د. ليلى نقولا الرحباني
أعلنت دمشق رسمياً عن موعد الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في الثالث من حزيران المقبل، وذلك تطبيقاً للدستور السوري الجديد الذي تمّ تعديله، والذي حوّلها من مجرد استفتاء بالإجابة بـ"نعم" أو "لا" إلى انتخابات رئاسية تعددية، تفسح المجال أمام المرشحين للتنافس ديمقراطياً، كما هو مفترض في أي دولة حديثة.
يثير هذا الإعلان السوري عن موعد الانتخابات الرئاسية ملاحظات عدّة، منها ما يصبّ في مصلحة النظام، ومنها العكس، ونورد منها ما يلي:
أولاً: لقد انعكس التوتر في أوكرانيا، والخلاف الروسي - الأميركي حول القرم وما بعدها لمصلحة النظام السوري، وهو ما يجعله يسير نحو الانتخابات الرئاسية بثقة، ويطرح ترشّح الرئيس بشار الأسد متكلاً على دعم من حلفائه الإقليميين والدوليين. فقبل أزمة أوكرانيا كان الأميركيون يحاولون عقد صفقة مع الروس، تقضي بالاعتراف بالواقع الفعلي على الأرض والتخلي عن المعارضة السورية، مقابل الضغط على الأسد لعدم الترشّح للانتخابات الرئاسية، والاتفاق على خلَف له، ولو كان أحد من أركان حكمه.
ثانياً: يحاول النظام السوري الاستفادة إلى أقصى حد من التطورات الحاصلة في المنطقة، فالأميركيون والإيرانيون يسيرون بسرعة نحو توقيع اتفاق نووي، يريدون الانتهاء منه قبل دخول الإدارة الأميركية في فترة التحضير للانتخابات النصفية للكونغرس، والتي ستحصل في الخريف المقبل، وعليه سيبقى الملف السوري في درجة ثانية من الأهمية، أو على الأقل يبقى منفصلاً عن تلك المفاوضات، لئلا يتمّ تقويضها.
ثالثاً: يحاول النظام من خلال الإسراع بعقد الانتخابات الرئاسية، الاستفادة من الانتصارات الميدانية التي حققها بالتعاون مع حزب الله، ويعقد الآمال على أن تكون تلك الانتصارات عاملاً مساعداً لمزيد من الانتصارات، تجعله يسيطر على المدن الكبرى، مستغلاً انهيار جبهات المسلحين، والتقاتل "الوهابي" - "الإخواني" الذي يلعب لصالحه ميدانياً، وهكذا، يستطيع تمرير الانتخابات الرئاسية السورية في فترة محرجة للجميع، وفي ظل انشغال أميركي وأوروبي بملفات أوكرانيا، والملف النووي الإيراني، والتنسيق مع إيران لانسحاب الناتو من أفغانستان، والخلاف السُّني - السُّني على قيادة العالم الاسلامي.
لكن، مقابل تلك الحنكة والمقدرة على اقتناص الفرصة في الوقت الأكثر ملاءمة، يبدو أن فكر "الحرس القديم" ما زال يسيطر على تركيبة النظام السوري، ويجعله يخسر بالشكل وإعلامياً ما يربحه بالميدان والسياسة، وذلك من خلال ممارسة سياسة إقصائية للمعارضين.
إعلامياً وسياسياً، لم يكن النظام السوري موفقاً حين وضع معايير ضيقة جداً لمن يحق له الترشّح من السوريين، خصوصاً أن القانون يشترط في المرشح "ألا يكون متزوجاً من غير سورية، وأن يكون مقيماً في سورية مدة لا تقل عن 10 سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح، وألا يحمل أي جنسية أخرى غير الجنسية السورية، وألا يكون محروماً من ممارسة حق الانتخاب"، كما فرض القانون على طالب الترشيح أن يكون غير محكوم ولو "ردّ إليه اعتباره"، وأن يكون حاصلاً على تأييد خطي لترشيحه من خمسة وثلاثين عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشعب.
هذه المعايير قد تدلّ بشكل ما أن النظام السوري قد أراد منع المعارضين من الترشح، وقطع الطريق على إمكانية أحد منهم للترشح، خصوصاً أن معظم معارضي النظام السوري قد نُفُوا قسراً منذ عقود أو سنوات عدّة، وأغلبهم - إن لم يكن كلهم - قد حوكموا أمام المحاكم العسكرية واتُّهموا بـاتهامات معروفة، منها "الخيانة" أو "وهن نفسية الأمة" وغيرها.
وبما أن القوة الشعبية للرئيس بشار الأسد قد ازدادت بشكل كبير بعد التطورات الأخيرة وانتشار الإرهاب والتكفير منذ آذار 2011 ولغاية اليوم، كان من المفترض به أن يلعب الورقة الأكثر ربحاً لديه، وهي منازلة المعارضة في صناديق الاقتراع، وكسب الجولة الديمقراطية بعد كسب الجولات الميدانية، قد يبدو للبعض أن من وضَعَ تلك المعايير الضيقة جداً للترشح، أوحى بضعف النظام السوري وليس قوته، فالقوي والواثق من قدرته على الفوز لا يمنع أحداً من الترشّح، بل بالعكس؛ يفتح الباب لجميع المعارضين للترشح، ويتحداهم في أن يتمكّنوا من هزيمته شعبياً.
عملياً، قد يحقق الرئيس الأسد انتصاراً في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقد يحقق انتصارت ميدانية أيضاً، لكن هذا لا يعني أنه لا حاجة جديّة لإصلاح النظام من الداخل، أو أن الفكر الإقصائي الذي يسيطر على بعض الإدارات في سورية يمكن استمراره، فالفكر الأحادي يمكن أن يقوّض كل ما يتم بناؤه، ويلغي الشرعية عن كل ما يمكن تحقيقه والانتصار فيه في المعركة ضد الإرهاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق