د. ليلى نقولا الرحباني
عرض مبعوث الأمين العام للأمم
المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا ، تجميد القتال
في بعض لإتاحة الفرصة لتقديم المساعدات الإنسانية، وقام بنشر التفاؤل من حوله، من
خلال الإعراب عن اعتقاده بأن ثمة فرصة متاحة لحل الأزمة السورية، بسبب التهديد
المشترك الذي يمثله مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية - داعش ، فضلاً عن تنامي التعب
بين الأطراف من طول مدة النزاع.
وكان جواب الرئاسة السورية على مبادرة دي ميستورا،
بأنها جديرة بالدراسة، ذكيًا، فالرئيس السوري لم يرفض ولم يقبل بشكل أكيد، فلو رفض
لإنطلقت الأصوات الدولية والاقليمية والسورية لتقول ان الرئيس السوري يرفض تجميد
القتال من أجل هدنة إنسانية، وإنه يريد الاستمرار في قتل شعبه. ولكن ما أن أعلن
أنها جديرة بالدراسة بشكل يوحي أنه قد يكون مستعدًا للقبول بها، حتى انطلقت أصوات
مسؤولي الجماعات المسلحة السورية، ومنها مسؤولي الجيش الحر، الذين وضعوا شروطًا
تعجيزية، أقل ما يقال فيها أنها منفصلة عن الواقع.
اشترط الجيش الحر، كما أعلن أحد قادته، تسليم من
أسماهم "مجرمي الحرب"، وخروج حزب الله
من سوريا، وإيقاف إلقاء
“براميل الموت” والقصف الجوي وأخيراً الافراج عن المعتقلين من سجون النظام وخاصة
النساء. وهكذا ظهر أن المعارضات
السورية والفصائل المسلحة، تمامًا كما داعميهم في لبنان، وخاصة الأمانة العامة
لقوى 14 آذار، باتت تعيش انفصالاًعن الواقع غير مسبوق، فالقوى الغربية لم تعد تعوّل على
المعارضة السورية لتحقيق أهدافها في سوريا، وما كان قبل "غزوة داعش" ليس
كما بعده.
لقد اقتنع الجميع -
تقريبًا- أن أي حلٍ عسكري غير ممكن في سوريا، وهو ما صرّح به مبعوث الرئاسة الأميركية
في التحالف الدولي ضد داعش، جون آلن، حين أكد أن "ما تريده الولايات المتحدة
الأميركية من تدريب خمسة آلاف عنصر ضمن "المعارضة المعتدلة"، ليس قتال
النظام السوري، وإنما لكي يكونوا جزءًا أساسيًا من الحل السياسي لإنهاء الحرب...
ندرّبهم لكي يعترف بهم النظام".
إنطلاقًا من هذا
الإعتراف الأميركي الصريح، لا يبدو أنه هناك أي أفق للمعارضة السورية وجماعاتها
المسلحة للاستمرار في العنجهية ورفض المبادرات، ولا يبقى لهم سوى السعي الى
مصالحات سورية سورية، بدل أن يفرض على السوريين حلول بشروط تناسب الدول الكبرى،
فتقدمهم كبش محرقة.
إن استمرار المعارضة
السورية الخارجية في شروطها التعجيزية، أو في مقاربتها غير المنطقية لتصور الحل في
سوريا، لن يؤدي إلا الى مزيد من الانهيار في الدولة السورية، ومزيد من الجراح
وتفتيت المجتمع السوري. كما إن الاحلام التي ما زال بعض المعارضين يطلقونها حول
"لبننة" الوضع السوري، والتي تعني
- بنظرهم- حلاً لمستقبل لسوريا بدون الاسد، ورعاية الوزير وليد جنبلاط لهذا
المشروع وتسويقه لدى موسكو، لا يمكن اعتبارها إلا جزءًا من "ساعات
التخلي" السورية.
إن أي حل سياسي في
سوريا، يفترض على الجميع التواضع وتقديم التنازلات، فالنظام السوري بات ملزمًا
بقبول المعارضة الداخلية الوطنية ورموزها كشركاء حقيقيين في الحكومة والسلطة،
يقومون معًا بإعداد الخطط لإعمار سوريا، ونزع السلاح، وإعادة اللاجئين، والسعي
الشامل الى المصالحات التي ستسهم ببناء سوريا الجديدة على أسس السلام والتنمية
للجميع، وإنخراط الجميع في مسيرة بناء السلام. أما المعارضة فعليها التواضع
والقبول بحل سياسي، لن يكون فيه محاكمات لرؤوس النظام كما يسوقون، وسيكون عليهم
التخلي عن تلك المشاريع والاكتفاء بما قبضوه من الغرب ثمنًا لها لغاية الآن، كما
لن يكون فيه "اجتثاث للبعث" كما حصل في العراق بعد سقوط صدام حسين، بل
سيكون حزب البعث شريكًا في الحكم، ولكن بعد تنقيته من الفساد والمفسدين الذين
اضرّوا بالنظام وبسوريا المجتمع والدولة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق