8/ كانون الأوّل/2014
د. ليلى نقولا الرحباني
خابت التوقعات التي سادت في بداية الثورات العربية، والأمل الذي لفح الكثيرين بأن فلسطين ستكون بوصلة العالم العربي الخارج من ثورات تريد أن تنهي تاريخًا من حكم أنظمة ديكتاتورية لطالما استخدمت فلسطين - القضية لقمع شعوبها في الداخل، أو لتؤجل أو تخوّن أي حديث عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان باعتبار أن "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".
أما اليوم، وبعد مرور سنوات ثلاث على الحراك العربي، تجد القدس يتيمة، والأقصى مهدد وأرض المقدسات المسيحية والاسلامية تتعرض للتهويد، وتسابق اسرائيل الزمن وتواجه الضغوط الدولية بحزم مستمرة في بناء المستوطنات وهدم البيوت الفلسطينية ولا مَن يردعها، الى أن بدأت- في ظل انشغال عربي وصمت دولي- بخطة التهويد التي بدأت الحكومة الإسرائيلية بقوننتها من خلال قانون يحسم قومية الدولة الإسرائيلية في وصفها دولة يهودية، غير آبهة بأي اعتراض دولي أو استياء أميركي.
لا شكّ أن هذا القانون يشكّل خطرًا حقيقيًا على الشعب الفلسطيني خاصة الفلسطينيين المقيمين في الأراضي التي تعتبر اليوم - دوليًا- جزءًا من الدولة الاسرائيلية، إذ إن الدولة الاسرائيلية اليهودية القومية ما هي إلا نسخة جديدة عن دولة التمييز العنصري التي عرفتها دولة جنوب أفريقيا من قبل.
إن هذا القانون، والاتجاه الاسرائيلي، الذي تدعمه المانيا في مجلس الأمن لاعتبار الدولة الاسرائيلية دولة يهودية القومية، سيجعل من كل مواطن عربي فلسطيني في أرضه مواطنًا من الدرجة الثانية، محروم من حقوقه المدنية والسياسية، وسيجعل التمييز بين يهودي وغير يهودي عنوانًا لديمقراطية الدولة الاسرائيلية التي لطالما تغنى بها الغرب، تمهيدًا لطردهم من أراضيهم - أراضي 48- أو الضغط عليهم وتهميشهم الى أن يرحلوا بأنفسهم.
وإزاء كل هذه الأخطار، ما زال الانقسام الفلسطيني الفلسطيني يعطّل إمكانية أي تقدم أو قدرة على مواجهة اسرائيل سواء في الداخل أو في مجلس الأمن. ويبقى أن على الفلسطينيين التنبه الى خطورة المرحلة الراهنة، والعمل على تقويض المشروع الاسرائيلي الجديد وذلك من خلال ما يلي :
- تزاوج السياستين المتبعتين بدون تخوين من أحدهما للآخر، وذلك من خلال توزيع الأدوار بين مدّ اليد للمفاوضات من جهة باعتبار إن المجتمع الدولي لن يرحم الفلسطينيين في حال تخلّوا عن خيار التفاوض، ومن جهة أخرى الحفاظ على معايير القوة التي تحصّلت بفعل المقاومة المسلحة في الداخل، وهي حق مشروع كفلته المواثيق الدولية كافة.
- عدم قمع بوادر الانتفاضة الداخلية التي تظهر بوادرها في الأعمال التي يقوم بها فلسطينيو الداخل خاصة في القدس، والسماح لرياح الانتفاضة وأفكارها بالتغلغل في الضفة الغربية وعدم قمعها.
- التنبه مما يحاك للقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة وخاصة مشروع القرار الذي تقدمت به فرنسا وبريطانيا والمانيا، والذي يحدد مهلة المفاوضات بسنتين، كردٍ على مشروع أعلنت الأردن أنها ستتقدم به باسم الدول العربية، للاعتراف بالدولة الفلسطينية وإنهاء الإحتلال خلال سنتين.
وهكذا، نجد أن القضية الفلسطينية وكما في كل تاريخها، تتعرض لمؤامرات داخلية وخارجية، والأخطر على الأطلاق هو هذا الانقسام الفلسطيني الذي سيضيّع تضحيات الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، وسيضيّع دماء الشهداء التي روت على أرض فلسطين حتى فاضت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق