د. ليلى نقولا الرحباني
لا شكّ أن رئيس الجمهورية المقبل، ورغم أن الصلاحيات التي بقيت له في الطائف لم تعد تحمل الأهمية نفسها التي كانت لرئيس ما قبل الطائف، لكن يبقى أن الرئيس اللبناني بما يحمله من صفات، وبكون الدستور اللبناني جعله "حَكَماً" بين الأطراف، وبحسب قدرته وشخصيته، يستطيع أن يلعب دوراً في الوفاق بين الأطراف اللبنانية، خصوصاً في ظل الصراع المذهبي المستشري في المنطقة، والذي ينعكس على لبنان في مجالات شتى.
حُكي الكثير عن ضرورة وجود رئيس قوي في سدّة الرئاسة، بحيث اعتبر البعض أن هذا الأمر يشكّل نوعاً من الاسترجاع المسيحي للدور المفترض أن يلعبه رئيس الجمهورية في النظام، ولكن - ومع أحقية هذا الشعار - لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس "القوي" المطلوب يجب أن يكون ذا حيثية واسعة؛ مسيحية وسياسية ووطنية، وقادراً على أن يُسهم في حل الأزمات المستعصية، لا أن يديرها فحسب، فالتحديات التي تواجه لبنان في هذه الفترة غير مسبوقة في جميع المجالات، ونذكر أهمها:
- أولاً: في الصراع مع "إسرائيل": لطالما كان الصراع مع "إسرائيل" مرتبطاً بملفات وجودية عدّة، لكن الطمع "الإسرائيلي" بالجغرافيا اللبنانية تقليدياً، والتنازع معها على الحدود البرية، أضيف إليه صراع مستجد مع "إسرائيل" بعد اكتشاف النفط في البحر اللبناني، يفرض التنازع والصراع على الحدود البرية والبحرية معاً، فبالإضافة إلى الأطماع "الإسرائيلية" بمياه لبنان الممتدة منذ تأسيس الكيان "الإسرائيلي"، على الرئيس المقبل أن يتعامل مع أطماع "إسرائيلية" بالنفط اللبناني، وهو تحدٍّ يبدو أكبر من موضوع المياه.
ثانياً: مشكلة اللاجئين، فقد شهدت العهود الرئاسية السابقة منذ عقود مشاكل وتحديات جدّية فرضتها قضية اللجوء الفلسطيني في لبنان، وسعي لبناني دائم لتثبيت حق العودة للاجئين الفلسطينيين للعودة إلى أرضهم، يضاف إلى هذا التحدي القديم الدائم تحدٍّ أكبر، قوامه وجود ما يقارب المليوني نازح سوري يقطنون في مخيمات عشوائية، ويشكّلون ضغطاً غير مسبوق على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في البلاد.
ثالثاً: الدَّيْن العام، فبالإضافة إلى الدَّيْن العام المتصاعد كل سنة، تعيش البلاد أزمات اقتصادية واجتماعية وإضرابات وتظاهرات، تضاف إلى الأزمات السياسية المستفحلة، بالإضافة إلى سوء الإدارة والفساد المعشش في القطاع العام، علماً أن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية مرشَّحة لمزيد من التفاقم، خصوصاً في المناطق التي تستضيف اللاجئين السوريين، منها البقاع وعكار على سبيل المثال، وهي في الأصل مناطق تعاني من التهميش والحرمان المزمنين.
رابعاً: التحديات الأمنية التي لطالما شهدها لبنان؛ بوجود بؤر إرهابية ومناطق مستعصية على الدولة، فكيف بوجود مسلحين سوريين هربوا من المناطق السورية التي طهّرها الجيش السوري، وبعضهم استقبلتهم سابقاً بعض الجماعات المؤيدة للثورة السورية في لبنان؟!
خامساً: الخلاف السابق حول سلاح "حزب الله" وجدواه، وحول الاستراتيجية الدفاعية الأفضل لحفظ لبنان، يضاف إليه الخلاف المستجد حول دخول "حزب الله" في المعارك السورية، وما اعتبره البعض توريطاً للبنان في الحرب السورية الدائرة، والتي لا يبدو أنها ستنتهي في وقت قريب.
لكل هذه الأسباب وغيرها، يحتاج لبنان إلى رئيس قوي يعيد الاعتبار للمكوّن المسيحي في النظام، ويُسهم في تثبيت وجود مسيحيي المشرق، ويستطيع الردّ على هذه التحديات المطروحة، لمعالجتها بالتفاهم بين جميع الأطراف الداخلية، ولعل من المواصفات المطلوبة بإلحاح هي أن يكون موثوقاً به لدى المقاومة والحكم في سورية، فاليوم أكثر من أي وقت مضى يحتاج الحكم اللبناني إلى إقامة أفضل علاقات مع الدولة السورية، التي سيحتاجها للتنسيق في موضوع عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وهو موضوع إن استمر على ما هو عليه قد يؤدي إلى انهيار الدولة اللبنانية اقتصادياً، أو يمكن أن يشكّل قنبلة أمنية موقوتة لن تسلم من تشظياتها أي منطقة في لبنان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق