الخميس 29/ كانون الثاني / 2015
د. ليلى نقولا الرحباني
بانعقاد المؤتمر التشاوري بين وفود من المعارضة وممثلين عن النظام السوري، يكون الروس قد ساهموا مساهمة حقيقية في بدء مسيرة الألف ميل في الحل السياسي السوري الممهِّد لتسوية تُخرج سورية من محنتها، علّها تبدأ بلملمة الجراح وإعادة الإعمار.
د. ليلى نقولا الرحباني
بانعقاد المؤتمر التشاوري بين وفود من المعارضة وممثلين عن النظام السوري، يكون الروس قد ساهموا مساهمة حقيقية في بدء مسيرة الألف ميل في الحل السياسي السوري الممهِّد لتسوية تُخرج سورية من محنتها، علّها تبدأ بلملمة الجراح وإعادة الإعمار.
يدرك الروس تماماً أن مفاتيح الحل السوري ليست بيدهم وحدهم، ولا بيَد الولايات المتحدة الأميركية والغربيين بمفردهم، بل هي مجموعة من المفاتيح، يملك كل طرف من الأطراف الدولية والإقليمية، والمحلية السورية، بعضاً منها. وبغض النظر عن نتائج هذا المؤتمر، ومدى قدرة المعارضة والسلطة على الوصول إلى وثيقة ختامية تكون نواة حقيقية للانطلاق منها لإيجاد حل - تسوية للصراع الذي دخل عامه الرابع، فإنه بصدور وثيقة أساسية جامعة للمعارضة، يكون اللقاء قد حقق نجاحاً مقبولاً.
بعكس المعلَن؛ قد يكون الهدف من اللقاء التشاوري ليس التشاور بين النظام والمعارضة والوصول إلى نقاط تلاقٍ مشتركة، بل التشاور بين المعارضين أنفسهم، والتوصُّل إلى معارضة فاعلة بديلة لـ"الائتلاف" المتهالك، وهو ما جعل الأميركيين يدفعون "الائتلاف" إلى عدم المشاركة فيه، ليس لإفشاله، بل بسبب انتهاء صلاحيته.
يقف الغربيون، والأميركيون بالتحديد، أمام معضلة "وجود معارضة سورية" مقبولة، ولها احترام لدى الشعب السوري، ويقبل النظام بمفاوضتها، وقادرة على فرض نفسها كندٍّ في المفاوضات.
لقد ظهر جلياً أن الأميركيين سئموا خلافات وبطالة مجموعات "الائتلاف السوري"، لذلك باركوا قيام القاهرة بمحاولة تشكيل هيكلية معارضة جديدة، يكون "الائتلاف" ممثلاً فيها كطرف وليس كجزء أساسي، مع إعطاء زخم إضافي وسيطرة للمجموعات الداخلية وتلك المعروفة بمعارضتها للنظام ومعارضتها للتدخل العسكري وتقسيم سورية.
وبعدما فشلت كل من تركيا والسعودية في القيام بالمهمة الموكلة إليهم بالقضاء على النظام السوري، بات الجميع ينظر اليوم إلى مصر، باعتبارها دولة محورية في العالم العربي، ويمكن للحكم الجديد فيها أن يلعب دوراً في تقريب وجهات النظر بين المعارضة السورية والنظام السوري، الذي لن يقبل وساطة أي دولة عربية ساهمت في تقويض استقرار سورية وسفك دماء الشعب السوري.
لذا، يعوّل الجميع في الشرق والغرب على نجاح المعارضة في موسكو والقاهرة في تأسيس نواة متماسكة، والاتفاق على برنامج واضح، للانطلاق منه إلى المفاوضات في المستقبل. إن هذا النجاح سيدفع الغرب إلى التعاون وبناء شراكة مع تيارات سورية معارضة تختلف عن تلك التي جنت الأموال الطائلة من خلال ابتزاز الغرب، ولم تستطع أن تضبط حياً أو شارعاً سيطرت عليه مجموعاتها المسلحة، أو تكسب ثقة المجتمع السوري، وقد قام الرئيس السوري بشار الأسد بالضرب على وتر هذه المعضلة الغربية بالذات، عندما قال في حواره مع مجلة "فورين افيرز" إنه "لن يحاور الدمى"، وهو يدرك أن الغرب محرَج بأمر المعارضة التي أسّسها وجعل منها "ممثلاً وحيداً للشعب السوري"، والتي لم تستطع الخروج من ذهنية "العاطل عن العمل"، والذي يمارس المعارضة كمهنة طال انتظارها، لا بل إن التجهيزات العسكرية والسلاح الذي تسلَّمه هؤلاء، بات إما بأيدي المجموعات الإرهابية، أو يباع في السوق السوداء لتجارة السلاح المنتشرة على الاراضي السورية والعراقية، وحتى اللبنانية، والمضحك المبكي أن مجموعات "الائتلاف السوري" ما انفكت تردد في الغرب أن الحل للتخلص من "داعش" لن يكون عسكرياً، وأن وجود "داعش" هو نتيجة للظلم التاريخي والتهميش، واستئصاله يكون فكرياً وإنمائياً، وبالتخلص من مسبباته، أي بتدخل "عسكري" يؤدي إلى احتلال سورية واقتلاع النظام.
حسناً فعلت المعارضة السورية الموجودة في موسكو بالتوصُّل إلى مسودة اتفاق تقوم على تجزئة الحل السوري، بعدما تعذّر التقدُّم من خلال الشروط التعجيزية والأوهام التي أدخلها "الائتلافيون" برؤوس الغربيين أو العكس، ومن الآن فصاعداً سيتعامل الأميركيون مع هذه المعارضة (إن استطاعت ضمان وحدتها وفعاليتها) بصفتها جزءاً من الحلّ القادم، ولو بعد حين، وليس المطلوب منها أن تكون لها سيطرة على المجموعات المسلحة، وهي التي ما انفكت ترفض العسكرة، لأن أمر المجموعات المسلحة لم يكن يوماً بيَد سورية، بل كان دائماً مرهوناً بالخارج الذي يموّلها ويستفيد منها، مع العلم أن وجود معارضة وطنية موحَّدة ودعوتها الجميع إلى إلقاء السلاح وحصره بيد الجيش السوري قد يدفع العديد من المسلحين السوريين إلى إلقائه والدخول في تسوية مع السلطات السورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق