د. ليلى نقولا الرحباني
تضجّ أروقة الأمم المتحدة والصحافة العربية والدولية بالحديث عن إمكانية التدخُّل العسكري المصري في ليبيا، ودعوة المشير عبد الفتاح السيسي إلى استصدار قرار من مجلس الأمن لتشكيل تحالف دولي لمحاربة الإرهاب في ليبيا.
يتداخل الخطر الإرهابي "القاعدي" في ليبيا مع الخطر الذي تستشعره القاهرة من سيطرة "الإخوان المسلمين" في ليبيا على جزء كبير من البلاد واقتسامها مع قوات حفتر، الذي يحظى باعتراف دولي. وبالرغم من قول البعض إن الروايات التي تحدثت عن تشكيل ما يسمى "الجيش المصري الحر" في ليبيا - تيمُّناً بـ"الجيش السوري الحر" الذي قوّض الاستقرار في سورية - هي مجرد روايات لا صحة لها، لكن قيام المقاتلات المصرية بقصف درنة الليبية، كردّ انتقامي على قتل المصريين على يد "داعش" يشير إلى أن مصر تعتبر درنة بالتحديد مصدراً لتهديد أمنها القومي، سواء مَن يتواجد فيها من الإرهابيين هم "داعش" أو "الجيش المصري الحر".
بكل الأحوال، يبدو الطلب المصري باستصدار قرار من مجلس الأمن للتدخل في ليبيا قراراً حكيماً يشير إلى أن مصر تدرك الأخطار الناجمة عن تدخل عسكري منفرد في الأتون الليبي الملتهب، كما تدرك أنها لن تكون في نزهة في تدخلها العسكري، لأسباب عدّة أهمها:
أولاً: قد يكون التوريط المصري في ليبيا حاجة أميركية لمعاقبة الرئيس المصري على انفتاحه على روسيا، ويمكن أن يكون ذبح الأقباط ردّ سريع على زيارة بوتين إلى القاهرة، أو يهدف إلى تقويض استقرار القاهرة لإفشال المؤتمر الاقتصادي الذي سينعقد في شرم الشيخ من 13 حتى 15 آذار المقبل.
ثانياً: عدم تخلّي الغرب وأميركا بشكل نهائي عن "الإخوان المسلمين"، فعدم استصدار قرار واضح من مجلس الأمن بتشريع التدخل في ليبيا يعني أن الولايات المتحدة تعتبر التعامل مع "داعش" في ليبيا مختلف عنه في العراق، وهذا يجب أن يكبح الرغبة المصرية بالتدخل العسكري، لئلا يكون الذبح فخاً لمصر للغرق في ليبيا.
ثالثاً: لأول مرة منذ الثورة تواجه مصر أخطاراً متزايدة، وتحيط بها التهديدات من محاور عدّة؛ منها ما هو ظاهر للعيان، والبعض الآخر قد يظهر في المستقبل القريب أو المتوسط:
1- على جبهة سيناء، يواجه الجيش المصري تهديدات إرهابية متواصلة، وتمثّل جماعة "أنصار بيت المقدس" التي أعلنت الولاء لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) تهديداً كبيراً للدولة المصرية.
2- على الجبهة الداخلية، إن تبنّي "الإخوان" للعنف كوسيلة للعودة إلى السلطة، والتصدي لما سمّوه "الانقلاب"، يدفع مصر إلى مستوى غير مسبوق من الأخطار، وتفشّي الإرهاب، والضغط على الشرطة والجيش في معركة داخلية لاجتثاث الإرهاب.
3- من ناحية السودان، فبالرغم من قيام البشير بزيارة للقاهرة، والاجتماع بالمشير عبد الفتاح السيسي، والاتفاق على تهدئة الأجواء المتشنجة بين البلدين منذ الإطاحة بمحمد مرسي "الإخواني"، وهي ذات مرجعية الحكم الإسلامي في السودان، لكن تبقى الحدود السودانية عامل قلق للمصريين، بسبب النزاع التاريخي على منطقة حلايب الغنية بالنفط، والتدخل الذي يقوم به البلدان بدعم المعارضة في البلد الآخر، فضلاً عن ملفي ليبيا وسد النهضة الأثيوبي، الذي استدرك السيسي تداعياته بعدما كان مرسي قد هدد بقصفه فيما لو استمرت أثيوبيا ببنائه.
4- من ناحية البحر الأحمر، لقد عبّر المصريون صراحة أن سيطرة الحوثيين على باب المندب يعني تهديد الأمن القومي المصري، وتهديد الملاحة في البحر، وهذا قد يدفعهم إلى التدخل العسكري المباشر.
5- على الجبهة الليبية، وبالرغم من أن الخطر الأمني قد ظهر واضحاً للعيان بعد الجريمة البشعة التي ارتكبها "داعش" بقتل 21 قبطياً مصرياً، فإن الأخطار المتأتية من الجانب الليبي ليست جديدة، وما انفك السلاح يدخل إلى مصر من الحدود الليبية منذ ثورة يناير 2011 ولغاية اليوم، كما أنها ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها تهديد أو خطف أو قتل أقباط في ليبيا.
انطلاقاً مما تقدّم، هذه المحاذير يجب أن تدفع صاحب القرار المصري للتروّي في اتخاذ قرار التدخل العسكري أو عدمه، فالتدخل المصري يجب ألا يتمّ إلا كجزء من تحالف دولي أوسع لمكافحة الإرهاب في ليبيا فقط. إن التدخل المصري بهذه الشروط يعطي مصر دوراً إقليمياً في شمال أفريقيا، ويعطيها نفوذاً أوسع، خصوصاً أن مصر تقترب من تصدّر دور إقليمي في المشرق العربي، وفي القضية السورية على الأخص، وقد يكون المعبّر عنه الرسالة الإيجابية التي أرسلها السيد حسن نصرالله إلى مصر وشعبها، ما يعني أن دوراً مصرياً في الحل السياسي السوري سيكون مصدر ترحيب من محور المقاومة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق