2014/10/12

كوباني وبعدها الحسكة: تحوّل الربيع الكردي الى كابوس


د. ليلى نقولا الرحباني
كان اجتياح داعش للموصل وبعدها تهجير العراقيين من مسيحيين ويزيديين وباقي الاقليات العراقية، ثم توجهها لاجتياح مناطق الأكراد في شمال العراق، سببًا من الأسباب التي دفعت الى تأسيس تحالف دولي عريض لمكافحة الارهاب ، بحجة منع داعش من ارتكاب مجازر بحق شعوب المنطقة.
ولم تكد تمر أسابيع على اعلان التحالف وبدء ضرباته الجوية في كل من سوريا والعراق، حتى ظهر أن هذه الضربات لم تؤثر على قوة التنظيم الارهابي، لا بل تبين أن قدرته التوسعية في المنطقة قد ازدادت، واستطاع أن يحاصر كوباني الكردية في سوريا، من جهات ثلاث بينما قام الجيش التركي باطباق الحصار عليها من الجهة الرابعة.
وبدا من اللحظات الاولى، أن التحالف الدولي لن ينقذ الاكراد من مجزرة قادمة، وهو ما أعلنته الأمم المتحدة على لسان مبعوثها ستيفان دي ميستورا، الذي دعا تركيا للسماح للمقاتلين الأكراد بالعبور من تركيا الى كوباني للمساعدة أنسباءهم، وحذّر من أن آلاف الأشخاص سيذبحون، إذا سقطت كوباني في أيدي مقاتلي داعش.
ونلاحظ، أنه وبالرغم من التحذيرات المتعددة من سقوط كوباني بيد داعش، تنصّلت دول التحالف الدولي من المسؤولية في إنقاذ كوباني، وصمّت تركيا آذانها، واشترطت ايران طلبًا رسميًا سوريًا للتدخل لانقاذ المدينة من السقوط.
بالنسبة لتركيا المشاركة في حصار كوباني، فإنه من الطبيعي أن لا تتحرك لإنقاذ المدينة وسكانها، وذلك لعدة أسباب أهمها:
- تشكل كوباني إحدى المقاطعات الثلاث التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي سابقًا من ضمن الإدارة الذاتية، لذلك فإن سقوطها مطلوب تركيًا لمنع قيام هذا الحلم الكردي، وفي ذلك منفعة استراتيجية تركية، بالرغم من أن سقوطها يعني أن داعش سيجعله على الحدود مع تركيا مباشرة، ويكون قد سيطر على العديد من نطاق العبور الرئيسية بين كل من تركيا وسوريا.
- تتوسط منطقة كوباني المنطقتين الكرديتين في سوريا، أي محافظة الحسكة بمدنها القامشلي ورأس العين وعاموده ودرباسيه في الشرق، ومنطقة عفرين في الغرب، لذا فإن سقوطها يعني فصل المناطق الكردية السورية عن بعضها البعض، ويعزل محافظة الحسكة - المحافظة الثانية ذات الكثافة الكردية - ما يعني محاصرتها لتلقى نفس مصير كوباني، ويتم اضعاف الاكراد بشكل لن تقوم قائمة لهم في سوريا بعد الآن.
أما بالنسبة للنظام السوري، الذي لم تقم طائراته بقصف داعش ولم يطلب من الايرانيين مساعدة الأكراد، فيبدو أن الأمر يعود الى عدم الثقة بالأكراد السوريين أنفسهم، ولتدفيعهم ثمنًا باهظًا نتيجة للخيارات التي اتخذوها والتقلّب الذي مارسوه من بداية الحرب في سوريا ولغاية اليوم وذلك على النحو التالي:
في بداية الحرب السورية، غضّ النظام السوري، لا بلّ سهّل للأكراد إعلان الإدارة الذاتية لمناطقهم، مقابل أن يحافظوا عليها، ومنعها من السقوط بيد المجموعات المسلحة، وهذا ما حصل بالفعل. لكن، ما أن أعلن الأميركيون نيّتهم تشكيل تحالف دولي مهمته القضاء على داعش والنظام السوري معًا، حتى هرول الأكراد السوريون الى التنسيق مع "أعداء الامس" من فصائل الجيش السوري الحرّ وباقي الفصائل "الجهادية" والاعلان عن تأسيس ما أسموه "بركان الفرات" في محاولة منهم لتقديم أوراق اعتماد للأميركيين بصفتهم "المعارضة السورية المعتدلة" التي يبحث عنها الأميركيون في سوريا.
وهكذا، دفع الأكراد السوريون ثمنًا باهظًا لحلم راودهم بالاستقلال، ولوثوقهم بقدرتهم على اللعب بتوازنات دولية في منطقة قد تطاح فيها دول، فكيف بأقليات لن تُعتبر أكثر من مجرد أضرار جانبية في صراع الجبابرة في الشرق الأوسط.

2014/10/02

لماذا لم تعارض سوريا التدخل الأميركي؟

د. ليلى نقولا الرحباني
منذ منتصف شهر أيلول، تقوم طائرات التحالف الدولي ضد الارهاب بقصف مواقع داعش والنصرة في كل من سوريا والعراق، في ظل موافقة علنية من الحكومة العراقية، وقبول مضمر من قبل الدولة السورية.
بالمبدأ، واستنادًا الى القانون الدولي، يقابل قانونية الضربات العسكرية في العراق، لا قانونية الضربات العسكرية على الأراضي السورية، باعتبار ان الدول السيدة هي من تمنح الغطاء القانوني لأي تدخل عسكري على أراضيها، أما الشرعية التي يكتسبها ذلك التدخل العسكري على الصعيد الدولي، فهي تُمنح له من قبل قرارات مجلس الأمن حصرًا.
وفي تحليل قانونية وشرعية الضربات العسكرية الجوية على الأراضي السورية، نجد أن الغطاء القانوني للضربات الجوية، لم يكن واضحًا، وإن كانت الدولة السورية قد اعتمدت مبدأ "السكوت علامة الرضى"، وأعلنت أنها أعلمت بالضربات قبل حصولها، فالاعلام شيء وأخذ الموافقة المسبقة شيء آخر. أما بالنسبة للشرعية الدولية، فالضربات العسكرية - بحسب القانون الدولي - هي غير شرعية، ولو تمّت الإشارة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، الى أنها حصلت بموجب القرار 2170، لكن القرار لم ينّص على تلقائية الخيار العسكري  في تطبيق مكافحة الارهاب، بل اشترط الرجوع الى مجلس الأمن لأخذ الموافقة على هذا الخيار وتحديد آلياته.
وهنا، كان التباين العلني في المواقف من الضربات الجوية لطائرات التحالف في سوريا، بين كل من دمشق وحلفائها الايرانيين والروس، فبينما أعلن الروس عدم قانونية ولا شرعية التدخل العسكري، وطالبوا بالعودة الى مجلس الأمن، باركت سوريا الضربات ولو بشكل غامض، وأعلنت استعدادها للتعاون. وفي تحليل لهذا التناقض، قد نجد ما يلي:
أولاً: أكسب السوريون الضربات الجوية على داعش ضمن اراضيهم نوعًا من الغطاء القانوني المضمر، باعلانهم أن الاميركيين أعلموهم بالضربات، ولكنهم لم يعلنوا موافقتهم العلنية، وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدل على أن الدولة السورية صاحبة السيادة تريد أن تتخلص من الخطر الارهابي على أرضها، وترحب بالمساعدة الدولية في ذلك، ولكنها في الوقت نفسه، تخشى من ان تمنح التدخل العسكري في أرضها، غطاء قانونيًـا قد يرتد عليها فيما بعد، فيما لو قام الاميركيون بخديعة وقصفوا مواقع الجيش السوري.
ثانيًا: تحاول الدولة السورية أن تظهر نفسها، ملتزمة بالقرارات الدولية حول الارهاب، وخاصة القرار 2170، الذي يمنع الدول من أن تقدم دعمًا، بأي شكل من الأشكال، للتنظيمات الارهابية وخاصة "الدولة الاسلامية - داعش" وجبهة النصرة وغيرها. وبسبب القدرة الاعلامية الفائقة القدرة، كان يمكن للأميركيين وحلفائهم، أن يظهروا للرأي العام العالمي أن الدولة السورية تمنع محاربة الارهاب والقضاء عليه، ولا تمتثل للقرارات الدولية  فيما لو رفض السوريون توجيه ضربات لداعش والنصرة على أرضهم، وكانت المعارضة السورية ستتحدث عن صحة ما كانت قد أعلنته " أن داعش هي صنيعة النظام السوري" لذلك لا يريد القضاء عليها، بذريعة السيادة.
ثالثًا: يسعى السوريون الى تظهير مقولة مفادها " أن ما كانت الدولة السورية تحذّر منه وتسعى اليه، وما كانت تعتبره أولوية في مؤتمر جنيف، قد أثبت صحته، وها هو العالم يعتبر مكافحة الارهاب أولوية على تشكيل الحكومة الانتقالية في سوريا". من هنا، فإن السوريون يعتبرون أنه لا يمكنهم التخلي عن محاربة الارهاب على أرضهم، بعدما اقتنع العالم بمنطقهم وصحة توصيفهم لما يجري على ارضهم.
رابعًا: بسبب عدم الثقة بالنوايا المبيتة للأميركيين، ولأنهم كانوا قد أعلنوا مسبقًا أنهم ما زالوا مستمرين بمحاولة اسقاط الأسد، يبدو أن تباين المواقف بين السوريين وحلفائهم، هو نوع من توزيع الأدوار، فالروس والايرانيون يرسمون خطوطًا حمر لأي محاولة لتوسيع التدخل العسكري ليشمل مقرات الدولة السورية وجيشها، بينما يحاول السوريون دخول التحالف الدولي لمكافحة الارهاب من البوابة الخلفية، فيمهدون الطريق أمام أي تغيير في المواقف الأميركية، وملاقاتهم في منتصف الطريق في حال قرروا التخلي عن المجموعات السورية المسلحة، والاعتماد على الجيش السوري في فرض الاستقرار في سوريا. وهكذا يكون النظام قد حفظ نفسه، وأعاد تظهير نفسه "عامل استقرار" في المنطقة، لا بديل عنه لمكافحة الارهاب والقضاء عليه.