د. ليلى نقولا الرحباني
من المنتظر أن يتبدل المشهد
الاقليمي، بعد التغييرات التي طرأت على الأوضاع السياسية والأمنية والعسكرية في
العراق، وخاصة بعد تبدّل وجوه السلطة السياسية بكافة مفاصلها، وبدء الحملة
العسكرية المتعددة الأوجه على تنظيم داعش الارهابي.
ويلاحظ، أنه ولأول مرة منذ
احتلال العراق من قبل الأميركيين، يتفق العراقيون الشيعة، والسنّة، والأكراد، على
ضرورة تغير جذري في وجوه السياسة العراقية الداخلية، كما اتفقت ايران والولايات
المتحدة، والدول الخليجية والأمم المتحدة على الترحيب بتعيين رئيس جديد للوزراء من
أجل مستقبل أفضل للعراق الذي بات الانقسام فيه عاملاً مساعدًا ومسهّلاً لتقسيمه
على أسس عرقية ومذهبية.
واقعيًا، لقد استفاد تنظيم
"داعش الارهابي" ودول جوار العراق أيضًا، من الانقسامات الطائفية
والمذهبية في العراق، فلقد وقع السنّة العراقيون ومناطقهم ضحية كرههم وعدائهم
الشديد لحكومات ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق، خاصة أن من شاركوا في العملية
السياسية كممثلين عن الطائفة السنيّة، كانوا
بمعظمهم مجموعة من الوصوليين المنتفعين من السلطة، الذين استخدموا المذهبية
والطائفية لحكم العراق لمصالح شخصية أبعد ما تكون عن مصالح الجماعات الطائفية التي
يتولون الحكم باسمها أو الدفاع عنها. أما الشيعة، فقد تمّ اقصاء الغالبية العظمى
منهم لصالح "شيعية سياسية" أشبه ما تكون بالمارونية اللبنانية السياسية
التي حكمت قبل الحرب الأهلية وأدّت اليها، وهي نوع من الحكم العشائري والطائفي
المشترك، وهي وإن أطلق عليها اسم طائفي لكنها بعيدة كل البعد عن الطائفية بمعناها
الديني، فالمارونية السياسية كانت فئة من الموارنة والسنّة والشيعة الاقطاعيين
الذين حكموا البلاد لمصالحهم الخاصّة، والذين لا يعرفون من الدين الا انتماؤهم
اليه بحكم الولادة.
أما الأكراد العراقيون،
فلقد استغل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خلافات الأكراد الداخلية، ودغدغ
حلمهم التاريخي بالانفصال، ليقيم معهم علاقات اقتصادية وسياسية على حساب الحكومة
المركزية في بغداد، وعلى حساب الثروة الوطنية العراقية، وليستفيد الأتراك من السعر
المخفض للنفط العراقي، وللمساهمة في الانقسام الكردي لمحاصرة حزب العمال
الكردستاني وزعيمه عبدالله اوجلان لصالح أردوغان وسياسته الاقصائية تجاه الأكراد
في تركيا.
وأمام كل هذا الواقع
التقسيمي والتشرذمي، كانت محنة المسيحيين العراقيين وباقي الأقليات الدينية التي
عانت الأمرّين منذ دخول قوات الاحتلال الأميركي الى العراق، حيث بدأ تهجير
المسيحيين بصمت عراقي ودولي مشبوه، فرحلت الغلبية العظمى من العراقيين المسيحيين
المتواجدين في المحافظات العراقية الجنوبية وبغداد وغيرها بعد استهدافهم واستهداف
كنائسهم بالارهاب، وهاجر العراقيون المسيحيون الى اوروبا وأميركا وكندا، وقام
البعض بهجرة داخلية فتوجهوا نحو المناطق الكردية أو المحافظات العراقية المحاذية
لها، التي سرعان ما هجّرهم منها داعش، بدعم من بعض الدول الاقليمية وبسكوت مشبوه
من قبل الأطراف الأخرى.
وهكذا وعلى وقع هجوم داعش
الذي يبدو منسّقًا مع الأتراك الذين يسهّلون مرور المقاتلين من كافة أنحاء العالم
الى سوريا ومنها الى العراق للقتال، وآخرها حديث صريح لمسؤولي داعش عن قدوم آلاف
المقاتلين من كل من الشيشان والقوقاز للمشاركة في القتال ضد الجيش السوري في
الرقّة.
وهنا، وفي خضم كل هذا
المشهد الاقليمي المتبدل، تحضر أسئلة بديهية، أهمها:
- كيف يمكن لتركيا أن تفلت
بسياستها الملتبسة حيال فصائل القاعدة وتنظيم داعش لو أن هناك قرار فعلي غربي
وأميركي بالتحديد بمحاربة الإرهاب؟
- كيف يمرّ كل هؤلاء
المقاتلين من كافة أنحاء العالم، ألا يمرون عبر مطارات تركيا ومنها ينتقلون عبر
الأراضي التركية الى الحدود المشتركة مع العراق وسوريا ؟.
- كيف يمكن أن يستمر
الاوروبيون بشراء النفط المسروق من سوريا والعراق، وهم يعرفون أن عائداته تعود الى
الارهابيين وتنظيم داعش بالتحديد؟ وهل الربح الاقتصادي الاوروبي يوازي الكلفة
الأمنية لانتشار الارهاب في اوروبا؟
- كيف يتغاضى الغرب عن
المظاهرات والتحركات المقلقة لداعش و"أنصار الخلافة الاسلامية" في
بلدانهم، بحجة حقوق الانسان، خاصة وأن الدول الاوروبية تعرفهم وهي من سهّل فتح جسر
جوي لهؤلاء للقدوم الى سوريا والعراق للقتال؟
هذه الاسئلة وغيرها، تعيدنا
الى نظرية سابقة كان قد تمّ الحديث عنها عام 2007، والتي بدلت النظرة لكيفية الحرب
على الارهاب والتخلص من الارهاب، وهي تتألف من شقين: التجميع ( أي تجميع
الارهابيين في بقعة جغرافية واحدة) ثم احتواءهم وافناءهم، فهل يتم تطبيق هذه
النظرية على الساحتين العراقية والسورية، أم أن الأمر مرتبط بخطة أكبر تهدف الى
إعادة رسم المشهد الاقليمي برمته عبر البوابتين العراقية والسورية؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق