د. ليلى نقولا الرحباني
تشهد الحرب الاسرائيلية العدوانية على قطاع غزة، انتهاكات جسيمة للقانون
الدولي الانساني، بالرغم من أن اسرائيل كانت قد صادقت على "اتفاقية جنيف
الرابعة" بتاريخ 6 تموز 1951، وعلى البروتوكول الاضافي الأول الملحق
باتفاقيات جنيف في نيسان 1977، وبالرغم من أن محكمة العدل الإسرائيلية العليا في
قرارها الصادر في 30 أيار 2004 كانت قد
أقرّت رسميًا بانطباق "اتفاقية جنيف الرابعة" على الأراضي الفلسطينية
المحتلة، ما يلزمها باحترام قواعد النزاعات المسلحة وخاصة مبدأ "التمييز بين
المدنيين والمقاتلين" الذي يعدّ أحد أسس القانون الدولي الانساني.
وحتى لو لم تكن اسرائيل قد وقعت على "اتفاقية
جنيف الرابعة" الخاصة بحماية المدنيين خلال الحرب، فاسرائيل ملزمة باحترام
هذه القواعد، إذ أن قواعد القانون الدولي للنزاعات المسلحة تعتبر ذات "قيمة
عرفية"، وذلك بحسب ما قررته المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ وأكدته
لاحقاً محكمة العدل الدولية حول شرعية التهديد باستخدام أو استخدام الأسلحة النووية، وفي رأيها الاستشاري المؤرخ في
8 تموز 2004 حول النتائج القانونية لبناء جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة (فقرة89)،
وقد اعتبرتا أن هناك مبادئ في
القانون الدولي العرفي وعدد كبير من القواعد في القانون الإنساني لا يمكن تجاوزها
في النزاع المسلح، وأهمها على الاطلاق حظر استهداف المدنيين.
من
هنا، فإن ما تقوم به اسرائيل في غزة من قتل متعمد للمدنيين بدون تمييز، ومن عدم
احترام "حصانة المدنيين" غير المشاركين في القتال، ومن اعتماد سياسة
الأرض المحروقة واستخدام الاسلحة المحرمة دوليًا، بالاضافة الى العديد من
الانتهاكات الأخرى للقانون الدولي الإنساني، تعتبر جرائم حرب موصوفة، ومعظمها يرقى
- بدون شكّ- الى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، هذا ناهيك عن أن الحصار التجويعي
المفروض على غزة منذ سنوات، يعدّ من أنواع العقاب الجماعي المحظورة في القانون
الدولي، والذي قد يصل الى حدّ يمكن وصفه بالتخطيط لإبادة جماعية للشعب الفلسطيني
في غزة.
انطلاقًا
من كل ما سبق، هل يمكن محاسبة اسرائيل على كل الجرائم الدولية المرتكبة في غزة؟
بما
أن آلية المحاسبة الداخلية الاسرائيلية متعذرة، يبقى للفلسطينيين آلية المحاسبة
الدولية، وفيها ما يلي:
-
بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية، تبقى هذه الآلية متعذرة كون اسرائيل ليست طرفًا
في المحكمة، كما إن إحالة القضية من قبل مجلس الأمن - وهي الحالة الوحيدة الممكنة
لدولة غير طرف أو لم تقبل إختصاص المحكمة- تبدو متعذرة بسبب الفيتو الأميركي.
-
بالنسبة لإنشاء محكمة دولية خاصة، لمعاقبة الأشخاص المسؤولين جنائيًا عن الجرائم
المرتكبة في غزة، يتعذر أيضًا إنشاءها بسبب الفيتو في مجلس الأمن لإنشاء محكمة
خاصة Ad Hoc شبيهة بمحكمتي رواندا ويوغسلافيا السابقة، ثم عدم إمكانية قبول
اسرائيل آلية كهذه تنتهك سيادتها وتحوّل مسؤوليها الى المحاكمة لإمكانية تأسيس
محكمة مختلطة Hybrid، شبيهة بمحاكم
سيراليون وتيمور الشرقية وغيرها.
- يبقى للفلسطينيين امكانية استخدام مبدأ
"الولاية القضائية العالمية"، في إحدى المحاكم الداخلية الاوروبية التي
تسمح أنظمتها بمحاكمة جرائم دولية حتى لو لم يكن المرتكب من مواطنيها، إلا أن الحكم الذي أصدرته محكمة العدل
الدولية في 14 شباط 2002 والذي أكّدت فيه على "ضرورة الإعتداد بحصانات
المسؤولين السياسيين في مواجهة الدول الأجنبية ولو بمناسبة الجرائم الدولية
المنسوبة إليهم؛ ما دامت دولة جنسية الجاني لم تتنازل عن الحصانة التى كفلتها له
وما دامت صفته الرسمية لم تزول بعد"، بالاضافة الى الاعتبارات السياسية
الاوروبية تجاه اسرائيل، تضعف إمكانية محاسبة نتنياهو وأركان حكومته وجيشه أمام
المحاكم الاوروبية في الوقت الحاضر، ولنا في ما حصل مع تسيبي ليفني في لندن عام
2009، عبرة وتأكيد.
وهكذا، نجد أنه في الوقت الراهن قد يستطيع القادة
الاسرائيليون الافلات من العقاب، لكن هذا لا يعني أن على الفلسطينيين أن يكفّوا عن
توثيق هذه الجرائم ومحاولة استغلال أي تغيّر في موازين القوى في المستقبل من أجل
مساءلة الاسرائيليين جنائيًا عن كل الجرائم والمجازر التي حصلت وتحصل في غزة، على
مرأى من العالم أجمع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق