د. ليلى نقولا الرحباني
بدأت الانتخابات السورية في الخارج، في ظل انقسام دولي حولها؛ فقد سمحت بعض الدول للحكومة السورية إجراء الانتخابات في السفارات السورية على أراضيها، بينما رفضت معظم الدول الغربية الداعمة لـ"المعارضة السورية" إجراء الانتخابات في السفارات السورية المنتشرة على أراضيها، وكان اللافت أن فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وأميركا وأستراليا رفضت السماح بإجراء الانتخابات، علماً أنها دول لطالما تغنّت بالديمقراطية، وبحق الشعوب في تقرير مصيرها، وكانت في وقت سابق أعلنت أن إجراء هذه الانتخابات هو "مهزلة".
تتلاقى سياسة الغرب اليوم مع سياسة "داعش" الرافضة لإجراء الانتخابات السورية، فمنهم من يمنع الناخبين بسلطة القانون، ومنهم من يمنعهم بالإرهاب، علماً أن هذا الإجراء الأوروبي إن دلّ على شيء فهو يدلّ على عدم قدرة المعارضة السورية والدول الداعمة لها، بكل الحشد الإعلامي والتسويقي الذي استخدمته، على كسب أصوات السوريين المقيمين في تلك الدول، فلو كان الأمر كذلك، لسمحت للسفارات السورية بفتح أبوابها للانتخابات، وحينها لن يكون هناك نسبة مشاركة سورية اغترابية فيها، ويتأكد ما كان قد أعلنه قادة تلك الدول من أن الرئيس السوري بشار الأسد قد فقد شرعيته فعلاً.
من المؤسف أن الغرب يتعامل بعشوائية مع موضوع الحرب في سورية، ما يوحي بأن حجم المعاناة والضحايا غير ذي قيمة في التخطيط الاستراتيجي الدولي للسلام في سورية.
إن فكرة الهيئة الانتقالية التي طرحها الغرب خلال مفاوضات "جنيف 3"، لا تعني بالضرورة تقويض الهياكل المؤسسية السورية، بل بالعكس؛ تفترض الحفاظ عليها لنجاح تطبيق آليات العدالة الانتقالية في المستقبل، التي ستسمح إما بإنهاء الاقتتال، وإما الردّ على الانتهاكات المنهجية والواسعة النطاق لحقوق الإنسان التي حصلت خلال النزاع، وهو أمر أعلنت فرنسا والدول الغربية أنها في صميم اهتمامها، من خلال طرح مشروع قرار على مجلس الأمن لإحالة القضية السورية إلى المحكمة الجنائية الدولية.
إن تعزيز إمكانيات السلام والمصالحة والديمقراطية في سورية يفترض أن تقدّم الدول اعترافاً بحقوق الضحايا وتشجّع الثقة المدنية بالمؤسسات، وتقوّي سيادة القانون والديمقراطية، لذا على المجتمع الدولي تشجيع كل ما من شأنه إحلال السلام ومحاربة الإرهاب، بالإضافة إلى إدراك الدرجة العالية من التعقيد والطبيعة الديناميكية لعمليات العدالة الانتقالية، والتي تفترض قدراً مقبولاً من الشرعية السياسية للمؤسسات السياسية والعسكرية كشرط مسبق من أجل التغيير.
إن كلمة "انتقالي" بحدّ ذاتها تفيد أن هذه العمليات هي عمليات مؤقتة وغير دائمة، ومصمَّمة خصيصاً لتؤمّن جسراً بين الحاضر والمستقبل، أي الانتقال من الحرب إلى السلام، ومن الديكتاتورية إلى الديمقراطية، وبهذا الإطار، يكون الهدف الأساس إنهاء حالة الحرب، وترسيخ مفهوم الديمقراطية، ومنها تشجيع التطور الذي حصل بتحويل الانتخابات السورية من مجرد استفتاء على شخص الرئيس إلى انتخابات تعددية، مع المطالبة بمزيد من الإصلاحات التي تؤمّن التعددية السياسية والحريات العامة في البلاد.
في النتيجة، وتأسيساً على ما سبق من تطورات في النزاع السوري خلال سنوات ثلاث، سيكون المشهد في الأشهر المقبلة كما يلي: تجري الانتخابات السورية في الخارج وفي الداخل السوري، فتخرج الدول الداعمة للنظام السوري لترحّب بهذا "الحدث الديمقراطي"، وتخرج الدول الغربية لتتحدث عن "عدم شرعية" تلك الانتخابات، وتتحدث معارضة الفنادق عن تزوير شاب الانتخابات، وأن الكثير من المناطق السورية لم تشارك.. لكن في النهاية ستمرّ الأيام، ويستمر الجيش السوري في تقدُّمه الميداني، وستعود الوفود الأجنبية إلى سورية وتقدم أوراق اعتمادها إلى الرئيس السوري، ويتغنّى الغرب بقدرة الجيش السوري بالتعاون مع الجيش العراقي لمحاربة الإرهاب، وتغيب القضية السورية ومعها الجربا وزملاؤه عن أجندات الإعلام الغربي والدولي.