2014/06/30

الانغماسيون وطرح العماد عون الجديد

د. ليلى نقولا الرحباني

من المفترض أن تحرّك مبادرة العماد ميشال عون الانقاذية، المياه السياسية الراكدة في لبنان وتخلق نوعًا من السجال الصحّي في وطن يتعرض للارهاب ولمحاولة إلغاء تتجلى في محاولة تغيير هويته وطمس دوره ورسالته، لكن الانغماسيون القدامى- كما يصفهم النائب عباس هاشم-  بدأوا الحملة السياسية بدون أن يقرأوا ما كُتب، أو لم يفقهوا ما قيل، إما لجهل أو سوء نية أو الاثنين معًا.

إن الطرح الذي طرحه العماد عون - كما العديد من الطروحات السابقة - تسجّل له أنه استبق الأحداث بوقت طويل، وحاول إخراج لبنان من أزمة كبيرة من خلال كسر المراوحة والجمود نحو خيار يكرّس الديمقراطية الحقيقية التي يفترض أن يعيشها لبنان في منطقة ملتهبة بالعنف والتكفير وخيارات الالغاء التكفيرية. وحتى لو لم يفلح الجنرال عون في إقناع الأطراف بمبادرته الانقاذية، فيكفي له شرف المحاولة لتخليص الوطن من مآسِ يستشرفها مبكرًا،  شأنه في ذلك شأن الطرح الذي طرحه في 22 تشرين الثاني 2004، حين قام بمبادرة انقاذية، دعا فيها الى مؤتمر وطني للحوار، يمهد لخروج سوري مشرّف من لبنان، يحمي لبنان وسوريا معًا من تداعيات التغييرات الاستراتيجية في المنطقة.
ولعل الأطراف نفسها التي رفضت المبادرة الحوارية آنذاك، هي نفسها التي ترفض اليوم، علمًا أن الأطراف الرافضة تلك دفعت أكثر من غيرها، ثمن الرفض والتعنت والشعور بفائض القوة ومحاولة الاستفادة من التطورات الاقليمية التي لم تأتِ لصالح أي من الأطراف الرافضة.

عام 2004، أدرك العماد عون مبكرًا أن التغييرات في المنطقة ستؤدي الى خروج الجيش السوري من لبنان، وحاول أن ينقذ لبنان الصغير من معركة شرق أوسطية ستطاله وتحاول تسخيره من خلال صراع الكبار على أرضه وبواسطة أبنائه، وهو ما حصل بالفعل، وأدى الى اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وحرب تموز 2006، وأحداث نهر البارد 2007 وهلمّ جرًا.... وكما الأمس كذلك اليوم، تعيش المنطقة ولبنان ارتدادات خطيرة نتيجة الحراك العربي، وما يحصل في سوريا منذ عام 2011، وما حصل في العراق، واعلان "دولة الخلافة الاسلامية" التكفيرية الرافضة لأي تنوع أو تعددية في هذا الشرق.

إن مواجهة ما تحاول "داعش" أن تقوم به، لا يكون بالشجب والاستنكار أو دفن الرؤوس في الرمال، فالواقع يشير الى أن لداعش مؤيدين ومناصرين على امتداد المشرق العربي، وحلم الخلافة لطالما راود الكثير من المسلمين العرب، واعلانه من "داعش" قد يدغدغ مشاعر العديد ممن يجهلون حقيقة داعش، ويعتقدون أن باستطاعة أبو بكر البغدادي أن يعيد أحلام الدولة الاسلامية التي سقطت بسقوط الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى. وفي ظل هذا الخطر التكفيري الداهم، لا يمكن تحييد لبنان عن هذا الصراع الذي سيستعر في المنطقة إلا بإعطاء المسيحيين دورهم الحقيقي والفاعل في النظام، وهو ما يجعلهم يتمسكون بلبنان ويحمونه الى جانب المسلمين من سنّة وشيعة، وفي ذلك خدمة لمسلمي المنطقة ومسيحييها على حد سواء.
إن الظلامية والتكفير التي تهدد المنطقة، وإشعال الصراع الطائفي والمذهبي على الأرض، تحتاج - قبل كل شيء- إسقاط الرسالة والدور الذي يضطلع به لبنان في هذا المشرق، الذي يعيش فيه المسيحيون والمسلمون جنبًا الى جنب بشكل طبيعي، تمامًا كما أن محاولة إنشاء الدولة اليهودية الآحادية القومية والعنصرية، تفترض حكمًا إسقاط النموذج اللبناني القائم على التعددية الدينية والسياسية.
واقعيًا، تعيش المنطقة ولبنان بالتحديد أخطر أيامها على الأطلاق، وما حكي عن تهجير للأقليات وإذكاء نار الفتنة المذهبية بين المسلمين لمئة عام تشبه المئة العام التي تطاحنت فيها اوروبا بسبب الدين، بات أمام أعيننا ونارها تشتعل في بيوتنا، فهل يستفيق اللبنانيون ويكونون قدوة للإطفائي الذي يطفئ لهيب المنطقة أم يصبون الزيت على نار الفتنة الطائفية والمذهبية فيشعلون أنفسهم والمنطقة؟ التاريخ والتجارب اللبنانية، لا تبشر بأجوبة مطمئنة. 

2014/06/29

التغيير الجيوسياسي التركي... المستحيل الذي بات معقولاً

د. ليلى نقولا الرحباني

في واحد من أهم المؤتمرات الأكاديمية الدولية، الذي عقد في اسطنبول الاسبوع الماضي، تحدث أحد الأكاديميين الأتراك شارحًا سياسة بلاده الخارجية، معتبرًا أن التدخل التركي في سوريا كان بهدف حماية المدنيين، ومعترفًا بفشل السياسات التي اختارتها بلاده لتحقيق هذا الهدف، ملقيًا اللوم على سياسة الرئيس الأميركي باراك اوباما وعدم رغبة الغرب في التورط أكثر في الصراع في سوريا.
وهكذا، يعكس ذلك الأكاديمي التركي محاولة تصوير تركيا- أردوغان لنفسها للخارج، خاصة الغرب، بأنها حريصة على الاهتمام بحقوق الانسان، وحقوق المدنيين، متغاضين عن مشاكل عدّة أوقعت تركيا نفسها فيها، نتيجة للغرور الأردوغاني وأهمها على النطاق الاقليمي ما يلي:
- فشل سياسة تركيا في سوريا، وخاصة فشل محاولات التدخل العسكري العديدة التي بدأت منذ نشوب الأزمة في سوريا، وخاصة مع انكشاف الدخول العسكري التركي المباشر في جسر الشغور، امتدادًا الى تدمير حلب وسرقة مصانعها، وتأمين منفذ لبيع النفط السوري المسروق، وأخيرًا وليس آخرًا، الهجوم على كسب وتهجير الأرمن والعلويين منها.
- تداعيات فشل السياسة التركة في سوريا على الداخل التركي نفسه، هذا ناهيك عن القلق الذي يجتاح الاتراك في المناطق الحدودية مع سوريا، بسبب تغلغل الشبكات الارهابية وانتشار المسلحين وتركها فريسة للتسيب الأمني. ولعل ما حصل مع الاتراك في القضية السورية، يشبه - الى حد ما- ما حصل مع اللبنانيين في أمرين:
أولاً: خطر الارهاب: ففي يوم من الأيام، تغنّى وزير الداخلية السابق مروان شربل، بأن القاعدة تمر في لبنان ولا تستقر، في أسخف تصريح لمسؤول سياسي على الاطلاق، فها هي القاعدة قد عششت في لبنان، وباتت ترسل انتحارييها لقتل الأبرياء، وتخطط لاغتيال مسؤوليين سياسيين وقادة أمنيين، وكما في لبنان كذكلك في تركيا، التي لن تكون بمنأى عن الارهاب، والتي يتم التعتيم في اعلامها على اعتقال العديد من الشبكات الارهابية، وعلى محاولات تفجير هنا أو هناك يتمّ احباطها.
ثانيًا: مشكلة النازحين السوريين: فكما يعاني اللبنانيون من تفاقم مشكلة النازحين السوريين، والكلفة الاقتصادية التي ترتبها على لبنان، بالاضافة الى مزاحمة اليد العاملة السورية لليد العاملة اللبنانية، يتحدث الاتراك اليوم عن نفس المشكلة، ولعل من يزور المدن التركية الكبرى اليوم وخاصة المدينة القديمة في اسطنبول، يشعر أنه مدينة عربية وليس تركية، فالباعة ينادون على بضائعهم باللغة العربية، والموظفون في المحال معظمهم سوريون، واليافطات تستخدم اللغة العربية.
- فشل السياسة التركية في العراق، فتركيا التي حاولت الابقاء على العديد من الأوراق في العراق، أهمها مع الأكراد في الشمال، ومع بعض زعماء القبائل السنية، ومع تركمان العراق، وجدت نفسها في مواجهة أعداء ثلاث على الساحتين السورية والعراقية: الحكومة العراقية والدولة السورية و"داعش".
- فشل سياسة تركيا الكردية: إذ يظهر من تطور الأحداث أن الاكراد بصدد تعزيز حكمهم الذاتي مستغلين تخلي الجيش العراقي عن كركوك، وقيام البشمركة بالسيطرة عليها، واعلان الاكراد ضمها الى منطقتهم وإنهاء مرحلة من النزاع عليها مع الحكومة المركزية في العراق استمرت سنوات. وهنا، تجد تركيا نفسها بين خيارين أحلاهما مرّ: قبول ضم كركوك لكردستان، أو تركها فريسة داعش وحكمها الشرعي التكفيري.
هذا، يضاف الى أزمات تركيا مع كل من مصر، وصراعها على تزعم العالم السنّي مع السعودية، واختلافها مع طهران حول الازمة السورية، وخشيتها من استقلال كردستان وتحفيز أكراد تركيا على الاستقلال، وتدهور العلاقات مع أميركا والغرب بعد أحداث حديقة جيزي، وتوتر علاقاتها مع اسرائيل بعد حادثة مرمرة واذلال السفير التركي في تل أبيب، والبرودة في علاقاتها مع الروس بعد ضم القرم وغيرها.
وهكذا، تخسر تركيا سياسيًأ، ولكن لا شكّ أنها تعيش مرحلة انتعاش سياحي يمكن ملاحظته بسهولة، وهو ما يمكن أن يبقي الاقتصاد التركي متماسكًا، لكن، ماذا لو قرر الارهاب الضرب في الداخل التركي؟ ليس بعيدًا أن يشهد القرن الحادي والعشرين تغييرًا جيو سياسيًا لم يستطع أن يحصل في القرن العشرين بعد الحرب العالمية الاولى.

2014/06/26

دولة داعش... تهديد لمن؟


د. ليلى نقولا الرحباني- الثبات
كما كان متوقَّعاً، يحاول الإرهاب أن يتمدد في المنطقة، فها هو يضرب في لبنان وسورية والعراق، محاولاً أن يضرب اللبنانيين في صميم وجودهم وحياتهم وأمنهم، مُنهياً فترة استقرار سياسي انعكس استقراراً أمنياً، اعتقد معه اللبنانيون أنه سيطول.

وهكذا، بدأت التطورات تفرض على لبنان والمنطقة التحسُّب للعواصف المتطرّفة التي قد تقتلع مجتمعات بأكملها، وقد تغيّر وجوه دول وحدود أخرى، ولعله قد يكون من المفيد النظر إلى تطورات المنطقة بشموليتها وليس في كل بلد على حدة، فالمسيحيون على سبيل المثال لن يبقى لهم في هذه المنطقة أي وجود أو أي دور في ظل تصاعد التطرُّف الديني، واشتداد غلواء الصراع المذهبي السُّني - الشيعي، ولا حتى في الصراع السُّني السُّني الذي يزداد حدّة، والسُّنة والشيعة سيجدون أنفسهم بين فكّيْ كماشة التطرف الديني وصور نحر الأعناق، والكلام الطائفي البغيض.

وبالنظر إلى الصراع الدائر في المنطقة، يمكن لنا ملاحظة خطورة ما يلي:

أولاً: الترحيب باحتلال "داعش" أقساماً من العراق، والمسيرات المؤيدة لـ"داعش" في كل من:

أ‌- طرابلس - لبنان، ورفع أعلام "داعش"، علماً أن استغلال بعض المشايخ للتوقيفات التي قام بها الجيش اللبناني على خلفية الاقتتال الذي حصل في طرابلس، باتت تنذر بالقلق، خصوصاً على أبواب رمضان، وفورة الخطب النارية التي سترافقه.

ب‌- جنوب الأردن، وتحديداً في منطقة معان القريبة من الحدود السعودية - الأردنية، حيث يشير الخبراء إلى أن لـ"داعش" مؤيدين في المملكة، يُنتظر أن يتم تحريكهم للتخريب داخل الأردن، علماً أن عمّان لم تنسَ بعد التفجيرات الإرهابية التي قام بها "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق" عام 2005.

ثانياً: محاولة "داعش" السيطرة على معظم المعابر الحدودية بين العراق وسورية، وبين العراق والأردن، وبين العراق والمملكة العربية السعودية، فقد أعلنت تقارير صحفية أن مسلحين من تنظيم "داعش" تمكّنوا من السيطرة على معبري طريبيل والوليد الحدودييْن في محافظة الأنبار، بعد أيام من إعلان سيطرتهم على معبر القائم على الحدود العراقية - السورية، كما حاول التنظيم السيطرة على معبر عرعر الحدودي مع المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى عودة "داعش" للقتال في شمال سورية على الحدود السورية التركية.

وهكذا، يبدو أن تنظيم "داعش" يحاول تسعير الخطاب الطائفي والمذهبي ضد الشيعة، لمحاولة شدّ العصب الشعبي، محاولاً الاستفادة من التناقضات السُّنية السُّنية، ليهدّد وجود الدول السُّنية في المنطقة، والتوسّع على حسابها، علماً أن اختلاط العوامل القبلية والانقسامات الداخلية في كل من السعودية والأردن يجعل من قدرة "داعش" على التغلغل كبيرة، مستفيداً من حرمان وتهميش وإغراء الخطاب المذهبي.

كما يُلاحظ استفادة "داعش" من تراخي الدول الإقليمية الفاعلة في المنطقة، ومن مساندة مبطَّنة له من السعودية وتركيا، اللتين تنتظران التطورات لتحقيق مكاسب في العراق، وبالتالي تأمين حصة وازنة في مستقبل المنطقة، والأهم يستفيد "داعش" من "التريُّث" الأميركي في التعامل مع خطر إرهابي بهذا الحجم، ومن قرارات أوروبية بالسماح بشراء النفط المسروق من سورية، ما جعلهم يؤمّنون له التمويل اللازم لمواصلة الإرهاب.

ومن مراقبة كل هذا الحراك الدائر في المنطقة، وحركة الأطراف الإقليميين، يصح التساؤل: هل فعلاً يهدد تعاظم وجود "داعش" وتحقيق دولته الإيرانيين والشيعة بشكل عام، أم أنه يتوسع على حساب العرب السُّنة، ليُثبت دولته على أنقاض دولهم المتهالكة، التي تعاني من فقدان الشرعية، ومن تهميش بعض المجموعات وعدم تنمية مناطقها؟

واقعياً، دخلت المنطقة في مرحلة من اللا يقين، فما يحصل، والتهديد الذي يشكّله "داعش" لكل من السعودية والأردن، ومحاولته التوسع صوب حدودهما، يعيد المشهد - مع اختلاف رموزه - إلى ما يشبه أواخر العام 2010 وأوائل العام 2011، حيث انهارت الأنظمة المتحالفة مع السعودية تحت وطأة الشارع، لصالح حكم ثيوقراطي آخر، كما أن تأسيس دولة لـ"القاعدة" ليس شيئاً مستحيلاً، فقد تشهد المنطقة العربية دولة لـ"القاعدة"، شبيهة بأفغانستان التي تحوّلت يوماً إلى دولة لـ"القاعدة"، بمباركة - أو على الأقل غضّ نظر - أميركي، فهلّ يدرك المسؤولون العرب - خصوصاً السُّنة منهم - خطورة وجود دولة لـ"القاعدة" في محيطهم؟ إن ما يحصل يشي بأن معظمهم لم يتحسّس الخطر بعد.

2014/06/12

ايران نحو المهمة الدولية الكبرى!!

د. ليلى نقولا الرحباني
قام الرئيس الإيراني حسن روحاني،بزيارة تاريخية الى تركيا، كانت مقررة في وقت سابق- أو هكذا بدا على الأقل- منعته من المشاركة في حفل تنصيب المشير عبد الفتاح السيسي في مصر واكتفى بارسال مندوب عنه الى الاحتفال المصري. ولقد كانت الزيارة الايرانية لتركيا، استكمالاً لزيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الى طهران في كانون الثاني من عام 2014، علمًا أن تصريحات روحاني وصفت الزيارة بأنها تمثل "منعطفًا تاريخيًا"، للعلاقات مع تركيا بـ "الجارة والصديقة" ذات "المكانة الخاصة" لدى ايران.
وبالرغم من التباين في المواقف من الحرب في سوريا بين تركيا وايران، إلا أن العلاقات بين البلدين لم تنقطع في أي وقت من الاوقات، علمًأ إن حركة ايران الاقليمية في آسيا الوسطى والزيارة التاريخة الى تركيا، تشير فعليًا الى "خيارات استراتيجية" كبرى اتخذتها ايران في سياستها الخارجية مع الرئيس روحاني، ومنها ما يلي:
- تركيا: الزيارات المتبادلة بين البلدين والتي تهدف الى رفع حجم التبادل التجاري بين الجانبين من مستواه الحالي البالغ 15 مليار إلى 30 مليار دولار.بالاضافة الى ايراد بند تجارة الغاز الطبيعي بين البلدين على جدول البحث بين الوفد الإيراني والمسؤولين الأتراك لجهة خفض سعر الغاز الإيراني بهدف منافسة الغاز الروسي والآذري.
- أفغانستان: تطورت العلاقات بين البلدين بعد دخول الناتو الى افغانستان واطاحة نظام طالبان، وكما في تركيا كذلك في افغانستات، حيث تربط الجارتين الافغانية والايرانية علاقات سياسية بالاضافة الى العلاقات الاقتصادية القوية. وبالرغم من أن مستوى التبادل التجاري لم يتخطَ مستوى 1 مليار دولار عام 2013، إلا أن مستوى التنسيق الامني والسياسي بين البلدين، يجعل من ايران لاعبًا قويًا  في السياسة الأفغانية، وفي التأثير على الانتخابات الأفغانية القادمة، لا بد لدول الناتو من التعاون معه، تمهيدًا للانسحاب من أفغانستان.
- آذربيجان: بعد فترة من القطيعة والاتهامات المتبادلة بين البلدين، وخشية ايران من علاقات اذربيجان الوطيدة مع الولايات المتحدة واسرائيل، واتهام آذري لطهران بتقويض الاستقرار، ودعم أرمينيا في نزاعها مع اذربيجان حول اقليم ناغورنو كاراباخ، تبدلت العلاقات بين الاثنين بعد مجيء الرئيس روحاني. كانت اللقاءات التي عقدها الايرانيون والآذريون على هامش منتدى دافوس في كانون الثاني المنصرم، مناسبة لكسر الجليد، وأدت الى قيام الرئيس الاذري بزيارة ليوم واحد الى طهران، في نيسان 2014، التقى خلالها المرشد علي خامنئي، و الرئيس روحاني وبعض المسؤولين الايرانيين، وتعهد خلالها بعدم السماح باستعمال أراضي بلاده لضرب ايران، بالاضافة الى توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية بين البلدين، والاتفاق على تطوير العلاقات الثنائية وإعادة بناء الثقة المتبادلة.
- باكستان: بالرغم من تراجع العلاقات بين ايران وباكستان في السنوات الماضية، وتراجع التبادل التجاري بين البلدين من 1.3 مليار دولار الى 400 مليون دولار فقط، أعلن السفير الباكستاني في طهران عن اتفاق تمّ بين البلدين، خلال زيارة رئيس الوزراء الباكستاني الى طهران في أيار الماضي، لرفع مستوى التبادل التجاري الى 3 مليار دولار كمرحلة اولى ثم الى 5 مليار دولار كمرحلة ثانية.
- تركمنستان: تعتبر ايران الشريك التجاري الثاني لتركمنستان بعد روسيا، وقد اعلن في شباط الماضي، خلال زيارة وزير الخارجية التركماني الى طهران، عن اتفاق بين البلدين لرفع التبادل التجاري من 5 مليار دولار الى 10 مليار دولار، وعن رغبة تركمنستان باستيراد التكنولوجيا ذات التقنية العالية من ايران.
إن ما تقدم بالاضافة الى اعلان ايران عن عن توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجال التعاون الجمركي، مع نحو 30 دولة من الأعضاء، في حركة عدم الانحياز، منها  العديد من دول آسيا الوسطى، يشير الى أن ايران تتحضر للقيام بدور استراتيجي كبير في تلك المنطقة، بالاضافة الى دورها في منطقتي الخليج والشرق الأوسط. هذه الأدوار ستتعاظم  بالتأكيد بعد توقيع الاتفاق النهائي بين ايران والدول الست حول برنامجها النووري، ما قد يجعلها تضطلع بمهمة دولية كبرى وهي: ضامن الاستقرار والتوازنات الدولية في المناطق الثلاث المذكورة أعلاه، فأين العرب من كل ذلك؟.

2014/06/04

أوراق بوتين الاستراتيجية إلى "النورماندي"

د. ليلى نقولا الرحباني - الثبات

يلتقي الرئيس فلاديمير بوتين وبعض قادة الدول الأوروبية، كهولاند وكاميرون، آخر هذا الأسبوع في فرنسا خلال المشاركة في الاحتفالات بالذكرى السبعين لإنزال النورماندي، وقد يكون هذا اللقاء مناسبة لطرح وجهات النظر بعد الأزمات المستفحلة بين روسيا والغرب على خلفية الأزمتيْن السورية والأوكرانية.

ويأتي بوتين إلى فرنسا متأبّطاً العديد من الملفات الحيوية الهامة التي يمكن أن يواجه بها خصومه خلال المحادثات، بعد أن كان الأوروبيون ومعهم الولايات المتحدة الأميركية قد اعتقدوا خطأ أن باستطاعتهم إحراج الرئيس الروسي والضغط عليه، متوهمين أن روسيا - بوتين تماثل روسيا - يالتسين، حيث قام الغرب بتطويق روسيا اقتصادياً؛ بإنهاك اقتصادها، وجغرافياً؛ باستدراج دول أوروبا الشرقية السابقة للدخول إلى الاتحاد الأوروبي، واستراتيجياً؛ بتفتيت يوغسلافيا وتأجيج الثورات الملوّنة في الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي.

وبالرغم من أن الغرب نجح إلى حد ما في سياساته السابقة، وبالرغم من أن الرئيس فلاديمير بوتين كان قد اختار التعاون مع شركائه الأوروبيين والأميركيين، إلا أنه منذ القضية الليبية واحتيال الغرب لأخذ موافقة الروس على قرار مجلس الأمن، ثم الإطاحة بمعمر القذافي والمسّ بالمصالح الروسية في شمال إفريقيا، ثم هرولة الغرب إلى محاولة الإطاحة بالنفوذ الروسي في كل من الشرق الأوسط والبلقان، فُرض على بوتين السير بسياسة هجومية - دفاعية عن مصالح روسيا الاستراتيجية في العالم، مدركاً أن ما فرضه عليه أسلافه ليس قدَراً، وأن روسيا ما زالت تملك الكثير من الأوراق الاستراتيجية القادرة على لعبها، ومن هذه الأوراق ما برز خلال الأسبوعين المنصرمين كردٍّ على العقوبات الأوروبية المفروضة على الروس، وهي ما يلي:

- ضم القرم، وما تلاها من عدم استقرار في أوكرانيا، بالإضافة إلى التهديد الروسي بقطع إمدادات الغاز عن أوكرانيا، وبالتالي عن أوروبا، التي تعيش قلقاً غير مسبوق نتيجة الأزمة، إذ من المفترض أن يتم ملء خزانات الغاز في أوكرانيا في حزيران وتموز وآب لكي يستطيع الأوروبيون أن يتحضّروا لموسم الشتاء المقبل، علماً أن ضمّ القرم، وبروز روسيا كأسد كاسر يؤدّب كل من يحاول المس بأمنه وأمن مواطنيه، هو ما دفع الرئيس الأميركي إلى محاولة طمأنة حلفائه الأوروبيين، وتأكيده في وارسو أن الالتزام الأميركي بأمن بولندا وأمن حلفائه في أوروبا الوسطى والشرقية يشكّل حجر زاوية لأمن الولايات المتحدة، وهو ثابت لا يُمسّ.

- وضع خطوط حمر صارمة في سورية، وفرضها على الأميركيين، وهو ما ظهر من خلال خطاب الرئيس باراك أوباما في أكاديمية "ويست بوينت" العسكرية.

- توقيع روسيا والصين اتفاقاً تبلغ قيمته 400 مليار دولار على مدى ثلاثين عاماً، تمد روسيا بموجبه الصين بالغاز اعتباراً من عام 2018، على أن يرتفع حجم الشحنات تدريجياً ليبلغ 38 مليار متر مكعب سنوياً، وفي هذا الاتفاق التاريخي فوائد اقتصادية هامة للبلدين، يرفع تعاونهما الاقتصادي، بعد أن كان التحالف السياسي قد فرض نفسه منذ بداية الأزمة السورية خصوصاً، حيث بدا أن البلدين يتكلمان "لغة واحدة"، بالإضافة إلى التقارير التي ذكرت الصين وروسيا بصدد إبرام صفقات تسليح جديدة، إذ تنوي وزارة الدفاع الصينية شراء عدد كبير من مقاتلات "سو-35"، ومنظومات "أس-400" للدفاع الجوي، وصواريخ جوّالة مضادة للسفن، من الروس.

- توقيع الروس مع بيلاروسيا وكازاخستان اتفاقية الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، على أن يُفتح الباب لانضمام أرمينيا وقرغيزيا في المستقبل القريب، ويُعدّ هذا الاتحاد المُنشئ حديثاً أكبر سوق موحّدة في منطقة رابطة الدول المستقلة، التي تملك إمكانات صناعية وعلمية وتكنولوجية ضخمة، وموارد طبيعية هائلة. وبموجب الاتفاقية تلتزم دول الاتحاد الجديد ضمان حرية البضائع والخدمات ورأس المال والقوة العاملة في حدود الاتحاد، وأن تعمل على تنسيق سياساتها في القطاعات الحيوية للاقتصاد، مثل الطاقة والصناعة والزراعة والنقل.

إذاً، يذهب بوتين إلى النورماندي متأبِّطاً أوراقاً استراتيجية هامة، منها الجديد ومنها القديم، في المقابل، يتأبّط الأوروبيون أوراق الفشل في سياستهم الشرق أوسطية، ودخول ليبيا في أتون حرب قاتلة، وقلقهم من تفشي الإرهاب في أوروبا وانقطاع الغاز، في ظل أزمة اقتصادية خانقة وانعدام البدائل، والأهم قلق من عودة الإرهابيين الذين تمّ تصديرهم إلى أوروبا، ولهم في مثال حادثة المتحف اليهودي في بروكسل عبرة هامة

2014/06/01

هل بات مصير لبنان بيد الدولة السورية؟

د. ليلى نقولا الرحباني

شهدت المنطقة المحاذية للسفارة السورية في بيروت اكتظاظًا هائلاً في اليوم الذي أعلنته السفارة السورية في بيروت، يومًا لإجراء الانتخابات السورية في لبنان، ثم عادت ومددت الى اليوم التالي نتيجة الاقبال الهائل على صناديق الاقتراع، حيث تسببت الطوابير الكبيرة للناخبين المقبلين على الانتخابات بازدحام سير شديد ومشهد مهيب من البشر الزاحفين الى صندوق اقتراع.

فعليًا، تلك هي المرة الاولى التي يتآلف فيها اللبنانيون عن قرب مع الحجم الحقيقي للوجود السوري في بلدهم، وقد تكون بلدات مثل عرسال أو بلدات أخرى في البقاع وعكار، قد عرفت مدى كبر هذا الحجم، لكن باقي اللبنانيين، لم يستطيعوا أن يقدّروا مقدار الحجم الهائل الهائل التي تشكّلها أرقام المفوضية العليا للاجئين والتي تتحدث عن ما يزيد عن مليون لاجئ، بينما تتحدث أرقام الأمن العام اللبناني عن مليون وثلاثماية ألف، عدا من نزحوا بطريقة غير شرعية، أي لم يمروا عبر المعابر الرسمية بين البلدين.
وبغض النظر عن العدد الفعلي والحقيقي لأرقام اللاجئين السوريين في لبنان، فقد شكّلت التصريحات الغاضبة والداعية لترحيل السوريين، من قبل بعض القوى السياسية في 14 آذار، مفاجأة للبعض، إذ أن هؤلاء أنفسهم كانوا يكيلون الاتهامات لأخصامهم بالعنصرية، كلما تحدثوا "عن تنظيم النزوح السوري الى لبنان". وقد يكون السبب الفعلي لهذه "الصدمة الآذارية"، هو التقارير السابقة المختلفة، سواء الدولية أو البحثية الداخلية، والتي عملت عن قرب مع اللاجئين السوريين، والتي أجمعت "جميعها" على أن الغالبية العظمى من النازحين هم معارضين للنظام السوري.
وفي تقييم للمشهد السوري الزاحف الى سفارة بلاده للتصويت، وتباينه مع كل تلك التقارير السابقة، يمكن لنا إبداء السيناريوهات التالية:

السيناريو الأول: أن يكون فعلاً الغالبية العظمى من النازحين هي في الأصل معارضة للنظام السوري ولكن تبدّل الحال بعد سنوات ثلاث من الاقتتال، فكانت أسباب الزحف الى الاقتراع ما يلي:
- جزء بدّل رأيه بعدما تبيّن عدم وجود بديل مقبول للنظام السوري، وأن كل ما تعدهم به المعارضة لمستقبل سوريا هو نموذج داعش والاقتتال بين الفصائل الارهابية.
- جزء بدّل رأيه، بعد تجربة النزوح المريرة والتي دفعت السوري الذي كان يتمتع بحدّ مقبول من الأمان الاجتماعي الى هاوية الفقر والتسكع على أبواب المنظمات المانحة.
- جزء بدّل رأيه نتيجة تبدّل موازين القوى على الأرض، وسيطرة النظام السوري على أجزاء واسعة من البلاد، فخشي هؤلاء أن يتم التضحية بهم، وأن يذهبوا "فرق عملة" في صراعات الدول تمامًا كما حصل مع الجيش السوري الحر.
- جزء ذهب للاقتراع خوفًا من أعمال انتقامية مستقبلية من قبل النظام، كونه كان يوالي معارضة تتجه الى السقوط، فلماذا يربط مصيره بها؟

السيناريو الثاني: أن يكون معظم اللاجئين هم فعلاً مؤيدين للنظام السوري، ولكنهم عرفوا مقدار التسييس الذي تنطبع به المساعدات الأممية، وخشيوا من أن يكون تعبيرهم عن رأيهم الحقيقي عاملاً لحرمانهم من المساعدات، أو للتمييز بينهم وبين اللاجئين المعارضين.

وفي كلا الحالتين، ومهما تكن الأسباب التي أدّت الى تسونامي بشري انتخابي سوري في لبنان، يبقى أن طريقة معالجة ملف النازحين في لبنان لم تكن على المستوى المطلوب من الأساس، وقد طبعتها المزايدات السياسية منذ بدايتها. والأكيد اليوم، أنه لا يمكن للبنان أن يُحكم بطريقة العداء للدولة السورية، بل إن أي حكم لبناني عليه أن يكون صديقًا للنظام الذي يحكم سوريا مستقبلاً، فاليوم أكثر من أي وقت مضى، بات مصير لبنان الأمني والاقتصادي والاجتماعي بيد الدولة السورية.