28 / كانون الأوّل / 2014
د. ليلى نقولا الرحباني
شكّلت الانتخابات التونسية وفوز الباجي قائد السبسي بالانتخابات الرئاسية في تونس في الدورة الثانية، معلمًا أساسيًا في مسيرة التغيير التي انطلقت في العالم العربي، منذ ما يقارب الأربع سنوات، والتي حاول "الإخوان المسلمون" سرقتها والهيمنة عليها لفرض نمط اسلامي خاص بهم لا يشبه التنوع في المجتمعات العربية ولا التعايش في المنطقة الممتد منذ قرون.
واللافت أن الاعلام الغربي والكثير من مراكز التفكير الغربية، ما زالت تتحسر على تجربة الإخوان المسلمين الذين حاولوا أن يفرضوا مفاهيمهم الخاصة على المجتمعات العربية، وخاصة أن تلك المفاهيم تشبه الى حد بعيد النظرة العثمانية المتعالية التي انتفض ضدها العرب في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين فحاربوا التتريك، وقاموا بثورة عربية شاملة للتخلص من الاستبداد باسم الدين الذي فرضه العثمانيون عليهم.
عادت تونس الى العَلمانية، والتي تعني فصل الدين عن الدولة والابقاء على التدين في المجتمع. وقد يكون لفظ "العَلمانية" مثيرة لحفيظة البعض لأنها تختلط عليهم فيصفونها بالالحاد، وهي بعيدة كل البعد عن الالحاد، أو التدخل لفرض مفاهيم تلغي الدين من حياة الانسان، لذلك يميل البعض الى إعطائها وصف "الدولة المدنية" كبديل عن الدولة الدينية التي تلغي حرية الفرد في التفكير وتريد أن تفرض عليه نمطًا واحدًا من الاعتقاد والتفكير وإلا كفّرته واعتبرته مواطنًا من الدرجة الثانية.
لم تعد مقولة "الناس على دين ملوكهم" صالحة للعالم العربي في هذا الزمان، فكما تونس التي أطاحت بحكم الاخوان بالانتخابات، كذلك مصر التي انتفضت وأطاحت بحكم سهّل الاستبداد باسم الديمقراطية الدينية، وسهّل استهداف الكنائس، واستهداف الشيعة المصريين الذين تمّ سحل أحدهم لأنهم كان يمارس شعائر دينية تختلف عن السائد في المجتمع.
وهكذا، يبدو أن الثورة التي انطلقت في تونس وألهمت العالم العربي، قد تكون ملهمة له ايضًا في مسار التغيير، فتتجه الدول العربية الى تأسيس دول مدنية تقوم على مركزية الحرية، حرية الآخر المختلف في الوجود، وفي حقه في الاختلاف، فتبتعد عن التكفير، وتحترم حق كل فرد في اعتناق الدين الذي يريد، وتعترف بالتعددية وحرية الضمير، وتضمن في الآن نفسه استقلال ارادة الانسان وحريته الفردية وكرامته الانسانية ضمن التنوع.
إن المطلوب في دولنا العربية في المستقبل، أن تتخلص من الارهاب والتكفير وإدّعاء احتكار الحقيقة المطلقة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو حتى دينية. الواضح أن الزمن العربي القادم لن يقبل أن يكون إنسانه خارج العصر، أو أن يبحث في التاريخ عن وصفات مستوردة للحكم، لا تناسب تطلعات شبابه ولا أحلام أطفاله.
إن التجربة التونسية - بغض النظر عن مثاليتها- تبقى تجربة مضيئة في تجارب الحكم العربي، خاصة في فصل الدين عن الدولة، فالدين هو علاقة فردية عامودية بين الانسان وخالقه تفرض عليه التزامًا بنصوص "مقدسة" وقواعد سلوكية معينة، أما العالم الزمني فيعيشه الانسان في علاقات جماعية وفردية أفقية، تفرض عليه أنواعًا أخرى من الالتزامات وضعتها القوانين الوضعية. وهكذا فإن اختلاف الحيز الذي يُمارس فيه الديني والزمني، يفرض تمييزًا واستقلالية بين الاثنين، يعيشهما الانسان بدون مزج بينهما أو سيطرة أحدهما على الآخر
د. ليلى نقولا الرحباني
شكّلت الانتخابات التونسية وفوز الباجي قائد السبسي بالانتخابات الرئاسية في تونس في الدورة الثانية، معلمًا أساسيًا في مسيرة التغيير التي انطلقت في العالم العربي، منذ ما يقارب الأربع سنوات، والتي حاول "الإخوان المسلمون" سرقتها والهيمنة عليها لفرض نمط اسلامي خاص بهم لا يشبه التنوع في المجتمعات العربية ولا التعايش في المنطقة الممتد منذ قرون.
واللافت أن الاعلام الغربي والكثير من مراكز التفكير الغربية، ما زالت تتحسر على تجربة الإخوان المسلمين الذين حاولوا أن يفرضوا مفاهيمهم الخاصة على المجتمعات العربية، وخاصة أن تلك المفاهيم تشبه الى حد بعيد النظرة العثمانية المتعالية التي انتفض ضدها العرب في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين فحاربوا التتريك، وقاموا بثورة عربية شاملة للتخلص من الاستبداد باسم الدين الذي فرضه العثمانيون عليهم.
عادت تونس الى العَلمانية، والتي تعني فصل الدين عن الدولة والابقاء على التدين في المجتمع. وقد يكون لفظ "العَلمانية" مثيرة لحفيظة البعض لأنها تختلط عليهم فيصفونها بالالحاد، وهي بعيدة كل البعد عن الالحاد، أو التدخل لفرض مفاهيم تلغي الدين من حياة الانسان، لذلك يميل البعض الى إعطائها وصف "الدولة المدنية" كبديل عن الدولة الدينية التي تلغي حرية الفرد في التفكير وتريد أن تفرض عليه نمطًا واحدًا من الاعتقاد والتفكير وإلا كفّرته واعتبرته مواطنًا من الدرجة الثانية.
لم تعد مقولة "الناس على دين ملوكهم" صالحة للعالم العربي في هذا الزمان، فكما تونس التي أطاحت بحكم الاخوان بالانتخابات، كذلك مصر التي انتفضت وأطاحت بحكم سهّل الاستبداد باسم الديمقراطية الدينية، وسهّل استهداف الكنائس، واستهداف الشيعة المصريين الذين تمّ سحل أحدهم لأنهم كان يمارس شعائر دينية تختلف عن السائد في المجتمع.
وهكذا، يبدو أن الثورة التي انطلقت في تونس وألهمت العالم العربي، قد تكون ملهمة له ايضًا في مسار التغيير، فتتجه الدول العربية الى تأسيس دول مدنية تقوم على مركزية الحرية، حرية الآخر المختلف في الوجود، وفي حقه في الاختلاف، فتبتعد عن التكفير، وتحترم حق كل فرد في اعتناق الدين الذي يريد، وتعترف بالتعددية وحرية الضمير، وتضمن في الآن نفسه استقلال ارادة الانسان وحريته الفردية وكرامته الانسانية ضمن التنوع.
إن المطلوب في دولنا العربية في المستقبل، أن تتخلص من الارهاب والتكفير وإدّعاء احتكار الحقيقة المطلقة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو حتى دينية. الواضح أن الزمن العربي القادم لن يقبل أن يكون إنسانه خارج العصر، أو أن يبحث في التاريخ عن وصفات مستوردة للحكم، لا تناسب تطلعات شبابه ولا أحلام أطفاله.
إن التجربة التونسية - بغض النظر عن مثاليتها- تبقى تجربة مضيئة في تجارب الحكم العربي، خاصة في فصل الدين عن الدولة، فالدين هو علاقة فردية عامودية بين الانسان وخالقه تفرض عليه التزامًا بنصوص "مقدسة" وقواعد سلوكية معينة، أما العالم الزمني فيعيشه الانسان في علاقات جماعية وفردية أفقية، تفرض عليه أنواعًا أخرى من الالتزامات وضعتها القوانين الوضعية. وهكذا فإن اختلاف الحيز الذي يُمارس فيه الديني والزمني، يفرض تمييزًا واستقلالية بين الاثنين، يعيشهما الانسان بدون مزج بينهما أو سيطرة أحدهما على الآخر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق