د. ليلى نقولا الرحباني
أطل السيد نصرالله شخصيًا في يوم القدس العالمي، هي المرّة الأولى
التي يطلّ فيها نصر الله شخصياً لمدة 55 دقيقة، بالرغم من كل التهديدات الأمنية
التي تزايدت في السنوات الأخيرة إذ أضيف الى التهديد الاسرائيلي باغتيال السيد
نصرالله، تهديدات بتفجيرات انتحارية في الضاحية الجنوبية، لم تتوقف وتيرتها منذ أن
استعر الصراع المذهبي في المنطقة، بعد الحرب في سوريا.
وكما في كل خطاب، وجه السيد
نصرالله رسائل الى العدو والصديق على حد سواء، فلم يكتفِ السيد بالرسائل القديمة
التي وجهها الى الاسرائيلي، بل أضاف اليها رسائل مستجدة وجهها الى الأصدقاء على حد
سواء:
بالنسبة للرسائل في الخطاب
والتي باتت تقريبًا معروفة، أعاد السيد نصرالله التركيز على وهن الاسرائيليين
وخوفهم وإمكانية المقاومة على هزيمتهم، وأعتبر ان استكمالهم لهذا المشروع التدميري
وهذه الحرب انتحارًا، وذكّر العالم بالانتصار الذي حققه اللبنانيون خلال عدوان
تموز 2006، من خلال ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، وحدد لفلسطين ثلاثيتها الذهبية الخاصة بها التي تتجلى بثلاثية الميدان،
الصمود الشعبي، والصمود السياسي، مجددًا العهد بدعم المقاومة الفلسطينية، بفصائلها
كافة.
أما الطارئ والمستجد في
خطاب السيد، فكان:
- إعادة البوصلة الى فلسطين
القضية المركزية، وفي هذا رسالة الى العرب الذين انشغلوا عن فلسطين بقضاياهم
الداخلية، وبعض الفلسطينيين الذين خرجوا من فلسطين الى عقيدة تحرير دمشق والقاهرة
وعمان وبغداد وتناسوا فلسطين الوطن الأم لصالح مشاريع أممية ومخططات
تقسيمية....بينما بعضهم بعضهم الآخر انخرط في مشاريع تكفيرية الغائية للآخر وبعضهم
تمّ استخدامه في عمليات انتحارية ارهابية، علمًا أن فلسطين كانت وستبقى مهد
الديانات السماوية الثلاث، ما يعني أنه لا يجب على أي فلسطيني نشأ في هذه الأرض
وشرب من مياهها، وجُبل من ترابها المقدس إلا أن يعرف انه مزيج من حضارات سماوية
عليها أن تطبعه بحس تسامح وقبول بالآخر المختلف دينيًا، طالما فيه شيء من تراب هذه
الأرض.
- بالرغم من اعلانه دعم
المقاومة الفلسطينية، إلا أن السيد نصرالله بدا واضحًا في التركيز على الشعب
الفلسطيني وليس على أحد فصائل المقاومة الفلسطينية بشكل خاص، وكان واضحًا اختلاف
الخطاب عن سابقه بخصوص "حماس"، التي كانت فيما مضى "المركز"
في خطابات السيد في حديثه عن المقاومة الفلسطينية، بينما أتى ذكرها بمعرض تعداد
الفصائل أو الحديث عن التوجه العربي أو الرغبة
بالقضاء عليها والانتهاء منها، منبهًا من سخافة الاعتقاد ان الهدف
الاسرائيلي هو القضاء على حماس وحدها دون بقية فصائل المقاومة، أو دون الشعب
الفلسطيني الصامد والمضحي وإلغاء وجوده.
_ إعادة التركيز على
المخططات الاسرائيلية البعيدة المدى، بتوطين اللاجئين في الاراضي التي تهجروا
اليها، من ضمن إلغاء الوجود الفلسطيني وإلغاء حق العودة، وإلغاء المطالبات
الفلسطينية بالأرض الفلسطينية التاريخية، وقد بيّنت أحداث ما يسمى بالربيع العربي،
أن هذه المخططات ما زالت قوية، وقد دغدغت عقول بعض الفلسطينيين الذين وُعدوا بحكم
دول أكبر وأكثر ثراء مما تبقى من فلسطين، وهو ما يحتّم إعادة التنبيه من خطورتها.
- إعادة التركيز على دور
سوريا باعتبارها كانت وستبقى الجدار المتين في وجه المشروع الصهيوني والحضن القوي للمقاومة
وللقضية الفلسطينية، وفي هذا رسائل عدّة وجهها السيد في اتجاهات عدّة:
- رسالة الى حماس، حيث ظهر
خالد مشعل قبل يومين بخطاب حدد فيه مطالب المقاومة الفلسطينية وشروطها لوقف
القتال، وكرر معزوفة بالوثوق بتركيا وقطر، ورفض المبادرة المصرية، بدون أن يتوقف
ولو لدقيقة لشكر الدول التي رعت وما زالت ترعى المقاومة الفلسطينية والتي طعنتها
حماس في الصميم، ومنها ايران وسوريا، أو بدون أن يظهر - ولو بالتلميح المبطن- أن
حماس قد ندمت على الخيانة التي قامت بها للحضن السوري الذي حضنها حين تخلى العالم
كله عنها واضطهدها.
- رسالة الى الغرب ووكلائه
من السوريين المعارضين، الذين تباهوا بأنهم سيرفعون العلم الاسرائيلي في قلب دمشق،
وبعضهم الذي اعتبر اسرائيل صديقًا، ويجب ان تنتهي الحرب السورية بوصول المعارضين
وتوقيع اتفاقية سلام مع اسرائيل.
- رسالة الى الاصدقاء
وداعمي المقاومة، بأنه بالرغم من كل الخيانات والجحود، فسوريا ستبقى على دعمها
لفلسطين، وأن خيانة حماس وجحودها لا يجب أن يختزل القضية الفلسطينية التي تبقى
البوصلة والقضية المحورية للأمة.
أما الرسالة الأخيرة
والجديدة، فهي الربط بين ما تقوم به داعش في العراق، والنفق المظلم الذي دخله
العراق، وبين المخططات الاسرائيلية،
فلطالما حلم الاسرائيليون بهدم المسجد الاقصى، ولطالما حفروا تحته، فما تقوم به
داعش اليوم من هدم المساجد والأضرحة والكنائس، في ظل سكوت عربي واسلامي، قد يغري
اسرائيل بتنفيذ مخططاتها بهد المسجد الاقصى، من خلال تحضير "الجو
النفسي" لذلك.
.