د. ليلى نقولا الرحباني
شهدت المنطقة المحاذية للسفارة السورية في بيروت اكتظاظًا هائلاً في اليوم الذي أعلنته السفارة السورية في بيروت، يومًا لإجراء الانتخابات السورية في لبنان، ثم عادت ومددت الى اليوم التالي نتيجة الاقبال الهائل على صناديق الاقتراع، حيث تسببت الطوابير الكبيرة للناخبين المقبلين على الانتخابات بازدحام سير شديد ومشهد مهيب من البشر الزاحفين الى صندوق اقتراع.
فعليًا، تلك هي المرة الاولى التي يتآلف فيها اللبنانيون عن قرب مع الحجم الحقيقي للوجود السوري في بلدهم، وقد تكون بلدات مثل عرسال أو بلدات أخرى في البقاع وعكار، قد عرفت مدى كبر هذا الحجم، لكن باقي اللبنانيين، لم يستطيعوا أن يقدّروا مقدار الحجم الهائل الهائل التي تشكّلها أرقام المفوضية العليا للاجئين والتي تتحدث عن ما يزيد عن مليون لاجئ، بينما تتحدث أرقام الأمن العام اللبناني عن مليون وثلاثماية ألف، عدا من نزحوا بطريقة غير شرعية، أي لم يمروا عبر المعابر الرسمية بين البلدين.
وبغض النظر عن العدد الفعلي والحقيقي لأرقام اللاجئين السوريين في لبنان، فقد شكّلت التصريحات الغاضبة والداعية لترحيل السوريين، من قبل بعض القوى السياسية في 14 آذار، مفاجأة للبعض، إذ أن هؤلاء أنفسهم كانوا يكيلون الاتهامات لأخصامهم بالعنصرية، كلما تحدثوا "عن تنظيم النزوح السوري الى لبنان". وقد يكون السبب الفعلي لهذه "الصدمة الآذارية"، هو التقارير السابقة المختلفة، سواء الدولية أو البحثية الداخلية، والتي عملت عن قرب مع اللاجئين السوريين، والتي أجمعت "جميعها" على أن الغالبية العظمى من النازحين هم معارضين للنظام السوري.
وفي تقييم للمشهد السوري الزاحف الى سفارة بلاده للتصويت، وتباينه مع كل تلك التقارير السابقة، يمكن لنا إبداء السيناريوهات التالية:
السيناريو الأول: أن يكون فعلاً الغالبية العظمى من النازحين هي في الأصل معارضة للنظام السوري ولكن تبدّل الحال بعد سنوات ثلاث من الاقتتال، فكانت أسباب الزحف الى الاقتراع ما يلي:
- جزء بدّل رأيه بعدما تبيّن عدم وجود بديل مقبول للنظام السوري، وأن كل ما تعدهم به المعارضة لمستقبل سوريا هو نموذج داعش والاقتتال بين الفصائل الارهابية.
- جزء بدّل رأيه، بعد تجربة النزوح المريرة والتي دفعت السوري الذي كان يتمتع بحدّ مقبول من الأمان الاجتماعي الى هاوية الفقر والتسكع على أبواب المنظمات المانحة.
- جزء بدّل رأيه نتيجة تبدّل موازين القوى على الأرض، وسيطرة النظام السوري على أجزاء واسعة من البلاد، فخشي هؤلاء أن يتم التضحية بهم، وأن يذهبوا "فرق عملة" في صراعات الدول تمامًا كما حصل مع الجيش السوري الحر.
- جزء ذهب للاقتراع خوفًا من أعمال انتقامية مستقبلية من قبل النظام، كونه كان يوالي معارضة تتجه الى السقوط، فلماذا يربط مصيره بها؟
السيناريو الثاني: أن يكون معظم اللاجئين هم فعلاً مؤيدين للنظام السوري، ولكنهم عرفوا مقدار التسييس الذي تنطبع به المساعدات الأممية، وخشيوا من أن يكون تعبيرهم عن رأيهم الحقيقي عاملاً لحرمانهم من المساعدات، أو للتمييز بينهم وبين اللاجئين المعارضين.
وفي كلا الحالتين، ومهما تكن الأسباب التي أدّت الى تسونامي بشري انتخابي سوري في لبنان، يبقى أن طريقة معالجة ملف النازحين في لبنان لم تكن على المستوى المطلوب من الأساس، وقد طبعتها المزايدات السياسية منذ بدايتها. والأكيد اليوم، أنه لا يمكن للبنان أن يُحكم بطريقة العداء للدولة السورية، بل إن أي حكم لبناني عليه أن يكون صديقًا للنظام الذي يحكم سوريا مستقبلاً، فاليوم أكثر من أي وقت مضى، بات مصير لبنان الأمني والاقتصادي والاجتماعي بيد الدولة السورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق