د. ليلى نقولا الرحباني- الثبات
كما كان متوقَّعاً، يحاول الإرهاب أن يتمدد في المنطقة، فها هو يضرب في لبنان وسورية والعراق، محاولاً أن يضرب اللبنانيين في صميم وجودهم وحياتهم وأمنهم، مُنهياً فترة استقرار سياسي انعكس استقراراً أمنياً، اعتقد معه اللبنانيون أنه سيطول.
وهكذا، بدأت التطورات تفرض على لبنان والمنطقة التحسُّب للعواصف المتطرّفة التي قد تقتلع مجتمعات بأكملها، وقد تغيّر وجوه دول وحدود أخرى، ولعله قد يكون من المفيد النظر إلى تطورات المنطقة بشموليتها وليس في كل بلد على حدة، فالمسيحيون على سبيل المثال لن يبقى لهم في هذه المنطقة أي وجود أو أي دور في ظل تصاعد التطرُّف الديني، واشتداد غلواء الصراع المذهبي السُّني - الشيعي، ولا حتى في الصراع السُّني السُّني الذي يزداد حدّة، والسُّنة والشيعة سيجدون أنفسهم بين فكّيْ كماشة التطرف الديني وصور نحر الأعناق، والكلام الطائفي البغيض.
وبالنظر إلى الصراع الدائر في المنطقة، يمكن لنا ملاحظة خطورة ما يلي:
أولاً: الترحيب باحتلال "داعش" أقساماً من العراق، والمسيرات المؤيدة لـ"داعش" في كل من:
أ- طرابلس - لبنان، ورفع أعلام "داعش"، علماً أن استغلال بعض المشايخ للتوقيفات التي قام بها الجيش اللبناني على خلفية الاقتتال الذي حصل في طرابلس، باتت تنذر بالقلق، خصوصاً على أبواب رمضان، وفورة الخطب النارية التي سترافقه.
ب- جنوب الأردن، وتحديداً في منطقة معان القريبة من الحدود السعودية - الأردنية، حيث يشير الخبراء إلى أن لـ"داعش" مؤيدين في المملكة، يُنتظر أن يتم تحريكهم للتخريب داخل الأردن، علماً أن عمّان لم تنسَ بعد التفجيرات الإرهابية التي قام بها "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق" عام 2005.
ثانياً: محاولة "داعش" السيطرة على معظم المعابر الحدودية بين العراق وسورية، وبين العراق والأردن، وبين العراق والمملكة العربية السعودية، فقد أعلنت تقارير صحفية أن مسلحين من تنظيم "داعش" تمكّنوا من السيطرة على معبري طريبيل والوليد الحدودييْن في محافظة الأنبار، بعد أيام من إعلان سيطرتهم على معبر القائم على الحدود العراقية - السورية، كما حاول التنظيم السيطرة على معبر عرعر الحدودي مع المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى عودة "داعش" للقتال في شمال سورية على الحدود السورية التركية.
وهكذا، يبدو أن تنظيم "داعش" يحاول تسعير الخطاب الطائفي والمذهبي ضد الشيعة، لمحاولة شدّ العصب الشعبي، محاولاً الاستفادة من التناقضات السُّنية السُّنية، ليهدّد وجود الدول السُّنية في المنطقة، والتوسّع على حسابها، علماً أن اختلاط العوامل القبلية والانقسامات الداخلية في كل من السعودية والأردن يجعل من قدرة "داعش" على التغلغل كبيرة، مستفيداً من حرمان وتهميش وإغراء الخطاب المذهبي.
كما يُلاحظ استفادة "داعش" من تراخي الدول الإقليمية الفاعلة في المنطقة، ومن مساندة مبطَّنة له من السعودية وتركيا، اللتين تنتظران التطورات لتحقيق مكاسب في العراق، وبالتالي تأمين حصة وازنة في مستقبل المنطقة، والأهم يستفيد "داعش" من "التريُّث" الأميركي في التعامل مع خطر إرهابي بهذا الحجم، ومن قرارات أوروبية بالسماح بشراء النفط المسروق من سورية، ما جعلهم يؤمّنون له التمويل اللازم لمواصلة الإرهاب.
ومن مراقبة كل هذا الحراك الدائر في المنطقة، وحركة الأطراف الإقليميين، يصح التساؤل: هل فعلاً يهدد تعاظم وجود "داعش" وتحقيق دولته الإيرانيين والشيعة بشكل عام، أم أنه يتوسع على حساب العرب السُّنة، ليُثبت دولته على أنقاض دولهم المتهالكة، التي تعاني من فقدان الشرعية، ومن تهميش بعض المجموعات وعدم تنمية مناطقها؟
واقعياً، دخلت المنطقة في مرحلة من اللا يقين، فما يحصل، والتهديد الذي يشكّله "داعش" لكل من السعودية والأردن، ومحاولته التوسع صوب حدودهما، يعيد المشهد - مع اختلاف رموزه - إلى ما يشبه أواخر العام 2010 وأوائل العام 2011، حيث انهارت الأنظمة المتحالفة مع السعودية تحت وطأة الشارع، لصالح حكم ثيوقراطي آخر، كما أن تأسيس دولة لـ"القاعدة" ليس شيئاً مستحيلاً، فقد تشهد المنطقة العربية دولة لـ"القاعدة"، شبيهة بأفغانستان التي تحوّلت يوماً إلى دولة لـ"القاعدة"، بمباركة - أو على الأقل غضّ نظر - أميركي، فهلّ يدرك المسؤولون العرب - خصوصاً السُّنة منهم - خطورة وجود دولة لـ"القاعدة" في محيطهم؟ إن ما يحصل يشي بأن معظمهم لم يتحسّس الخطر بعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق