د. ليلى نقولا الرحباني
منذ منتصف شهر أيلول، تقوم طائرات التحالف الدولي ضد الارهاب بقصف مواقع داعش والنصرة في كل من سوريا والعراق، في ظل موافقة علنية من الحكومة العراقية، وقبول مضمر من قبل الدولة السورية.
بالمبدأ، واستنادًا الى القانون الدولي، يقابل قانونية الضربات العسكرية في العراق، لا قانونية الضربات العسكرية على الأراضي السورية، باعتبار ان الدول السيدة هي من تمنح الغطاء القانوني لأي تدخل عسكري على أراضيها، أما الشرعية التي يكتسبها ذلك التدخل العسكري على الصعيد الدولي، فهي تُمنح له من قبل قرارات مجلس الأمن حصرًا.
وفي تحليل قانونية وشرعية الضربات العسكرية الجوية على الأراضي السورية، نجد أن الغطاء القانوني للضربات الجوية، لم يكن واضحًا، وإن كانت الدولة السورية قد اعتمدت مبدأ "السكوت علامة الرضى"، وأعلنت أنها أعلمت بالضربات قبل حصولها، فالاعلام شيء وأخذ الموافقة المسبقة شيء آخر. أما بالنسبة للشرعية الدولية، فالضربات العسكرية - بحسب القانون الدولي - هي غير شرعية، ولو تمّت الإشارة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، الى أنها حصلت بموجب القرار 2170، لكن القرار لم ينّص على تلقائية الخيار العسكري في تطبيق مكافحة الارهاب، بل اشترط الرجوع الى مجلس الأمن لأخذ الموافقة على هذا الخيار وتحديد آلياته.
وهنا، كان التباين العلني في المواقف من الضربات الجوية لطائرات التحالف في سوريا، بين كل من دمشق وحلفائها الايرانيين والروس، فبينما أعلن الروس عدم قانونية ولا شرعية التدخل العسكري، وطالبوا بالعودة الى مجلس الأمن، باركت سوريا الضربات ولو بشكل غامض، وأعلنت استعدادها للتعاون. وفي تحليل لهذا التناقض، قد نجد ما يلي:
أولاً: أكسب السوريون الضربات الجوية على داعش ضمن اراضيهم نوعًا من الغطاء القانوني المضمر، باعلانهم أن الاميركيين أعلموهم بالضربات، ولكنهم لم يعلنوا موافقتهم العلنية، وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدل على أن الدولة السورية صاحبة السيادة تريد أن تتخلص من الخطر الارهابي على أرضها، وترحب بالمساعدة الدولية في ذلك، ولكنها في الوقت نفسه، تخشى من ان تمنح التدخل العسكري في أرضها، غطاء قانونيًـا قد يرتد عليها فيما بعد، فيما لو قام الاميركيون بخديعة وقصفوا مواقع الجيش السوري.
ثانيًا: تحاول الدولة السورية أن تظهر نفسها، ملتزمة بالقرارات الدولية حول الارهاب، وخاصة القرار 2170، الذي يمنع الدول من أن تقدم دعمًا، بأي شكل من الأشكال، للتنظيمات الارهابية وخاصة "الدولة الاسلامية - داعش" وجبهة النصرة وغيرها. وبسبب القدرة الاعلامية الفائقة القدرة، كان يمكن للأميركيين وحلفائهم، أن يظهروا للرأي العام العالمي أن الدولة السورية تمنع محاربة الارهاب والقضاء عليه، ولا تمتثل للقرارات الدولية فيما لو رفض السوريون توجيه ضربات لداعش والنصرة على أرضهم، وكانت المعارضة السورية ستتحدث عن صحة ما كانت قد أعلنته " أن داعش هي صنيعة النظام السوري" لذلك لا يريد القضاء عليها، بذريعة السيادة.
ثالثًا: يسعى السوريون الى تظهير مقولة مفادها " أن ما كانت الدولة السورية تحذّر منه وتسعى اليه، وما كانت تعتبره أولوية في مؤتمر جنيف، قد أثبت صحته، وها هو العالم يعتبر مكافحة الارهاب أولوية على تشكيل الحكومة الانتقالية في سوريا". من هنا، فإن السوريون يعتبرون أنه لا يمكنهم التخلي عن محاربة الارهاب على أرضهم، بعدما اقتنع العالم بمنطقهم وصحة توصيفهم لما يجري على ارضهم.
رابعًا: بسبب عدم الثقة بالنوايا المبيتة للأميركيين، ولأنهم كانوا قد أعلنوا مسبقًا أنهم ما زالوا مستمرين بمحاولة اسقاط الأسد، يبدو أن تباين المواقف بين السوريين وحلفائهم، هو نوع من توزيع الأدوار، فالروس والايرانيون يرسمون خطوطًا حمر لأي محاولة لتوسيع التدخل العسكري ليشمل مقرات الدولة السورية وجيشها، بينما يحاول السوريون دخول التحالف الدولي لمكافحة الارهاب من البوابة الخلفية، فيمهدون الطريق أمام أي تغيير في المواقف الأميركية، وملاقاتهم في منتصف الطريق في حال قرروا التخلي عن المجموعات السورية المسلحة، والاعتماد على الجيش السوري في فرض الاستقرار في سوريا. وهكذا يكون النظام قد حفظ نفسه، وأعاد تظهير نفسه "عامل استقرار" في المنطقة، لا بديل عنه لمكافحة الارهاب والقضاء عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق