د. ليلى نقولا الرحباني
تشي الأخبار المتضاربة حول سير المعارك في ريف اللاذقية، وانتشار صور
المسلحين على الانترنت أنه يُراد لهذه المعركة في اللاذقية- مركز الثقل الأساسي
للنظام السوري- أن تؤسس لواقع جديد في الحرب السورية، يمتد الى المشهد الاقليمي برمّته،
ويوّجه رسائل في اتجاهات عدّة، ويمكن ابراز بعض مؤشراتها:
أولاً: إن الأخبار التي سرت عن تحالف الأضداد في هذا الهجوم، والتنسيق بين
المجموعات المسلحة التابعة للسعودية وتلك التابعة لتركيا، يشير بما لا يقبل الشكّ
أن القائد الفعلي الذي يحرّك هذا الهجوم هو الأميركي بنفسه لأنه الوحيد القادر على
فرض التنسيق بين مجموعات مسلّحة تكفّر بعضها البعض، وقتلت بعضها البعض في معارك
عدّة في سوريا.
وقد تكون الأهداف الأميركية من هذا الهجوم متعددة، منها:
أ- توجيه رسالة مباشرة الى الروس في منطقة نفوذهم»
الأساسية في سوريا وعلى مقربة من قاعدتهم العسكرية البحرية في طرطوس بأن ما كسبوه
بسهولة في قاعدتهم العسكرية البحرية الأخرى في القرم لن يمرّ بسهولة في سوريا.
ب- التعويض عن الخسائر التي منيت بها المجموعات المسلحة على الحدود
اللبنانية السورية، ورفع معنوياتهم بعد انتشار تقارير تتحدث عن هجرة معاكسة
للمجاهدين القادمين من الخارج.
ج- الحاجة الى انتصار ميداني يوظّف اعلاميًا على أبواب زيارة اوباما الى
المنطقة ولقائه الملك السعودي في أواخر الشهر الحالي، في ظل حاجة الأميركيين
لإبراز فائض قوة ما في منطقة باتت تتفلت من أيديهم وتنتقد السياسة الأميركية علنًا،
ومن هؤلاء بعض الدول الحليفة للأميركيين كأفغانستان على سبيل المثال حيث أعلن
الرئيس الأفغاني حامد كرزاي تأييد بلاده لانفصال القرم عن اوكرانيا في تحدٍ واضح
للسياسة الأميركية ولحلف الناتو المتواجد في بلاده.
ثانيًا: إن الدخول التركي العلني على خط المعارك الدائرة على حدودهم،
وإسقاط الاتراك لطائرة سورية تبيّن أنها كانت ضمن الحدود السورية وليس التركية،
كما قيام القوات التركية بقصف مواقع عدّة في الداخل السوري، وتأمين غطاء ناري
للمسلحين، ثم توقف التدخل العسكري التركي فجأة في اليوم التالي يشير الى أن
تهديدات دولية قد تعرض لها الجانب التركي، وقد تكون قد أتت من الاسطول الروسي
بالذات في ظل أنباء عن قيام سفن حربية روسية متموضعة قبالة شاطئ طرطوس بالتحرك نحو
الحدود التركية السورية قبالة اللاذقية، وهو ما قد يكون قد أدّى الى إعادة التركي
الى صوابه. علمًا أن حزب العدالة والتنمية كان بأمسّ الحاجة الى ذلك التصعيد على
الحدود مع سوريا، عشية الانتخابات المحلية لحرف الانظار عن الأوضاع الداخلية والتدهور
في التأييد الشعبي الذي يعاني منه لأول مرة منذ عام 2002، بسبب السياسات التي
اتبعها أردوغان في الداخل والمشاريع الاقليمية التي دخل فيها وخسر خسارة مدوية.
كما يكتسب الدخول التركي في تلك المعركة طابعًا مذهبيًا وطائفيًا، فالمنطقة
التي يحاول أردوغان السيطرة عليها فيها مزيج من العلويين والمسيحيين وخاصة الأرمن
الذين تمّ تهجيرهم قسريًا من تركيا الى سوريا ولبنان، بعد المذابح التي قام بها
العثمانيون بحق أجدادهم، وقد يكون اردوغان بتعصبه الطائفي قد أراد أن ينتقم من
الأرمن القاطنين في تلك المناطق وخاصة في منطقة كسب الحدودية، انتقامًا مزدوجًا؛
الأول لأنه يتهم الأرمن القدامى بالتمرد على أجداده، والثانية للانتقام من الأجيال
الأرمنية الجديدة التي شوّهت صورة تركيا في العالم خاصة بعد نجاحها في كسب اعتراف
الكثير من البرلمانات الاوروبية والكونغرس الأميركي بالابادة الارمنية، التي ما تزال حيّة في الوجدان والسلوك الأرمني
بالرغم من مرور ما يقارب المئة عام على حدوثها.
في المحصّلة، يبدو أن قدر السوريين أن يدفعوا ضريبة عن العالم أجمع،
فالأزمة الاوكرانية والتوتر الأميركي الروسي بات يرخي بظلاله على الحرب في سوريا،
فما قبل القرم ليس كما بعدها، والتسوية التي كان يؤمل تحقيقها نتيجة تفاهم روسي
أميركي في المنطقة باتت أصعب من ذي قبل، وبالرغم من اعتراف الجميع أن لا حلّ
عسكريًا في سوريا، إلا أن الميدان السوري يبقى هو الحَكَم والفيصل الذي سيحدد
النتائج ومن يكسب ماذا، ومن يخرج من التسوية ومن يقطف ثمارها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق