نستطيع سوى التمني
بأن ينجي الله اللبنانيين وعرسال والجيش اللبناني من معركة يتمّ تأجيلها إلى وقت مناسب
سياسياً، فتزيد كلفتها البشرية والوطنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق