د. ليلى نقولا الرحباني
سرت أخبار عن انضمام شباب مسيحيين لبنانيين إلى تنظيم "داعش" الإرهابي، وكانت تلك الأخبار صادمة للعديد من اللبنانيين، ولأهالي هؤلاء "الانتحاريين المفترَضين"، الذين تتحدث الأخبار عن مقتل أحدهم في العراق.
وبالرغم من أن انضمام شباب لبنانيين إلى "داعش" ليست ظاهرة متفشية، وما يقوم به التنظيم يبقى مثار استهجان وغضب من جميع الفئات اللبنانية؛ المسلمة والمسيحية، باستثناء بعض البيئات المحدودة التي غلب عليها طابع الغرائز العشائرية، والتغرير الديني المحرِّف للإسلام، والحديث عن مظلومية اجتماعية ودينية، يبقى أن انضمام شبان مسيحيين إلى تنظيم إرهابي مثل "داعش" مصدر تساؤل واستهجان وبحث عن الأسباب التي تدفعهم للالتحاق بتنظيم إرهابي، ينأى المسلمون بأنفسهم عنه، ويحاولون بشتى الوسائل منعه من التغرير بأولادهم.
بداية، إن حديث بعض الأكليروس عن حصرية مسؤولية الدولة اللبنانية عن الأمر، هو أمر مثير للاستغراب. نعم، بالطبع، الدولة اللبنانية مقصِّرة تجاه مواطنيها، خصوصاً الشباب منهم، من خلال الغرق بالفساد والمحسوبية، وعدم تأمين فرص عمل، ومنع قدرة الشباب على تأمين العيش اللائق ومستقبل أفضل، لكن لو كان الأمر مرتبطًا فقط بفرص العمل والعيش بحُرية وكرامة والتمتع بحقوق الإنسان، لما وجدنا أي مواطن أوروبي أو كندي أو استرالي ينتمي إلى "داعش"، ولما وجدنا الشبان والمراهقين والمراهقات يقطعون البحار والمسافات للوصول إلى سورية للقتال إلى جانب "داعش".. لذلك فإن حصرية هذا الاتهام للدولة مسيء لأصحابه، ويشير إلى أن قائليه يريدون التملُّص من المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية للكنيسة كمؤسسة.
ثانياً، إن حديث بعض القوى السياسية عن أن "الحنق السياسي" الداخلي وكره حزب الله هو الذي أدّى إلى هذا الأمر قد يكون مثيرًا للتفكير لو لم تكشف التقارير الأمنية أن أحد الإرهابيين الذين اعتقلتهم القوى الأمنية كان بصدد تفجير كازينو لبنان ليلة رأس السنة، ما يعني أن الموضوع لا يرتبط بأي شكل من الأشكال بحنق مذهبي من هنا أو هناك، بل بالرغبة بالانتقام من المجتمع، وإحداث صدمة في الداخل اللبناني، لا علاقة لها بحزب الله ولا ببيئته ولا بتدخله في سورية، اللهم إلا إذا اعتبرنا أن الرغبة بالانتقام بتفجير الكازينو قد يكون دافعها طبقياً وليس مذهبياً، علماً أن هذا التبرير الذي تدرجه بعض الفئات المسيحية لانضمام شبان مسيحيين لـ"داعش" يدين قائليها على كل المستويات؛ الدينية والأخلاقية والوطنية و....السياسية.
ثالثاً، إن الحديث عن أسباب اقتصادية واجتماعية، وأن الفقر والتهميش وعدم الإنماء في المناطق الطرابلسية قد يكون من الأسباب المقبولة لتفسير هذه الظواهر، لكن يجب الانتباه من تبسيط الظاهرة وتسطيحها بردّها إلى هذه الأسباب فقط، بل يجب القيام بدراسات علمية بحثية وموضوعية تفتش عن الأسباب الحقيقية لظاهرة انتماء الشباب المسلم والمسيحي إلى تنظيمات تكفيرية كـ"داعش" و"النصرة" وغيرهما. على سبيل المثال، ما الذي يدفع طالب جامعي لبناني يدرس الهندسة في إحدى الجامعات الخاصة (ما يعني أنه ليس فقيراً مُعدماً)، الى تفجير نفسه في أبرياء لا ذنب لهم؟ هذا المثال يشير إلى أن الفقر ليس بالضرورة الحافز الأكيد للإرهاب.
في المحصلة، قد تتعدد الأسباب التي تدفع الشباب المسلم والمسيحي للانضمام إلى "داعش"، لكن الأكيد أن هناك شعوراً بالإحباط واليأس، وقد يكون العار الاجتماعي هو السبب وراء رغبة الشباب بالانتحار، فالشباب المغرَّر بهم يبحثون عن لعب دور بطولة ما، ينشدونه من خلال الانتحار بقتل الأبرياء، وهنا تبرز المسؤولية الدينية والأخلاقية والاجتماعية للمؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، التي بات عليها التخلي عن عليائها، والنزول إلى الناس وإلى الشباب والاستماع إلى هواجسهم، وإعطائهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم وتطلعاتهم وآمالهم، والأهم، منحهم الشعور بالانتماء.. قد يكون هذا الشعور بانتماء إلى مجموعة تفهمهم، وتقبلهم كما هم، وتتفاعل معهم، وتصغي إليهم، وتقول لهم إنهم مرغوبون، وإن إنسانيتهم وكرامتهم لا تتوقف على ما يملكون، هو المدخل الحقيقي لعودة الابن الضال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق